سلامٌ على الذين مروا هوناً دون أن يجرحوا المشاعر بكثرة السؤال، سلامٌ على الذين عبروا دون أن نشعر بثُقلهم، على الذين مكثوا فلن نشعر بطول مُكثهم، الذين لا يعنيهم سوى أن نكون بخير فلا شيء يعنيهم سوى ذلك، سلامٌ على الذين تخلصوا من شهوة السؤال، فلم يجرحوا ولم يُقحِموا أنفسهم في أُمورٍ لا تزيدُ إلا توتراً.
سلامٌ على الذين كانوا لنا بلسماً يُداوي، ولم يكونوا كياً يحرقُ بكثرة السؤال، فَلكَم لهم عندنا من تقدير وود واحترام أولئك الذين نُحب أن نشاركهم أوجاعنا وأفراحنا بكل صدق، فهم صَدَقُونا حين لم يؤذونا بتدخلهم مع وجودهم بجوارنا دائماً دون سؤال، فهم أقرب الناس لنا أولئك الذين يتمنون أن نكون بخير دون كثيرٍ من التفاصيل الجارفة.
أما هؤلاء الذين ينتهكون حياة الآخرين بأسئلة لا تزيد إلا رهقاً ويتدخلون في شؤون من حولهم ويتلذذون بتلك الأسئلة التي لا تُجدي خيراً، ويعتقدون أنه أمرٌ طبيعي أن نتدخل في حياة الناس، فهتكوا جميع الأستار، واقتحموا بأسئلتهم حياة من حولهم دون أدنى حياءٍ أو أدب، فأقول لهم كفاكم أسئلة.
كفى أن تسـألوا مثل هذه الأسئلة، كفى أن تسألوا بلسانٍ بارد لماذا لم تُنجبي حتى الآن؟!
اعلموا أولاً أنها حياتها وليست حياتكم، وبالطبع ستُخبركم عما تُريد هي لا أنتم، ثم ماذا استفدتم من مثل هذه الأسئلة التي قد تُرهق من تلقى عليه، وكأنها حجارة أُلقيت من على جبل، حتى وإن كانت بحسن نيةٍ منكم فصدقوني ستكون النتيجة واحدة، فكفاكم تدخلاً في حياة الآخرين.
كفى أن تسألوا من تأخرت عن الزواج لماذا لم تتزوجي بعد؟!
فما الفائدة من هذا السؤال أبداً؛ إذ إنها إن تزوجت ستعلن للجميع عن هذه الفرحة، أما عن السؤال فهو ليس إلا تذكاراً لأوجاعٍ قد يكون صاحبها تغلب عليها بالصبر، فتأتي أنت بذلك السؤال فتُعيد تلك الأوجاع التي كانت خامدة منذ قليل، وفي الأخير ما كان للجواب فائدة، فكفاكم تدخلاً في حياة الآخرين.
كفى أن تسألوا العمال البسطاء لماذا لا تعملون غير هذه الأعمال؟!
فهؤلاء الذين يعملون مثل هذه الأعمال البسيطة لو توافرت لهم ظروف عملٍ أفضل لذهبوا إليها دون سؤالك، وكونهم كذلك كونهم ليس لديهم مصدر للرزق إلا ذاك العمل البسيط الذي فضلوه على كثيرٍ من الأعمال المشبوهة وسيئة السمعة، وما يدريك لعلهم عند اللّه أفضل ممن شغلوا تلك المناصب الفارهة، فالعبرة بطيب الكسب وليس بنوعه، فكفاكم تدخلاً في حياة الآخرين.
كفى أن تسألوا ذاك المزارع البسيط لماذا لم يتعين ولدك مستشاراً ألم يكن الأول على دفعته؟!
إن أردتم أن تسألوا فلتسألوا المسؤولين الذين خانوا الأمانات، ووضعوا أبناء السلطة والنفوذ في مثل هذه المناصب، وقالوا بلسانٍ بارد تهمشت عنه كل قيم الأخلاق والحيادية، قالوا بنفس اللفظ (ابن البواب لا يمكن يبقى مستشار وكفاية عليه لحد كده)، وكأنهم يذبحون أباه بسكين قد تلم ويقول لسان حالهم (محدش قال لك علّمه كويس).
ردوا على مثل هؤلاء الظلمة لكن أرجوكم لا تقلبوا على هؤلاء البسطاء مواجعهم فكفاكم تدخلاً في حياة الآخرين.
كفى أن تسألوا ذاك الأب الذي فقد أحد أبنائه كيف مات ابنك أو ابنتك؟!
فلا توقدوا النار التي بداخله ولا تُرهقوا مشاعره بمثل هذه الأسئلة، فنعمة النسيان جعلها اللّه لكي تهون علينا المصائب، فلا تُعيدوا عليه تلك اللحظات المؤلمة، فكفاه أنه لن ينساه أبداً فاتركوه لعله يكون قد نسي بعض لحظات الفراق والألم فلا تعيدوا مواطن الجراح بعد أن أشرفت على أن تتبدل، فكفاكم تدخلاً في حياة الآخرين.
كفى أن تسألوا عن كل ما قد يجرح الآخرين، وفي الأخير شكراً جزيلاً لكل من تخلى عن مثل هذه الأسئلة.
وسلامٌ على الذين مروا هوناً دون أن يجرحوا المشاعر بكثرة السؤال.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.