رئيس الوزراء الأسترالي "مصدوم جداً ومصعوق" من صورة مراهق غُطي رأسه وربط بكرسي يقيد الحركة وسط انتهاكات أخرى.
فتح رئيس الوزراء الأسترالي تحقيقاً علنياً بعيد نشر صور لأطفال في سجن للأحداث يتعرضون للإساءة والانتهاك والتكميم والربط بطريقة ذكرت الجميع بممارسات سجني أبوغريب وخليج غوانتانامو، وفق مقالة لصحيفة الغارديان في 26 يوليو/تموز 2016.
رئيس الوزراء مالكولم تيرنبول أعلن فتح تحقيق في هذه الصور المشينة بعد ساعات من عرضها على شاشة قناة تلفزيونية عامة، حيث أظهرت الصور طرق معاملة الأطفال الأحداث في مؤسسة سجن وإصلاحية دون ديل Don Dale في مدينة داروين بمقاطعة أستراليا الشمالية.
انتهاكات قاسية
من بين الصور التي نشرتها قناة ABC الحكومية في برنامجها فور كورنرز Four Corners يوم الاثنين، ظهر شاب صغير يقوم الحرس بتجريده من ثيابه ثم بطحه أرضاً.
وفي صورة أخرى قارنها برنامج "فور كورنرز" بالصور الشهيرة من سجن أبوغريب في بغداد أو سجن غوانتانامو الأميركي، ظهر المراهق ديلان فولر (17 عاماً) وقد كُمم وغُطي رأسه ورُبط مقيداً بكرسي يعيق حركته وذلك لمدة ساعتين.
وتعد هذه الكراسي من الأدوات المدرجة في قائمة "أدوات الكبت الموافق عليها"، والتي ضمّت مؤخراً لائحة واسعة من الأدوات الأخرى التي صادقت عليها قوانين حكومة المقاطعة الشمالية المذكورة.
ديلان ظهر في عدة صور أخرى وهو يلقى صنوف الانتهاكات على يد الحراس، وينوي ديلان و5 سجناء سابقين آخرين من نزلاء سجن أحداث دون ديل أن يرفعوا قضية على حكومة المقاطعة الشمالية على خلفية طريقة معاملتهم أثناء فترة مكوثهم في الإصلاحية.
المحامي بيتر أوبراين والذي يمثل ديلان فولر وسجيناً سابقاً آخر هو جيك روبر قال إن فولر حالياً محبوس انفرادياً ضمن سجن لكبار الأحداث اليافعين، وطالب المحامي بإطلاق سراح فولر فوراً "فعواقب وآثار سنوات المعاملة الوحشية هذه لابد من قياسها، وهو بحاجة للمساعدة الفورية".
الصور التي عرضها برنامج فور كورنرز كانت مسجلة من عامي 2014 و 2015، بيد أن البرنامج كذلك تطرق إلى قضايا وحالات وممارسات إساءة المعاملة التي تتم داخل نظام إصلاحيات الأحداث في المقاطعة الشمالية.
رئيس الوزراء مصدوم
رئيس الوزراء الأسترالي تيرنبول قال إنه "مصدوم جداً ومصعوق" من حالات الانتهاك المسجلة في المركز الذي ظهر ضمن التقرير.
الصور سلطت كذلك الضوء من جديد على قضية معاملة السلطات الأسترالية للمجموعة العرقية المسماة بالسكان الأصليين، كما أثارت قضية طريقة التعامل الوحشية التي تنتهجها حكومة المقاطعة الشمالية إزاء الجرائم.
هذا ويشكل شباب ومراهقو السكان الأصليين نسبة 96% من نزلاء سجن الأحداث في المقاطعة الشمالية، كما أن نسبة السكان الأصليين كبيرة وطاغية كذلك في جميع الفئات العمرية الأخرى لنزلاء سجون المقاطعة الشمالية؛ ففي تلك المقاطعة تبلغ نسبة السكان الأصليين 30% من كامل السكان هناك.
التحقيق – بحسب تيرنبول – سيفحص ويدرس حالات الانتهاك وإساءة المعاملة في مركز إصلاحية دون ديل بالذات، ولن يكتفي بذلك بل سيتثبت من "وجود ثقافة آخذة في الانتشار ضمن أرجاء نظام التوقيف والحبس في المقاطعة الشمالية، أم أن تلك الحالات تقتصر على ذلك المركز دون سواه؟ فالمهم هو الوقوف على ما حدث بالضبط داخل مركز دون ديل، وقد تكون هناك أمور أخر ذات صلة ينبغي إجالة النظر فيها".
