الديمقراطية والإسلام.. تنازع أم توافق؟

تجلت حكمة الله في خلو الشريعة الإسلامية من تحديد دقيق لشكل الحكم في الإسلام؛ ليكون التشريع بذلك صالحاً لكل زمان ومكان حتى يقضي الله بين العباد، فبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم تعاقب الخلفاء والملوك والسلاطين والأمراء في حكم الدولة الإسلامية، وإن اختلفت مسمياتهم على مدار الأزمان، فقد اتفقت هويتهم على إعلاء كلمة الله وإقامة شرائعه والدفاع عن الأمة الإسلامية ضد أعدائها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/07 الساعة 08:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/07 الساعة 08:21 بتوقيت غرينتش

تجلت حكمة الله في خلو الشريعة الإسلامية من تحديد دقيق لشكل الحكم في الإسلام؛ ليكون التشريع بذلك صالحاً لكل زمان ومكان حتى يقضي الله بين العباد، فبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم تعاقب الخلفاء والملوك والسلاطين والأمراء في حكم الدولة الإسلامية، وإن اختلفت مسمياتهم على مدار الأزمان، فقد اتفقت هويتهم على إعلاء كلمة الله وإقامة شرائعه والدفاع عن الأمة الإسلامية ضد أعدائها.

ورغم ذلك فقد حددت الشريعة الإسلامية الكثير من الضوابط التي تحكم نظام الحكم في الإسلام، أولها ضرورة توحد المسلمين واجتماعهم على كلمتهم تحت راية واحدة مصداقاً لقول الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم (عليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية). الأمر الثاني يتمثل في ضرورة التزام الحكام بإقامة الشورى استناداً لقول الله تعالى (وشاورهم في الأمر)، ولحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه القائل: (سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزم، فقال: مشاورة أهل الرأي واتباعهم).

الأمر الثالث يتمثل في استقرار شرائع الخلفاء الراشدين على حق الأمة في اختيار حاكمها عن رضا واقتناع، وليس أدل على ذلك من مبايعة المسلمين إلى الخلفاء الراشدين واحداً تلو الآخر. إلى جانب هذه الأمور، يظهر جلياً حق الأمة في مساءلة حكامها ومحاسبتهم على أفعالهم، ثم تأتي مبادئ العدل والمساواة في قمة الضوابط الشرعية التي تحكم نظام الحكم في الإسلام.

على منحى مختلف، تنتشر فكرة الديمقراطية – حكم الشعب لنفسه كنظام للحكم في أرجاء العالم شرقاً وغرباً، فحسب إحصائيات منظمة فريدم هاوس "بيت الحرية"، بلغ عدد الدول المطبقة للديمقراطية بأنواعها المختلفة، سواء المباشرة أو غير المباشرة والليبرالية وغير الليبرالية، نحو 120 دولة في العام 2000. على الجانب الآخر، لا تزال الديمقراطية كنظام للحكم تلقى معارضة شديدة من جانب الكثير من علماء الأمة الإسلامية في العصر الحديث، لكن ما هي الأسانيد التي اعتمد عليها هؤلاء العلماء في تحريم العمل بالنظام الديمقراطي في الدول الإسلامية؟ وهل هناك ردود على تلك الآراء بأدلة وأسانيد أخرى؟

الفريق المعارض لفكرة الديمقراطية يقول بأن الديمقراطية تعطي حق التشريع للشعب، في حين أن الشريعة الإسلامية تثبت هذا الحق لله تعالى فقط، مستندين بذلك إلى قول الله تعالى: "إن الحكم إلا لله". الحجة الثانية التي استند إليها هذا الرأي تتمثل في أن النظام الديمقراطي يمنح الشعب بشكل متساوٍ حق اختيار الحاكم، وفيهم ضعيف الرأي وسفيه العقل ومن ليس له دراية بشؤون الحكم والسياسة، في حين يعتمد اختيار الحاكم في الإسلام على مجموعة من النخبة يسميهم الفقه الإسلامي بأهل الحل والعقد.

أما الحجة الثالثة فتقول بأن الشورى في الأنظمة الديمقراطية ملزمة للحاكم، فعند عرض أية قضية على مجلس النواب مثلاً يكون رأيه ملزماً للحاكم، وكذلك الحال في الاستفتاءات العامة. على الجانب الآخر، يرى العلماء أن الشورى ملزمة في إقامتها وليست ملزمة في الأخذ بها، فقد يستشير الحاكم الكثير من الناس وقد يأخذ برأيهم وقد لا يأخذ، وقد يأخذ برأي القلة منهم دون الكثرة.

ويرد الفريق المؤيد للديمقراطية بتفنيد حجج المعارضين، فبشأن الحجة الأولى، فيؤكد أن التشريع في صورة معرفة الحلال من الحرام هو أمر قاصر فقط على القرآن والسنة والمصادر التشريعية الإسلامية، مع ترك استنباط الأحكام الشرعية لعلماء الأمة. أما التشريع في صورة سن الدساتير والقوانين واللوائح فهو أمر متروك للإنسان؛ لينظم به حياته ويحكم به ما يستجد من أمور بشرط ألا تخالف تلك التشريعات نصاً شرعياً صريحاً في القرآن والسنة.

في ما يتعلق بالحجة الثانية، يرد هذا الفريق قائلاً إن الديمقراطية المباشرة فقط هي من تعطي الشعب سواسية الحق في اختيار الحاكم، وهي غير معمول بها في الكثير من الدول الآن، أما الديمقراطية غير المباشرة فهي تعطي للشعب الحق في اختيار نواب عنه يقومون بعد ذلك باختيار الحاكم، وهو أمر شبيه بأهل الحل والعقد في الإسلام.

كما يثير هذا الفريق رأياً مفاده أن فكرة أهل الحل والعقد الموجودة في الفقه الإسلامي فكرة فضفاضة، فلم تحدد بالضبط من هم أهل الحل والعقد وكيف يتم اختيارهم. ففي عصور الخلافة الراشدة، كانت فكرة اختيار أهل الحل والقعد بسيطة تتمثل في صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن بعد انقضاء عصر الصحابة، أصبح من العسير اختيار أهل الحل والعقد، فالبعض يحددهم في كبار العلماء والفقهاء، والبعض الآخر يرى أنهم أصحاب الدراية بشؤون الحكم والسياسية. وفي النهاية لن يكون هناك مناص من الاحتكام إلى الشعب في اختيار أهل الحل والعقد، وهو بالفعل ما تفعله بعض الديمقراطيات الحديثة.

أما عن الحجة الثالثة القائلة بأن الشورى ليست ملزمة في الأخذ بها، فيرد الفريق المؤيد للديمقراطية بالقول إن ازدياد وعي الشعوب بالحقوق والواجبات وانتشار التعليم يجعل رأي جميع الأفراد سديداً إلى حد بعيد في اختيار الحكام وفي معرفة الحق من الباطل. الأكثر من ذلك أن النظم الديمقراطية غير المباشرة تقصر الرأي على حفنة قليلة من نواب الشعب فيما يخص الشؤون السياسية المصيرية.

المؤكد بين تلك الآراء المعارضة والمؤيدة أن الديمقراطية ليست محرمة تحريماً مطلقاً ولا جائزة بشكل مطلق دون شروط ولا قيود. فإذا تم تقييد تطبيق الديمقراطية بالضوابط الشرعية أصبحت جائزة؛ لأن الإسلام لا يحرم شيئاً دون علة أو ضرر. بالإضافة إلى ذلك، فإن الديمقراطية باعتبارها ثمرة من ثمرات الفكر الإنساني النافعة للبشرية لا تتعارض مع الإسلام في مجملها، إلا ما كان منها يخالف شرائع الإسلام وضوابطه.

ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.