اختلافنا محتم

هو الاختلاف المحتم إذن! الذي يستوجب علينا التعايش معه لا غير، لكن هيهات، هذا ما يكاد يكون منعدماً على أرض الواقع، فما نعيشه في حياتنا من مظاهر العنف ما هو إلا انعكاس لعدم تقبلنا لاختلافاتنا، رفضنا لها واستصعاب التعايش معها، فهنا قتل بدافع الدين وهناك إبادة ومبررها العرق واللون، احتقار والذريعة فقر وقلة ذات اليد، وإذلال وإخضاع والسبب جنس.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/03 الساعة 07:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/03 الساعة 07:39 بتوقيت غرينتش

وأنت تغوص بين الحشود.. سيعجبك اختلافهم.. ألوان نظراتهم بدرجاتها وأطلية أجسادهم.

ستبهرك ألسنتهم وستدهشك فروقاتهم.. ستمر على بطاقاتهم التعريفية سريعاً في اتجاه الكواليس رغبة منك وفضولاً في رؤية ما وراء الستار! ستثير اهتمامك خبايا أفكارهم وستستوقفك مبادئهم واعتقاداتهم.

هنا فقط ستدرك أن الاختلاف الحقيقي ليس ما نراه بأعيننا، وإنما ما نراه بفكرنا وعقولنا، وأن نظرتنا للغير لا تحكمها عدساتنا، بل تحددها قلوبنا؛ فكلنا بشر من طين شُيدنا، ولولا هذا الأخير لرمينا حتماً في زنزانة الملل والرتابة من شدة التطابق.

هو الاختلاف الذي يميزنا عن الغير، يصنع منا شخصاً ذا عقل وروح، ويمنحنا قيمة في صفوف البشر، يجعل لنا كياناً بين الآخرين، وينتشلنا من دائرة العدم إلى الوجود.

هو الاختلاف المحتم إذن! الذي يستوجب علينا التعايش معه لا غير، لكن هيهات، هذا ما يكاد يكون منعدماً على أرض الواقع، فما نعيشه في حياتنا من مظاهر العنف ما هو إلا انعكاس لعدم تقبلنا لاختلافاتنا، رفضنا لها واستصعاب التعايش معها، فهنا قتل بدافع الدين وهناك إبادة ومبررها العرق واللون، احتقار والذريعة فقر وقلة ذات اليد، وإذلال وإخضاع والسبب جنس.

تعصب وتحجر فكري وعنصرية تلقي بالعالم في الهاوية وتخسف به في دركات الجهل والعار.
أي جنون هذا؟! وغير الجنون لم أجد كلمة تليق بالتعبير!
أليس جنوناً أن تفرض على غيرك أن يكون نسخة منك؟ أن تلزم عليه التلحف بعباءتك ذاتها حتى ولو كان المقاس لا يناسبه؟
أليس جنوناً أن تضعه في قالب منحوت على هواك وتخييره بين القبوع فيه أو إطلاق رصاصة على سنين عمره؟ أن تحد تفكيره عند العتبة التي تحددها أنت؟

أليس جنوناً أن تطفئ نور حياته؟ أن تذله وتسلب حريته؟ أن تعذبه وتهينه… فقط، لأنه ليس كما أردت وتريد أن يكون؟!
مَن أنت حتى ترسم طريق الآخرين؟ من أعطاك الحق ومنحك مسؤولية محاسبتهم واتخاذ الإجراءات بحقهم؟
فعلاً جنون!! لا أجد نفسي إلا مشفقة على مَن امتهنوا التشرذم وجاهروا به بفخر غاضّين البصر عن الحكمة خلف هذا التباين، الذي من شأنه تطويرنا كأفراد ومجتمع، وليس تحويلنا إلى أشلاء ضحايا.

فالتعايش مع أشخاص لا ينتمون إلى نفس بيئتنا الفكرية، العقائدية، الاجتماعية… كفيل بوضعنا في دائرة الدهشة والبحث ثم الاكتشاف.. بمنحنا فرصة التعرف على ذواتنا أولاً.. على تفاصيلنا الصغيرة التي يمكن أن نجهلها من قبل.. كفيل بإهدائنا تذكرة سفر لخوض مغامرة استنباط ما يسكننا من جواهر عبر معرفة الآخر واكتشافه من خلال دينه واعتقاداته.. ثم أفكاره.. اهتماماته ومبادئه.. كفيل بجعلنا نعيش حياة التسامح والحلم ونحن نقرأ العالم.. كفيل بإعلاء قدرنا أمام أعيننا قبل أي أحد ووضعنا في أسمى مراتب الرقي والرفعة.. كفيل ببلورة إطاري، إطارك وإطاره في أن نكون "أنا" و"أنت" و"هو" و"هي" لنصير "نحن".. لا "أنا"، "أنا" و"أنا"، أن نستفيد من الـ"هو" وننتفع من تجارب الـ"هي" ونتذوق مما يقدمون لنا من ثمار! فاختلافاتهم دروس لنا! واختلافاتنا دروس لهم!

كفانا تعصباً إذن إن اختلافنا محتم!

ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد