قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الجمعة 29 يوليو/تموز 2016، إنه إذا ثبت أن العملية الإنسانية الروسية في حلب حيلة فإن ذلك سيعرّض للخطر التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الحل السياسي لإنهاء الحرب الأهلية السورية.
وقال كيري رداً على سؤال لأحد الصحفيين: "إذا كانت حيلة فإنها تحمل مخاطرة تدمير التعاون تماماً".
وأضاف: "من ناحية أخرى إذا تمكّنا من حل الأمر اليوم والوصول إلى تفهم كامل لما يحدث ثم التوصل إلى اتفاق بشأن سبل المضي قدماً فإن ذلك يمكن أن يفتح فعلياً بعض الاحتمالات".
ممرات الموت
يلازم سكان الأحياء الشرقية المحاصرة في مدينة حلب شمال سوريا منازلهم، الجمعة، نتيجة القصف العنيف الذي تتعرض له مناطقهم، وفي ظل تحذير الفصائل المقاتلة من خطورة سلوك المعابر الإنسانية التي قرر النظام فتحها أمام الراغبين بالمغادرة، والتي وصفتها المعارضة بـ"ممرات الموت".
وعرضت الأمم المتحدة، الجمعة، الإشراف على هذه "الممرات الإنسانية"، تزامناً مع تشكيك محللين ومنظمات حقوقية وإغاثية في نوايا النظام السوري وحليفته روسيا، في ظل الحصار الكامل المفروض على الأحياء الشرقية، حيث يعيش 250 ألف شخص، وفق الأمم المتحدة.
ويجمع محللون على أن تطبيق المبادرة الروسية سيؤدي الى سيطرة قوات النظام بالكامل على مدينة حلب، في خطوة ستشكل ضربة قاسية للفصائل المعارضة.
معابر إنسانية
وغداة إعلان النظام وروسيا، الخميس، فتح معابر إنسانية، خلت الشوارع من المارة، إذ لزم السكان منازلهم خوفاً من القصف وتوقفت المولدات الكهربائية في عدد من الأحياء بسبب نفاد الوقود، وفق مراسل لوكالة فرانس برس.
وقال المراسل إن المعابر كافة كانت لا تزال مقفلة اليوم. وهو ما أكده مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن، مشيراً الى أن "المعابر عملياً مقفلة من ناحية الفصائل لكنها مفتوحة من الجانب الآخر، أي في مناطق سيطرة قوات النظام".
وأوضح عبدالرحمن أن "نحو 12 شخصاً فقط تمكنوا من الخروج عبر معبر بستان القصر منذ أمس قبل أن تشدد الفصائل المقاتلة إجراءاتها الأمنية وتمنع الأهالي من الاقتراب من المعابر".
وأعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الخميس، بدء "عملية إنسانية واسعة النطاق" في حلب، قبل أن تعلن قوات النظام فتح 3 معابر أمام المدنيين الراغبين في الخروج من الأحياء الشرقية المحاصرة في مدينة حلب.
وذكر شويغو أن ممراً رابعاً سيفتح في الشمال على طريق الكاستيلو ليسمح "بمرور المقاتلين المسلحين بشكل آمن".
وتشهد مدينة حلب منذ صيف عام 2012 معارك مستمرة وتبادلاً للقصف بين الفصائل المقاتلة التي تسيطر على الأحياء الشرقية وقوات النظام التي تسيطر على الأحياء الغربية وتكثف غاراتها وعمليات القصف بالبراميل المتفجرة التي أوقعت مئات القتلى.
"حلب تنتصر"
ووضع التلفزيون السوري الرسمي الجمعة شعار "حلب تنتصر"، تزامناً مع بث مشاهد من الأحياء الغربية تخللتها مقابلات مع سكان ومسؤولين محليين يحتفلون بإنجازات الجيش.
