“ضد الانتخابات: دفاعاً عن الديمقراطية”.. رؤية سياسية جديدة لكاتب بلجيكي جديرة بالتأمل

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/30 الساعة 12:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/30 الساعة 12:59 بتوقيت غرينتش

إنها أوقات عصيبة لأنصار الديمقراطية. في أميركا، هناك احتمال وارد بأن يغدو دونالد ترامب، نجم برامج الواقع في وقت ما ورجل الأعمال البارز هو الرئيس القادم للولايات المتحدة، حتى مناصروه يؤمنون بأنه لا يفقه الكثير عن السياسة، وهذا مكمن سحره الرئيسي.

بينما تعاني الحكومات المنتخبة في أوروبا لتحقيق الوعود الانتخابية التي قادتها للسلطة نتيجة ارتباطها بمؤسسات غير منتخبة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وفي شمال إفريقيا والشرق الأوسط تحول الأمل الديمقراطي الذي جاء به الربيع العربي إلى شتاء شبيه بلعبة العروش (Game of Thrones).

انقسامات الأحزاب البريطانية

كما عصفت الانقسامات بالحزبين الرئيسيين هنا في المملكة المتحدة، ليسقط قادتهما أو يوشكا على السقوط، بالإضافة لنتيجة الاستفتاء التي كان عليها أن تمنح الناس قوة اختيار مصيرهم لكنها أسفرت عن أزمة دستورية واقتصادية بدلاً عن ذلك.

منذ أسبوعين نظمت ابنتي البالغة من العمر 16 عاماً وقفة احتجاجية في محيط البرلمان للاعتراض على منعها ورفاقها من نفس الفئة العمرية (16-17 عاماً) من الإدلاء بأصواتهم حول مستقبلهم الأوروبي في الوقت الذي تمتع فيه أقرانهم الاسكتلنديين بذلك الحق لتقرير البقاء أو الانفصال عن المملكة المتحدة. ومع ذلك فإن الفئة العمرية (18-24 عاماً) كانت هي الفئة الأقل إقبالاً على التصويت في 23 يونيو/تموز، على الرغم من أنها لم تبلغ المعدلات المنخفضة التي تم توقعها مسبقاً.

إذا كانت الانتخابات هي الإجابة، فمن المنطقي أن يتساءل أحدهم: ما السؤال إذاً؟

هذا هو ما يتناوله الكاتب البلجيكي ديفيد فان ريبروك في كتابه المثير والمُتأمِل "ضد الانتخابات: دفاعاً عن الديمقراطية". للوهلة الأولى قد يبدو العنوان متناقضاً، فالانتخابات هي حجر الأساس في الديمقراطية، لكن فان ريبروك يرى أن عبث الانتخابات، المليئة بالوعود الفارغة أو المضللة، هو ما يقوض العملية الديمقراطية.

يرى فان ريبروك أننا نحيا في أوقات خطيرة تشهد اهتماماً متزايداً بالسياسة في الوقت الذي يتراجع فيه الإيمان، ويقول أيضاً إن "متلازمة الإعياء الديمقراطي هي اضطراب لم يوصف بعد بشكل كامل، لكنها هي ما تعاني منه العديد من المجتمعات الغربية بالتأكيد".

وبعدما شبه فان ريبروك الوضع الحالي بالمرض، انطلق لعرض أفكاره في 3 فصول طويلة حملت عناوين التشخيص ومسببات المرض والعلاج. كما بدأ في توضيح فكرته بشأن الديمقراطية وكيف أخطأنا حين دمجنا الديمقراطية مع الانتخابات، وكيف أننا نستمر في استخدام نظام عفا عليه الزمن في عصر تقني يسمح لنا بتوفير مشاركة أكثر عمقاً.

واستنتج في فصل التشخيص أن "الانتخابات هي الوقود الأحفوري للسياسة، فهي ما دفع الديمقراطية بداية، مثلما دفع النفط الاقتصاد، أما الآن فهي تتسبب بمشكلات هائلة".

العلاج

أما العلاج الذي يقترحه فان ريبروك فليس جديداً، بل هو قديم للغاية: وهو ما يُدعى Sortition، وهو النظام الذي استُخدم قديماً في أثينا وفي جمهوريات عصر النهضة في البندقية وفلورنسا، ويتمثل في اختيار عدد صغير من الشعب بشكل عشوائي، وتمكينهم من دراسة إحدى القضايا كممثلين لعامة الشعب. ويمكن اختيار عدد من الممثلين العشوائيين لكل جزء أو قضية تشريعية.

بهذه الطريقة سيتم التعامل – نظرياً – مع كل قضايا الهوية والتمثيل، إذ سيتم تمثيل النساء والأقليات والفئات العمرية المختلفة بدقة، كما يقول فان ريبروك إن حمى الانتخابات والفساد ستنخفض وسيزداد التركيز على الصالح العام. بالطبع يُطبَّق هذا النظام بفاعلية في هيئة المحلفين، إذ نعهد إلى 12 شخصاً عشوائياً من الشعب بمسؤولية الوصول إلى قرار مستنير بشأن أبشع الجرائم. إذاً لِمَ لا نمد هذه الممارسة لتصل إلى المجالين الحكومي والسياسي؟

هنا تصبح نظرية فان ريبروك مثالية ومتفائلة بعض الشيء. يعمل نظام هيئة المحلفين جيداً حين تكون الأدلة واضحة أو لا تتطلب قدراً من الخبرة على الأقل، لكن أداءهم ليس بنفس الجودة حين يتعلق الأمر بقضايا الاحتيال المالي المعقدة على سبيل المثال. وهناك قدر من الاستياء العام، الذي تزيد منه وسائل الإعلام بلا شك، تجاه حصول المذنب على حريته.

إذاً ماذا عن نقل هذه المشكلات للمجال السياسي حين يوصي ممثلو الشعب العشوائيون بنظام مواصلات باهظ الثمن وغير مُجدٍ، أو بخفض نفقات الدفاع الذي قد نحتاجه لاحقاً، أين يمكننا تسجيل هذا الإحباط؟ وكيف؟ لن يكون بإمكانك دعوة الشعب للتصويت. إحدى مسؤوليات السياسيين المنتخبين الحالية هي تلقي صدمات الديمقراطية. إنه ليس دوراً منتجاً، لكنه قد يكون ضرورياً.

ربما من الممكن تطبيق هذا النظام للتمثيل العشوائي في بعض الحالات سواء بشكل كامل أو بشكل جزئي، لكننا بحاجة لإعادة النظر في الانتخابات وإيماننا بها. تبقى الانتخابات جزءاً حيوياً من العملية الديمقراطية، ليس جزءاً فقط بل هي مثال نادر على إقبال الجماهير ومشاركتهم. دعونا لا نتخلى عن الانتخابات الآن.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.

تحميل المزيد