زورا جايتوليفا تتأمل أطفالها الأربعة وهم يلعبون في مركز للاجئين في تارجويك، شمال وارسو.
موطنها الأصلي هو جمهورية الشيشان الروسية، وقد سافرت إلى بولندا من مسقط رأسها فاليريك، في حي أشكو-مارتن، طالبة الحماية.
وهي واحدة من ضمن 4000 من طالبي اللجوء السياسي، الذين هم في عهدة المكتب البولندي للأجانب حالياً، وهو مؤسسة حكومية وظيفتها أن تفصل في قضايا اللجوء.
وكانت الغالبية العظمى من 12 ألف لاجئ الذين وصلوا إلى بولندا العام الماضي قادمة من الشيشان، يليهم الأوكرانيون والجورجيون. تم منح 340 حالة فقط الحماية الكاملة، و150 تلقوا الحماية الجزئية.
بالمقارنة مع مطالبات اللجوء التي تصل لأكثر من مليون شخص في ألمانيا، تشير هذه الأرقام الشحيحة إلى أن أزمة اللاجئين في الاتحاد الأوروبي لم تعبر الحدود البولندية بعد.
ووفقًا لما قاله يعقوب دودزياك، المتحدث باسم المكتب البولندي للأجانب EUobserver: "لم تقترب مراكز اللاجئين لدينا من الامتلاء حتى الآن"، رغم وجود ارتفاع طفيف في طلبات اللجوء.
عاشت جايتوليفا في أحد مراكز تارجويك لعدة أشهر، جنبًا إلى جنب مع 111 امرأة وطفلاً آخرين، في انتظار أن يتم البت في طلبها.
لكن فرصها ضئيلة، ففي عام 2015، لم ينجح إلا 21 من أصل 8000 روسي في الحصول على اللجوء السياسي، بالمقارنة مع نسبة نجاح تصل إلى 70% تقريبًا لـ295 لاجئاً سورياً في بولندا.
ولكن بالنسبة لصبي آخر يلعب مع أطفال جايتوليفا، فإنه يشعر بأن بولندا هي موطنه الأصلي، فحسب ما قاله لهذا الموقع ببولندية سليمة: "أذهب إلى المدرسة هنا. ولدي أصدقاء بولنديون".
مركز تارجويك للاجئين – وهو واحد من أصل 11 مركزاً في بولندا، والوحيد المصمم خصيصاً للنساء والأطفال – مُقام خلف أحد المصانع ويبعد مسافة 40 دقيقة عن وسط مدينة وارسو، لكنه مريح وجيد.
تتمتع الأسر بإمكانية التواصل مع الأطباء وعلماء النفس، وارتياد دروس اللغة البولندية وأنشطة للأطفال. وقالت تاتيانا كوستينا، التي تعمل في منشأة اللاجئين: "لدينا علاقات جيدة مع جيراننا، يتم دعوة سيداتنا في كثير من الأحيان إلى Cafe Sasiad"، وهو مقهى محلي أنشأه سكان تارجويك.
وبالنظر إلى الترحيب المحلي الذي تراه، فوجئت لرؤية عريضة وزعت في يناير/كانون الثاني الماضي بعد انتشار شائعات بأن المركز سيستضيف قريباً نحو 1400 لاجئ سوري.
وقالت العريضة: "الدستور البولندي يضمن أمننا، لكننا نشعر بأننا مهددون من قبل المهاجرين الذين يختلفون عنا تماماً ثقافياً". بينما نفى مكتب الأجانب وجود أي خطة لنقل السوريين إلى تارجويك أبداً.
رفضٌ متزايد
وكانت مالجورزاتا شيبانيك، بائعة أزهار محلية، قد أعربت عن حيرتها إثر كل هذه الضجة أيضاً. وقالت: "هؤلاء الناس جاءوا من مناطق الحرب، لكنني لاحظت أن العديد من أصدقائي شاركوا بتعليقات سلبية حول اللاجئين في الأشهر الأخيرة عبر فيسبوك".
ولكن آخرين في نفس المنطقة كانوا أقل منها ترحيباً باللاجئين رغم ذلك.
"يسافر المهاجرون إلى إنكلترا أو الدول الاسكندنافية ليعيشوا على الرعاية الاجتماعية. لا يعبأون إلا بالمال. نحن البولنديون أمة مسيحية، ليس هناك ما يدعو لبناء المساجد هنا"، بحسب ما قال رجل بولندي مُسنّ يعيش في تارجويك، ورفض الكشف عن اسمه. شهدت بولندا ارتفاع المشاعر المعادية للاجئين في أعقاب أزمة المهاجرين في الصيف الماضي.
وأدت الهجمات الإرهابية باسم الإسلام في فرنسا وبلجيكا، بالإضافة إلى الأحداث في كولونيا وألمانيا ليلة رأس السنة الماضية – حيث قام العديد من الرجال ذوي الأصول الشمال إفريقية بالاعتداء جنسياً على النساء المحليات – أدت إلى تفاقم حجم الجدل.
ومن المرجح أن يزيد هجوم الشاحنة في نيس بفرنسا، والهجوم بالفأس على القطار الألماني الأسبوع الماضي الأمور سوءًا. قال وزير الداخلية البولندي ماريوس بلاشاك إن هجوم نيس كان "نتيجة للسياسات متعددة الثقافات".
ظهر اللاجئون أيضاً في بيانات اليمين والحملة الانتخابية لحزب العدالة (في الانتخابات البرلمانية البولندية) في الخريف الماضي.
بعد عودته إلى السلطة، حاول حزب القانون والعدالة توجيه النقاش الوطني وتغطية القضية في وسائل الإعلام العام ضد الأشخاص القادمين من منطقة الشرق الأوسط.
وأما بالنسبة للأحزاب التي تقبع في أقصى يمين الطيف السياسي، صار اللاجئون أيضًا موضوعًا متداولًا لحزب الحركة الوطنية، وهو حزب يميني متطرف صغير استطاع أن يثبت وجوده في البرلمان في انتخابات العام الماضي.
تستضيف اللاجئين منذ التسعينات
من أجل توحيد القوى مع All-Polish Youth، وهي جماعة قومية أقدم، نظمت الحركة الوطنية مظاهرة في وارسو في فبراير/شباط الماضي ضد "أسلمة" أوروبا. حضر زعيم حركة بيغيدا المعادية للمهاجرين في ألمانيا و1500 شخص غيره هذه التظاهرة.
وأظهرت الدراسة التي نُشرت في مايو/أيار من قبل مركز بحوث الرأي العام (CBOS) أن 55% من المستطلعين لم يكونوا مستعدين لقبول اللاجئين من البلدان التي تعاني من الحروب، فيما وافق 39% على استضافتهم فقط حتى يتمكنوا من العودة إلى بلدانهم الأصلية.
ولوحظ أنه كلما ارتفعت مستويات الدخل والتعليم للذين تم استطلاع رأيهم، أظهروا قبولًا في استقبال اللاجئين.
لكن حوالي 48% من الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 سنة، وهي الفئة العمرية التي نمت في ظل الاتحاد الأوروبي وتمتعت بقوانين حرية الحركة، رفضوا وجود اللاجئين تماماً.
جاء "علمي عبدي" إلى بولندا في عام 1996 من الصومال. وهو الآن مواطن بولندي متزوج من بولندية ووالد لطفل عمره 7 سنوات، وقال إنه يشعر بأن البلد كان أكثر ترحيبًا لدى وصوله.
وقال: "كانت بولندا تستضيف اللاجئين منذ التسعينات، ولم يكن هناك أبدًا أي مشكلة. ولكن لا يوجد نظام دعم كامل".
وسائل الإعلام تثير خوف المواطنين
للمساعدة في مواجهة الصعوبات التي واجهها عبدي نفسه، قامت مجموعته، مؤسسة الصومالية، بتوفير دروس مجانية لتعليم البولندية لأي أجنبي يقوم بتسجيل اسمه.
