البحث عن توازن عربي

لن تكون بكائية عربية جديدة، فهذا شأن الثكلى، كما أنها لن تكون مرثية حزينة هذه المرة أبداً، لن يكون شيئاً من ذلك، إنما هو التذمر من الليل العربي الطويل العابس الجاثم علينا جميعاً، والتعزي بفجرٍ قادم، بدأت تتشكل ملامحه في الأفق، إنه إعلان انضمام إلى وميض البرق والنور والأمل القادم في هوية العربي الجديد.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/18 الساعة 00:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/18 الساعة 00:02 بتوقيت غرينتش

لن تكون بكائية عربية جديدة، فهذا شأن الثكلى، كما أنها لن تكون مرثية حزينة هذه المرة أبداً، لن يكون شيئاً من ذلك، إنما هو التذمر من الليل العربي الطويل العابس الجاثم علينا جميعاً، والتعزي بفجرٍ قادم، بدأت تتشكل ملامحه في الأفق، إنه إعلان انضمام إلى وميض البرق والنور والأمل القادم في هوية العربي الجديد.

البحث عن التوازن العربي:
أبحثُ لعلّي أجد سبباً واحداً يقنعني بالقبول بالواقع العربي، فلا أجد غير الحسرة تملؤني على هذا الزمن العربي المُتناثر، زمن التيه والتناقض، زمان تتهاوى فيه العقلية العربية بين الثبات والتفكك.

يأخذني التيه إلى البحث عن توازن عربي جديد بين كل هذا الشتات، الذي يخوض فيه الإنسان العربي مرحلة توازن يبحثُ فيها عن هويته الجامعة في قلب الضياع الذي عاشته أُمته سنوات، شهد فيها العربي تهاوياً في الثقة، وعجزاً في التغيير، وتصدعاً في الشعور والهوية.

مرت فترات فقد العربي كإنسان توازنه لفترة كافية من التيه والتشتت، مر زمان طويل والعربي غير متوازن، وفقدان التوازن في الدراسات النفسية يدل على فقدان العقل، وعندما يفقد الإنسان عقله يفقد كل شيء معه، نعم فقدنا لفترة كافية كل شيء، فالعقل هو ميزان التوازن والانضباط والتقدم.

عمر سحيق نعيش فيه الشتات الذهني والفكري والحضاري، نعيشهُ بشكل موجَّه مبرمج ومنظم أيضاً، عُمر نعيش الأشياء غير المعقولة وغير المقبولة وغير المتوازنة.

الحيرة التي يعيشها العربي جعلت منه إنساناً تائهاً يرى وطنه الكبير يتجزأ، يتآكل، يتمزق، تتشكل هوية أخرى، وهو يتغنى ويسعد بذلك تيهاً.
ملامح الأمل العربي:
يتأرجح كبندول الساعة بين صرخة حارقة تروح به إلى ليلٍ حالك، وأخرى تغدو به لفجرٍ جديد قادم، هذه هي النبرة التي بدأت تستعصي على البكاء، وتتشرب بالتحدي، وتتشبث بالأمل.

الأمل الذي يلوح في الأفق ليقتات منه ما يمكن من ربط الحياة بين الماضي الأصيل والمستقبل الذي يلوح بتباشير حالمة، بين ومضة وأخرى بعد أن فقد الحاضر العربي أي قيمة إنسانية وحضارية ممكنة للحياة والتعايش.

كان قدرنا أن نأتي بعد التاريخ وتُغلق الأبواب دوننا، حيث لا حياة، الناس أغلقوا وراءهم الأبواب، ودخلوا تاريخنا على حين غفلة، وجعلوا لهم دوننا حراساً، مهمتهم الموت، الموت لكل من يحمل مفاتيح نور وحياة وأمل وتجديد.

وفجأة بدت سوءاتهم، وبدوا خارج أسوار التاريخ حيارى عرايا، لكنهم لم يفهموا، ولم يتوبوا بعد!

توازَن أيها العربي،
توازَن فمنطق الحياة يقول البقاء للأصلح، الأصلح الذي يحترم قوانين العيش، ويؤمن بسنن التغيير والتطوير، سنن التنوع والتدافع، منطق الحياة يقول: البقاء للأقوى، الذي يؤمن بقوة العقل والمنطق، قوة الساعد والسلاح، قوة الكلمة والفكرة.
توازَن بالعواصف والعواطف ضد براكين واقع أسود أربد متآمر، ضد أنظمة متأمركة، وأخرى صامتة خانعة خليعة منبطحة.

كبرنا أعوماً حين صنعنا ربيعاً عربياً لأمُتنا، لتاريخنا، كنا قِبلة نعتقد أن المسافة بيننا وبين الثورة والنصر والاستسلام حتى الموت، كلمة قالها ملعون محنط، ذات تاريخ مزيف: "اللي ما يخافش من أميركا ما يخافش من ربنا"، كبرنا بعدها، كبرنا على صمتنا، على خوفنا، كبرنا أيضاً على زعماء التحنيط.

توازَن أيها العربي في وجه أنظمة لم تعد مجدية؛ لأنها غير متوازنة، غير متجددة، غير مجدية، فالخداع جريمة دفعنا ثمنه زمناً طويلاً.
توازَن واكتب تاريخاً يستحقه زمنك القادم، زمن يقبل التوحد والتنوع، لا التقاسم والانقسام والتشتت، عصرك القادم يريدك أن تسير في موكب الإنسانية الحضارية، لا الهروب إلى الخلف.

التاريخ لن يرحم:
توازَن فالتاريخ اليوم يملك أقماراً صناعية وأجهزة ذكية وذاكرة لن تنسى، ولن تقبل العبث بِها مرة أخرى، التاريخ اليوم قادر على الحفظ، قادر على الاسترجاع، إذاً توازن وقِف منتصباً مناضلاً كشجرة لا تموت إلا واقفة.

اصنع قدرك الحالم بتوازنك، فإن الأدهنة والزيوت النفسية والحزبية والطائفية والانقسام والتشتت كلها مشاريع صغيرة ستحيل بينك لو صدقتها وبين التاريخ.
أمامك أيها العربي فرصة أخيرة، ومساحة صغيرة تكفي لموقف بطولي واحد، كفيل بإعادتك إلى أبوب الحقيقة، قبل أن يغلق التاريخ ملفه، قبل أن يجيء دور ما تبقى ومن تبقى من العرب غداً.

توازَن أيها العربي، فكل مخاض لا يحوي في بطنه جنيناً مكتملاً لن يلد إلا شائهاً سقطاً ميتاً، وكل محاولة لعرقلة التقدم لن تنتصر إلا ريثما تنضج ممكنات التقدم.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد