للاطلاع على الجزء الأول من التدوينة يرجى الضغط على هنا
بعد أن توقف إطلاق النار وتبين أن تلك السيارة "المفخخة" لم تكن سوى سيارة لعائلة حزمت أمرها بالمغادرة، وحينما بدأ الجنود يسألونهم عن سبب كسرهم حظر التجوال ومخالفتهم الأوامر، فكان جواب العائلة أن "الموصل سقطت".
"سقطت الموصل"، لم أستوعب هذه العبارة، فكيف لعشرات الألوف من الجنود أن ينهزموا أمام عشرات المسلحين! قمت على عجل بتصفح مواقع التواصل للتأكد من الأخبار، فكانت الأنباء على كل الصفحات أن الجيش "ينسحب من مدينة الموصل".
قام الجيش في تلك اللحظات بترك معداته وملابسه العسكرية وبدأوا يطلبون من البيوت ملابس مدنية حتى يتمكنوا من الهرب وكانت مئات الآليات العسكرية متروكة على قارعة الطريق، ولم أشاهد انهياراً للجيوش فقط في أفلام هوليوود.
خرجت من البيت وكان الجندي القريب من بيتنا يخلع بزته العسكرية ويهرول مسرعاً، سألته: إلى أين تذهب؟ ولكنه لم يرد على سؤالي، ربما لم يستطع الكلام من هول الصدمة، ولم يقتصر هذا الحال على الجيش؛ إذ الناس بدأت تركض في الشوارع لا تعرف إلى أين تذهب، أتذكر تلك العجوز تقول: لقد قامت القيامة، والآخر يسدي النصح لنا لنخرج بأقصى سرعة.
"الخروج من المدينة" هو قرارنا؛ لأننا كنا نتوقع أن يحدث قصف عشوائي من الطيران بسبب سقوط المدينة، وكان هذا واقع المدن التي خرجت عن سيطرة الحكومة، لذلك أخذنا الحاجات الأساسية وانطلقنا، وكانت معسكرات الجيش كلها تحترق ولم نشاهد أثراً لسيطرتهم التي كانت تذيق المواطنين أنواع الذل.
"مئات الآلاف من السيارات تتوجه باتجاه إقليم كردستان"، وهذا كان خيار أغلب الهاربين من المدينة في تلك الليلة، إذ كانت هي البقعة الآمنة الوحيدة في العراق، السيارات لم تكن وحدها في الطريق وإنما كان هناك المئات خرجوا سيرا على الأقدام، والآخرون خرجوا ومعهم قطيع الأغنام وأكاد أجزم بأن الناس لم تكن تعرف ماذا تفعل.
"أفضّل الموت على هذه المذلة"، قالها والدي؛ إذ لم يستطع أن يتحمل ذلك المشهد، فقررنا العودة إلى البيت وانتظار ماذا تخبئ لنا الأقدار. وفي طريق العودة، شاهدنا عشرات الجنود يتمنون أن يخرجهم شخصٌ خارج المدينة خوفاً من المجازر التي قد يرتكبها "داعش" في حقهم.
عدنا إلى بيتنا، ولكننا لم نذق طعم النوم تلك الليلة بسبب إطلاق النار المتقطع وهاجس القصف الذي قد يحدث، وكنت أفكر في طرق الموت التي قد تحدث لنا، وبقيت طوال الليل أفكر في أبشع السيناريوهات التي من الممكن أن تحدث.
في الصباح، أجمعنا على أن "سامراء هي وجهتنا"؛ إذ كانت بعيدة عن الموصل، وبالإضافة إلى أن أغلب أقاربنا كانوا هناك.. قبل أن نترك البيت، توقفت أودعه ولم أكن أعرف أنه اللقاء الأخير!
"اصعد؛ لقد تأخرنا"، كان هذا نداء إخوتي؛ لأني انشغلت ببعض الأمور، وكانوا يقولون: كلها أيام وسوف نعود، لا داعي للقلق! وبدأنا بتلاوة دعاء السفر، وأقولها بصدق: تلك المرة دعاء السفر كان مختلفاً، وفي الطريق كانت سيارات "داعش" تجوب المدينة.
"حجي، توكل على الله، دولة الإسلام باقية" بهذه العبارات غادرنا آخر نقطة تفتيش نصبها "داعش"، وكانت رحلة الذهاب إلى سامراء مغامرةً مكتملة الأركان… نحكي تفاصيلها في تدوينه لاحقة بإذن الله.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.