وقال: "في بولندا، هناك حوالي 20 ألف مسلم، نشعر بأنهم مندمجون في مجتمعنا جيدًا"، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الرقم لا يمثل سوى 0.05% فقط من سكان بولندا.
وأضاف: "لكن الحكومة تركز على الحالات النادرة من مسلمي فرنسا الذين أصبحوا إرهابيين. في البداية اعتقدت أن الحزب الحاكم الحالي يفعل ذلك للحصول على المزيد من الأصوات، ولكنه لا يزال منشغلًا بهذا الموضوع حتى الآن".
وأوضح أن وسائل الإعلام في بولندا قد لعبت دورًا هامًا في إثارة خوف الناس من اللاجئين.
"تقوم وسائل الإعلام العامة وأيضاً الخاصة، بما في ذلك اثنان من البوابات الإعلامية الجديدة، بالتمثيل بصورة اللاجئين. في النهاية، يبدأ الناس في تصديق ما يسمعونه. على شبكة الإنترنت، في ضوء حوار صحفي قمت به مؤخرًا، كان هناك مئات التعليقات معظمها سلبي. حتى اقترح أحدهم أن يجمعوا الأموال لإعادتي إلى الصومال".
وأشار إلى أنه من الصعب الحصول على تبرعات لمؤسسته وسط هذا المناخ المليء بعدم الثقة. كما قال إن الحكومة البولندية قامت مؤخرًا بإلغاء أحد مشاريع مؤسسته.
أقلية التتار
وكان أليكساندر سمولار، رئيس مؤسسة سيتفان باتوري – وهي منظمة غير حكومية بوارسو تُروّج للمجتمعات المفتوحة – قد صرّح بأن المزاج الشعبي للبولنديين المُعادي للهجرة يتصل بعوامل تاريخية وبالانتهازية السياسية.
وقال: "لم تتعرض بولندا لما تعرضت له الدول الغربية عقب الحرب العالمية الثانية من تيارات العاملين التي تدفقت عليهم. كان هنالك أقلية من التتار المسلمين ظلوا موجودين لقرون في شرقيّ بولندا، لكنهم يُعاملوا على أنهم بولنديون مثل أي مواطنٍ آخر".
للحزب الحاكم في بولندا، حزب القانون والعدالة، تاريخٌ من الخطابات المُعادية للألمان والأوروبيين.
لكن سمولار قد أشار إلى أن محاولاتهم لشحن شعورٍ عام بمعاداة المهاجرين تأتي من رغبةٍ في تقوية وتحديث مسارهم القديم.
كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد رحبت باللاجئين قبل أن تدعم في الوقت الحالي سياسات الاتحاد الأوروبي بإعادة توزيع المهاجرين. وقد علق على ذلك الأكاديمي البولندي قائلاً إن حزب القانون والعدالة يحاول أن يقول إن: "ألمانيا كانت مخطئة في استقبالها للاجئين، وإن هذه القرارات تُفرض الآن على بولندا من الخارج".
بينما تؤدي عمليات التسييس في وارسو إلى نتائج مُنذرة، تحتضن مدينة كروسينياني، التي تقع في شرق بولندا على حدودها مع بيلاروسيا، واحداً من مسجدين باقيين إلى وقتنا الحالي من بين المساجد التي بُنيت على أيدي المسلمين التتار الذين عاشوا في هذه المنطقة من القرن السابع عشر.
في يونيو/حزيران من عام 2014، تم تخريب المسجد والمقابر المُلحقة به أثناء شهر رمضان، ولم يتم القبض على مُرتكبي هذه الجريمة التي تُصنف كجريمة كراهية إلى وقتنا الحالي.
وأخبر ديزيم ديبميكي، وهو مسلم بولندي يقوم بالاعتناء بالمسجد: "يجب أن تقبل بولندا كونها دولة أوروبية حصتها من اللاجئين. لكن هنا، تتغير الأشياء للأسوأ".
– هذا الموضوع مترجم عن موقع EU Observer. للاطلاع على المادة الأصلية، يُرجى الضغط هنا.