ولم يطالب تيرنبول بإغلاق مركز إصلاحية دون ديل الفوري، لكنه قال إن على الأطفال أن يلقوا معاملة أكثر إنسانية؛ مضيفاً أن حملة فتح التحقيق ستتم بالتعاون مع حكومة المقاطعة الشمالية وأن مجريات التحقيق ستكون على قدم وساق للوقوف على نتائجه في أقرب فرصة.
وشدد كل من تيرنبول ووزير المقاطعة الشمالية الذي يرأسها، آدم جايلز، على أهمية السرعة في إنجاز التحقيق، وأن تعيين محقق عام سيتم قريباً جداً بحيث يرجى الكشف عن أدلة ملموسة بحلول شهر سبتمبر/أيلول، أما التقرير النهائي فسيوضع في وقت ما من بداية العام القادم.
هذا وتحمل الوزير جايلز مسؤولية ملف الإصلاحيات عصر يوم الثلاثاء بعدما طالبه جون إيلفيرينك (المدعي العام في المقاطعة الشمالية) إما بالاستقالة أو التعرض للإقالة بعد الصور التي نشرها تقرير برنامج فور كورنرز.
وفي مؤتمر صحفي أصر جايلز على أنه لم ير تلك الصور قبل نشرها وأنه شاهدها "بهلع ورعب"، مضيفاً "أظن أنه بمرور الوقت لابد من أن ثقافة من التستر والتكتم على الممارسات الخاطئة قد تطورت ضمن نظام الإصلاحيات".
كذلك قال رئيس الشرطة ريس كيرشو إن صور التقرير كانت جديدة يراها لأول مرة، فأعلن عن إنشاء فريق عمل لتقصي احتمال ارتكاب أية مخالفات إجرامية في القضية.
وكان طاقم موظفي مركز إصلاحية وسجن الأحداث دون ديل قد استخدموا غاز الدموع في 22 أغسطس/آب 2014 غداة حاول مجموعة سجناء أحداث الهرب، حيث سجلت كاميرا المراقبة الداحلية أن ولداً واحداً تمكن من الهرب، فيما تعرض 6 أولاد للغاز المسيل للدموع، تلا ذلك حبس 5 منهم في زنزاناتهم وأن ليس كلهم أساؤوا التصرف والشغب، فقد شوهد اثنان منهم يلعبان الورق بهدوء في زنزانتيهما قبل لحظات من وقوع حادثة الهرب.
حبس انفرادي
وفي رد لها على الصور طرحت يونيسيف أستراليا تساؤلاً حول ما إذا كانت فترة الحبس الانفرادي الطويلة وعمليات تجريد الثياب للتفتيش واستخدام القوة غير المبرر مع الأطفال الذي ظهر في برنامج فور كورنرز – تساءلت عما إذا كان هذا كله "قد يرقى ليعد تعذيباً" تمارسه حكومة المقاطعة الشمالية.
وكان سياسيون كثيرون من الحكومة ومعارضتها على حد سواء قد عبروا عن صدمتهم وذهولهم من المعاملة الوحشية التي يلقاها الأطفال في ربوع بلادهم. منهم نائب رئيس الوزراء بارنبي جويس الذي قال مستنكراً "ليست هذه أستراليا"ـ مشيراً في إصرار إلى أن سيناتور المقاطعة السمالية ووزير شؤون السكان الأصليين نايجل سكليون كانوا حتماً سيتصرفون لو أن علماً كان لديه بملابسات الانتهاكات.
تستر على الممارسات الخاطئة
سكليون من جهته قال في وقت لاحق إن تلك "واحدة من أفظع الصور" التي رآها في حياته وأن تصرف وسلوك أفراد الضباط حسب ما ظهر على برنامج فور كورنرز اتسم بـ"الشر" والصفاقة وغياب الشعور بالعار لأن أياً منهم "لم يظهر أي اكتراث بالكاميرات، فقد كانوا يعرفون أن سلوكهم خاطئ وشرير، لكن مع ذلك اعتقدوا أن سلوكهم لن يشكل مشكلة مع أي أحد، وهذه هي ثقافة التستر على الممارسات الخاطئة".