وبحسب عبدالرحمن، "يريد الروس والنظام من خلال فتح المعابر الإنسانية الإيحاء بأنهم يريدون حماية المدنيين لكنهم يستمرون في المشهد الآخر في قصفهم للأحياء الشرقية".
"الإشراف" على الممرات
وقال عضو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أحمد رمضان، لفرانس برس: "ليس هناك أي ممرات في حلب توصف بممرات إنسانية، فالممرات التي تحدث عنها الروس يسميها أهالي حلب بممرات الموت".
وأضاف: "نعتبر الإعلان الروسي جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية"، مشيراً الى "مخطط يشارك فيه الطيران الروسي والحرس الثوري الإيراني لتهجير الأهالي من مدينتهم".
ورأى أن ما يجري في حلب "تدمير كامل ومنهجي للمدينة على سكانها سواء كانوا مدنيين أم مقاتلين"، في وقت اعتبرت عضوة وفد المعارضة الى جنيف، بسمة قضماني، في بيان أن "هذه المعابر ليست مخصصة لإدخال المساعدات إنما لإخراج الناس".
وتتهم المعارضة والفصائل قوات النظام باستخدام سياسة الحصار لتجويع المناطق الخارجة عن سيطرتها وإخضاعها، بهدف دفع مقاتليها الى تسليم سلاحهم.
واقترح الموفد الدولي الخاص الى سوريا ستفان دي ميستورا، الجمعة، في مؤتمر صحفي في جنيف أن "تترك لنا روسيا الممرات التي فتحت بمبادرتها"، موضحاً أن "الأمم المتحدة وشركاءها الإنسانيين يعرفون ما ينبغي القيام به، لديهم الخبرة".
وأضاف: "نؤيد مبدئياً وعملياً الممرات الإنسانية في الظروف التي تسمح بحماية المدنيين"، مكرراً الدعوة الى "هدنات إنسانية من 48 ساعة لإتاحة العمليات عبر الحدود وعبر خطوط الجبهة" في حلب.
وانتقدت فرنسا بدورها "الممرات الإنسانية". وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية رومان نادال إن "فرضية إقامة (ممرات إنسانية) تقضي بالطلب من سكان حلب أن يغادروا المدينة لا تقدم حلاً مجدياً للوضع".
معضلة وجودية
وبحسب مصدر دبلوماسي غربي، "يريد الروس والنظام دفع الناس الى تسليم أنفسهم". ويقول لفرانس برس: "ما يريدونه هو الاستسلام وتكرار ما حدث في حمص" عام 2014 حين تمّ إخراج نحو 2000 مقاتل من المدينة القديمة بعد عامين من الحصار المحكم والقصف شبه اليومي من قوات النظام.
ويرى مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، كريم بيطار، أن "سكان حلب يواجهون معضلة وجودية رهيبة، إذ غالباً ما يضطرون الى الاختيار بين خطري الموت جوعاً أو خلال فرارهم".
ويضيف: "سكان حلب في محنة ويعيشون حالة من انعدام الثقة، وهو أمر مفهوم بعدما أثبتت المأساة السورية أن الجانب الإنساني غالباً ما يوظف كخدعة لتعزيز مصالح جيوسياسية".
ويقول بيطار: "سقوط حلب يعني أن الأسد وبوتين حققا أحد أهدافهما الرئيسية واستعادا اليد الطولى" في سوريا.
ويوضح الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية، إميل حكيم، من جهته أن خسارة الفصائل حلب يعني "هزيمتها في شمال سوريا"، وأنها "لم تعد تشكل تهديداً استراتيجياً للنظام".
على جبهة أخرى، أعلنت منظمة "سايف ذي تشيلدرن"، الجمعة، تعرض مستشفى توليد تدعمه في محافظة إدلب (شمال غرب) للقصف متحدثة عن وقوع ضحايا من دون تحديد العدد. وأكد المرصد وقوع "غارات نفذتها طائرات حربية على بلدة كفر تخاريم".