قال رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، إن "الخطر (الانقلابيين) لا يزال قائماً، حيث يمكن أن يتحرك هؤلاء المجانين الذين يشعرون بالهزيمة بدافع الانتقام حتى لو كانوا ضعفاء"، غير أنه دعا في الوقت نفسه، أبناء شعبه إلى عدم القلق، لاسيما بعد استتباب الأمن والاستقرار في البلاد.
جاء ذلك في تصريح صحفي، خلال زيارة أجراها إلى رئاسة دائرة العمليات الخاصة، في العاصمة أنقرة، التي تعرضت الجمعة الماضية إلى قصف من قبل الانقلابيين.
وتطرق يلدريم إلى مطالبة الإدارة الأميركية بتقديم أدلة دامغة حول تورط "فتح الله غولن" زعيم "الكيان الموازي" في محاولة الانقلاب مقابل تسليمه، قائلا: "ليس هناك دليل واضح أكثر من هذا (في إشارة إلى الأماكن التي تعرضت للقصف)، يُظهر مدى خروج المنظمة عن الإنسانية، وحد الجنون الذي وصلت إليه".
وتابع "أقول نيابة عن الشعب التركي، للذين يطالبوننا بأدلة: هل هناك دليل أكبر من هذا؟ تخلوا عن الوقوف وراء الجناة (الانقلابيين) الذين دهسوا المواطنين بالدبابات، وألقوا القنابل عليهم من الجو، وأطلقوا النيران من البر صوبهم".
وأشار يلدريم إلى أنه علم بمحاولة الانقلاب بعد بدئها بنحو 15 دقيقة، من حرسه الخاص، مضيفاً "لم نتلق قبل ذلك أية معلومات حول ما يحدث، ولا عن حجم التهديد (…)، الشيء المهم حالياً هو أننا نقوم بكل ما هو لازم من أجل عدم تكرر تهديد المصيبة التي قضينا عليها".
المحاولة الانقلابية كانت تمهد للاحتلال
وفي سياق متصل شدد نائب رئيس الحكومة التركية المتحدث باسمها، نعمان قورتولموش، الجمعة 22 يوليو/تموز 2016، على أن الهدف من المحاولة الانقلابية الفاشلة، هو احتلال البلاد من قبل القوى الخارجية، بعد تمزيقه بالصراعات الداخلية.
وفي لقاء صحفي جمع قورتولموش بأعضاء جمعيات صحفية في أنقرة، أفاد بأن "هدف المحاولة الانقلابية ليس مجرد انقلاب، والاستيلاء على الحكم، وتأسيس حكومة جديدة، بل جر تركيا إلى فوضى كبيرة، وصراعات داخلية، وإن تحقق ذلك، فإن تركيا ستتحول إلى منطقة مقسمة مثل سوريا، كل مدينة يحكمها فصيل مسلح، بنهاية ذلك تتهيأ الفرصة للقوى الخارجية للتدخل في البلاد".
وأوضح أن "تاريخ 15 من يوليو ليس مجرد محاولة انقلاب وحسب، بل محاولة لاحتلال البلاد من قبل القوى الأجنبية الخارجية، التي استخدمت مجموعة من الخونة، عبر غرف تحكم خبيثة، للوصول الى هدفهم، وهؤلاء لن يتوانوا عن تنفيذ مخططهم".
وفي نفس السياق بيّن أن "هؤلاء سيحاولون زرع الفتنة بين الشعب، وتشتيت إرادته، وتحويل تركيا لدولة مناهضة للديمقراطية، تتراجع عن حقوق الإنسان والحريات فيه، لتكون دولة استبدادية. وعلى العكس من هذه الأهداف، فإن تركيا ستكون بعد اليوم في مكانة متقدمة في مقاييس الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات".
وأضاف أن "المرحلة المقبلة ستشهد تطوير لغة جديدة في عالم السياسة وميادين أخرى، لغة تحمل روح الإخوة والوحدة والتعاون".
حالة الطوارئ
وفيما يخص إعلان حالة الطوارئ في البلاد، أكد قورتولموش أن "هذا الإعلان لا يمكن أن يكون مبرراً ولو بدرجة قليلة، لتراجع الديمقراطية والحقوق الأساسية والحريات، ولا تعني بأي شكل من الأشكال الحد منها، ولن يحدث ذلك"، وأنه "قد يكون هناك من يحاول أن يستغل ذلك، أو يفسره بشكل خاطئ"، مشيراً إلى أن "الصحف التركية تداولت تفسيرات خاطئة عن إعلان حالة الطوارئ".
ولفت إلى أن "حالة الطوارئ معلنة على الدولة، وليس على الشعب، وهو قرار ضد عصابة الكيان الموازي التي حاولت الدخول إلى الدولة ومؤسساتها، من أجل السيطرة عليها، وشلها، وجاء الإعلان لمدة 3 أشهر، لتسريع التصدي لهذه العصابة بشكل فعّال، وربما خلال نصف هذه المدة، يمكن الانتهاء من التصدي لها، وإنهاء حالة الطوارئ".
ورداً على من يقول إن إعلان حالة الطوارئ يشكل إخلالاً باتفاق حقوق الإنسان الأوروبي، أجاب بأن "تركيا طرف في هذه الاتفاقية، وحسب المادة 15 فإنه يمكن للعضو إعلان حالة الطوارئ، وهو مصطلح قانوني لا يعني الحد من الحقوق والحريات، وفرنسا استناداً إلى هذه المادة أعلنت حالة الطوارئ، وكثير من الدول الأوروبية اعتمدت على هذه المادة في إعلان حالة الطوارئ، كما استخدمت تركيا حقوقها بشكل دستوري، وبحسب الاتفاقيات الدولية".
وضمن نفس الإطار، ناشد قورتولموش "الشعب التركي بكافة توجهاته وأطيافه، أن يكونوا على وعي بمحاولات التحريض التي قد يقوم بها أفراد العصابة (منظمة فتح الله غولن)"، مضيفاً أن "عليهم الانتباه، وعدم تصديق أي ما يطرح في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فوري".
وشهدت العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول، في وقت متأخر، من مساء الجمعة (15 تموز/يوليو)، محاولة انقلابية فاشلة، نفذتها عناصر محدودة من الجيش، تتبع لمنظمة "فتح الله غولن" (الكيان الموازي)، حاولوا خلالها إغلاق الجسرين اللذين يربطان الشطرين الأوروبي والآسيوي من مدينة إسطنبول (شمال غرب)، والسيطرة على مديرية الأمن فيها وبعض المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة.
وقوبلت المحاولة الانقلابية، باحتجاجات شعبية عارمة في معظم المدن والولايات، إذ توجه المواطنون بحشود غفيرة تجاه البرلمان ورئاسة الأركان بالعاصمة، والمطار الدولي بمدينة إسطنبول، ومديريات الأمن في عدد من المدن، ما أجبر آليات عسكرية كانت تنتشر حولها على الانسحاب، وبالتالي المساهمة بشكل كبير في إفشال المخطط الانقلابي.
جدير بالذكر أن عناصر منظمة "فتح الله غولن" – غولن يقيم في الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 1998- قامت منذ أعوام طويلة بالتغلغل في أجهزة الدولة، لا سيما في الشرطة والقضاء والجيش والمؤسسات التعليمية، بهدف السيطرة على مفاصل الدولة، الأمر الذي برز بشكل واضح من خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة الأخيرة.