وأما تانيا بليبرسيك، قائدة حزب العمل الأسترالي المتصرفة بأعماله، الذي يمثل المعارضة الأسترالية، فقالت إن تقرير فور كورنرز "صادم"، وأضافت: "أظن أن أي أسترالي وأي إنسان أينما كان لابد أن يشعر بالصدمة من صور التقرير. من المستحيل تخيل أن هذا حصل في المقاطعة الشمالية وتكرر عدة سنوات".
وعبرت عن دعم حزب العمال لأمر التحقيق وأنها تتوقع أن يطلب من الحزب المشاركة في صياغة القرار، "فمن الضروري جداً أن نقف على حقيقة ما جرى في مركز الإصلاحية تلك".
أبوغريب
لكن العديد من دعاة ومناصري حقوق الإنسان العاملين في مجالهم بالمقاطعة الشمالية فاجأوا الجميع بعدم إبداء كثير من الدهشة إثر صور فوركورنرز، منهم د. ستيفن غراي، من مركز كاستان لقانون حقوق الإنسان بجامعة موناش، التي قالت إن الصور التي تكشفت طيلة الـ24 ساعة الماضية كانت نتيجة غير مفاجئة لـ"برنامج القوانين والأنظمة الصارمة في المقاطعة الشمالية وثقافة الحبس والسجن فيها".
وتابعت غراي: "إن صور مركز السجن ستضر بصورة أستراليا عالمياً ناهيك عن مكانة المقاطعة الشمالية التي يفترض أنها انبثقت من ثقافة الكاوبوي (رعاة البقر) القديمة".
وأما ميغن ميتشل، مفوضة قسم حماية حقوق الأطفال بوزارة الخدمات الاجتماعية، فقالت إن أوضاع مركز دون ديل بالذات "متردية جداً"، ووصفت الشعور الذي ظل مرافقاً لها بعد مشاهدة الصور بأنه أشبه بـ"قفص حديد وإسمنت"، وتابعت: "إن الطريقة المعمول بها في حكومة المقاطعة الشمالية هي: مهاجمة حامل الخبر، تكذيب التقرير وشيطنة هؤلاء الأطفال لكي يظن عامة الناس في الشارع أن حدوث ذلك لهؤلاء الأطفال مسموح به".
جيليان تريغز، رئيسة المفوضية الأسترالية لحقوق الإنسان، قالت للصحفيين بسيدني إن المقارنة بين انتهاكات دون ديل وتلك التي جرت في معتقل أبوغريب بالعراق "لا مبالغة فيها".
وأوضحت أيضاً أن الانتهاكات في دون ديل دليل على شيوع "ظاهرة في أستراليا خلال الـ10 سنوات الماضية" هي الحبس وسط ظروف غير اعتيادية عادة ما تكون تعسفية غير ذات أمد مسمى ومن دون حق الاستئناف.
وتقول: "أود القول بشكل عام إنك عندما تنتهك حكم القانون والحقوق الأساسية انتهاكات صغيرة مستمرة تنهشه فإنه يتآكل وفي النهاية ينهار تماماً بتكوّن ثقافة سمحت لهذا بالحدوث في الماقطعة الشمالية".
وأما ميك غودا، وزير العدل الاجتماعي ووزير شؤون السكان الأصليين الأبوريجينيين وشعوب مضيق توريس ستريت الأصليين، فقد غمره الحزن أثناء حديثه للصحافة حينما أكد: "لقد كان شعبنا يعرف أموراً كهذه، وإن مشاهدة هذا الأمر بالعين المجردة أمامنا ينبغي أن يكون دعوة لكل من في أستراليا لإيقاظ الضمائر، فلابد من عمل شيء إزاء الطريقة التي نحبس فيها الناس بهذه البلد، خاصة طريقة حبسنا للأحداث اليافعين. إن ما شهدناه ليلة الأمس كان خزياً وعاراً".
وختم غودا بالقول إن على أستراليا أن تدرس الأسباب الدافعة التي كانت وراء توقيف هؤلاء الأطفال من الأساس، "فأنا أرفض التصديق بأن أطفالنا أكثر أطفال العالم إجراماً، تماماً كما أرفض التصديق أن شعبنا هو الأكثر إجراماً".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.