البوركيني “Burkini”.. لم أكن هناك

بعيد أحداث هجومَي باريس ونيس الإرهابيين والمأساويين، وجد مزاج عام في أواسط الكثير من الفرنسيين والإعلام الفرنسي بالتشنيع بكل ما ينتمى فكراً أو شعائر للإسلام بكل ألوانه وأطيافه، حتى إن البعض من المتطرفين في الاستنتاجات أخذ يسجل ملاحظاته عن أي شخص في دائرة معارفه إن لم يكن يحتسي خمراً أو يأكل لحم الخنزير على أنه يتبنى أيديولوجية غير مرغوب بها في بيئته ومحيطه!!

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/18 الساعة 23:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/18 الساعة 23:24 بتوقيت غرينتش

تتناقل وكالات الأنباء العالمية المطاردات القائمة حالياً على شواطئ فرنسا الجنوبية، هذة المطاردات ليست مسجلة ضد إرهابيين أو ضد مهربي المخدرات أو تجار البشر أو تجار لحوم بشرية، إنها مطاردة من نوع جديد يدعى البوركيني (Burkini).
سيتساءل بعض القراء عن معنى الكلمة ومدلولاتها وأبعادها والقراءات المترتبة عليها.

سأدخل في الموضوع من خلال المصطلح الجديد، وهو بوركيني، المجموع من كلمتين "برقع" و"بكيني" ليكون كلمة Burkini، هذا حسب استنتاجي الشخصي للتسمية لعدم وجود تفسير آخر، البرقع هو ما يلبسه بعض نساء المسلمين كمظهر من مظاهر فهم التطبيق العملي للحجاب الإسلامي في تغطية الوجه، والبكيني هو لباس مرتبط بلباس النساء اللاتي يرتادون الشواطئ، جمعت المقاطع الأولى من الكلمتين لتكون كلمة جديدة تعني لباساً كاملاً للجسد لمن يرتاد البحر للسباحة مع كشف الوجه واليدين وأسفل القدم، وهذا اللباس استحدث منذ زمن، وسجل رصده في فرنسا عام ٢٠٠٩، ويشبه لباس الغواصين الكامل مع وجود قبعة تغطي كامل الشعر، وهناك تصاميم أخرى تؤدي نفس الغرض، مثل veilkini وMyCozzie.

بعيد أحداث هجومَي باريس ونيس الإرهابيين والمأساويين، وجد مزاج عام في أواسط الكثير من الفرنسيين والإعلام الفرنسي بالتشنيع بكل ما ينتمى فكراً أو شعائر للإسلام بكل ألوانه وأطيافه، حتى إن البعض من المتطرفين في الاستنتاجات أخذ يسجل ملاحظاته عن أي شخص في دائرة معارفه إن لم يكن يحتسي خمراً أو يأكل لحم الخنزير على أنه يتبنى أيديولوجية غير مرغوب بها في بيئته ومحيطه!!

مُرّر قرار حظر وتغريم لابسات البوركيني في شواطئ مدينة "كان الفرنسية" العامة في ١٣ أغسطس/آب بحظر وغرامة مالية تقدر بـ٣٨ يورو، ثم اتبعتها مدن فرنسية أخرى، والرقم في تصاعد بتبني نفس نظام الحظر والغرامة، طبعاً الحظر ليس بجديد، ولكن الغرامة وتسيير جوالة على الشواطئ ومعاينة اللابسين من غيرهم هو الجديد في الأمر.

طبيعياً قرار كهذا تحتدم فيه النقاشات وتتوالى ردود الفعل ولو على مستوى المنظرّين للحرية الشخصية ومنظمات مناهضة التمييز ولجان حقوق الاعتقاد ومنظمات الإسلاموفوبيا، لاسيما أنك في بلاد انطلقت منها الثورة الفرنسية الكبرى ومسودة حقوق الإنسان الحديثة!

كل فريق ينظر لدعواه: فالمؤيد للبوركيني يذهب إلى أن هذا جسد الشخص المعني ومن حقه أن يحتفظ لنفسه القرار بذلك، وأن الملبوس يجب أن يعامل كيونيفورم كأي ينفورم، بينما الجهة المقابلة تذهب إلى أن هذا اللباس يدعو إلى الفصل بين الجنسين والسعي لتجذير مفاهيم الجمهورية الفرنسية في إطلاق الحريات وبلاد الموضة.

هذا الجدال وغيره قد يمتد أو يقصر، ولكن كنا نتمنى كمراقبين للأخبار أن تتوجه الطاقات في محاربة المحرضين على القتل والكراهية من كل الطوائف والاتجاهات لقمع واقتلاع الإرهاب الدولي، وليس لفشّ خلق مجموعة مرتادي الشواطئ على لباس فتاة أو ثلاث فتيات كالبوركيني ستروا أجسادهن لمرض جلدي أو لقبح جسدي أو لالتزام بفهم ديني لا يضر حرية أحد.

هذا المثال في الحظر والغرامة على لباس محدد قد يكون منطلقاً لتشدد في التعاطي الانتقائي لكل أمور المسلمين في بعض مدن أو بعض بلاد أوروبية، وإن بادر العقلاء من كل الأطراف والجمعيات والمنظمات واللجان والمشرعين لمعالجة كل الملفات الهامة، والسعي لخلق فهم كبير أو أكبر، وتجريم التحريض الإرهابي في ربوع العالم بقرارات أممية فإنه دليل على انتصار الإنسان العاقل على الإنسان المتشدد في كل الأمور.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد