لا أحد يستطيع أن ينكر بأن كُلاً منا يحمل في داخله قاضياً صغيراً يُطلِقُ الأحكام على كُل ما يحدث في هذا العالم البائس من وجهة نظره هو، وقد يكون متسرعاً في إطلاق حُكمه بأغلب الأحيان دون مُحاولةٍ لاستيعاب الأطراف الأخرى من الصورة التي قد تكون جليّة ومفصليّة لمرتكب "الجريمة" لكننا، في بُرجِ الـ"أنا" العاجي لا نستطيعُ أن نراها.
لا أحد يستطيع نُكران ذلك، فهذه طبيعة حياتيّة نُعجّن عليها لا إرادياً لصنع حيّز ثابت خاص بنا، والقدرة على تخطي هذا الحيّز -الواسع الضيّق- والنظر في قلوب الآخرين وفهم الحالة الفكريّة التي تؤدي بهم لتصرفٍ ما هي أمرٌ -منهك جداً بالمناسبة- لا يملكه الجميع.
من الأشياء الجميلة – المخيفة التي تمنحنا إياها الأفلام هي "المشي في حذاء" شخصٍ آخر لمدةٍ لا تقلّ عن الساعة والنصف بالعادة. قد نظنُّ كمشاهدٍ بسيط أننا نُتابع حكاية ما كطرفٍ مُحايد يناظر الأحداث من أعلى، لكن، في الحقيقة، الأفلام دائماً ما تُروى من وجهة نظرٍ واحدة مدروسة تجعلنا جزءاً من الحالة الفكريّة للبطل – الذي قد لا نُتوّجه بهذا القدر من الأهمية لو استمعنا لذات الحكاية من منظورٍ مختلف – فنتألم لألمه هو، ونفرح لفرحه هو، ونبرر له أخطاءه جميعها غير آبهين بحياةِ الآخرين التي قد تكون على المحك أو دُفِعَت ثمناً لجشع الفكرة التي يريد المخرج وطاقم العمل إيصالها.
أن نخرجَ من ذواتنا وننظرَ للأمور من حالةٍ فكريّة مغايرة بشكلٍ إراديّ أمرٌ يصعبُ على صنم الأنا المثاليّ في داخلنا تنفيذه في كثيرٍ من الأحيان، لكننا نسمحُ لبضع أشخاصٍ نجهل كُنههم باختراقِ منظومة الرؤية النرجسيّة لدينا وتوجيه مؤشراتِ التعاطف والاحتواء للجّهةِ التي يرغبون، ويحصلون عند انسدال الستارة -حتى لو أُغلقت على بعض الأعناق- على تصفيقٍ جمٍ منا، واحتفاء.
الأشياء التي باتت تحدثُ بشكلٍ يوميّ في العالم تجعلنا نتساءل إن كُنّا جزءاً من فيلمٍ طويلٍ دون أن نعي، وفي لحظةٍ ما هُنالك ستارة خفيّة سوفَ تُسدَل، وسنستمع لتصفيقٍ حار من مشاهدٍ خلفها يعيشُ دورَ البطولةِ مجهولة النسب.
وقد يكون هذا أكثر التفسيرات منطقيّةَ لكل الفوضى التي يعجّ بها هذا المكان.
فإن كان الأمر كذلك، وإن لم يكن أيضاً، كم كانت ستكون العلاقات البشريّة أقل تعقيداً لو تناولناها كفيلمٍ سينمائي يتغيّر فيه البطل دون دفع ثمن التذكرة في كل مرة؟
قالها حسين البرغوثي سابقًا، ولا بُدّ من تجديد العهد دائمًا: طوبى للذين يتسعون.
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.