ساعدت محاولة الانقلاب العسكري الفاشل بتركيا في 15 يوليو/تموز 2016، على تذكير العالم بأن المخاطر السياسية في الأسواق الناشئة، لا تزال أكبر منها في نظيراتها المتقدمة، فما هو حجم المخاوف التي يشعر بها المستثمرون والشعب ككل بسبب تلك الأحداث؟ الإجابة ما بين ليس بكثيرٍ جداً، ولكنه كثير.
ففي البداية، وعلى الرغم من الادعاءات المضطربة بأن العالم الذي نعيش فيه في خطر متزايد، فإن الدليل، عندما نأتي إلى الانقلابات بصفة خاصة، هو أننا لسنا كذلك. وفي الواقع، لم تَكُن الانقلابات بتلك الندرة التي هي عليها في العصر الحديث.
قام كلٍ من جوناثان بويل وكلايتون ثاين من جامعة ولاية كنتاكي بتحديد 457 محاولة للانقلاب في 94 دولة ما بين عامي 1950 و2010، وحدث ذلك في قارة أفريقيا (37%) والأميركتين (32%). وقد نجح حوالي نصف عدد هذه الانقلابات في الإطاحة بالحكومات المُستهدفة.
أولاً، رغم المزاعم المحمومة القائلة بأننا نعيش في عالم تتزايد به معدلات المخاطر، إلا أن الأدلة على الأقل فيما يتعلق بالانقلابات تشير إلى عكس ذلك. فالانقلابات العسكرية أكثر ندرة في العصور الحديثة، بحسب تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، الأربعاء 20 يوليو/تموز 2016.
جوناثان باول وكليتون ثاين من جامعة كنتاكي، قالا كانت هناك 457 محاولة انقلاب في 94 دولة فيما بين عامي 1950 و2010، حيث تبلغ نسبة أفريقيا (37%) والأميركتين (32%). وقد نجح نحو نصف هذه الانقلابات في الإطاحة بالحكومة المستهدفة.
وتبين البيانات أن تلك الانقلابات بلغت ذروتها في منتصف الستينيات، بينما وصلت إلى الذرة مرتين أخريين في منتصف السبعينيات وأوائل التسعينيات في نهاية الحرب الباردة.
ومنذ ذلك الحين، تراجعت وتيرة الانقلابات بانتظام لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ عام 1950، كما يوضح الرسم التخطيطي الأول. ورغم أن البيانات تتوفر حتى عام 2010 فقط، إلا أن عدداً قليلاً نسبياً من محاولات الانقلاب قد حدث منذ ذلك الحين، بما في ذلك انقلابات جزر المالديف ومالي عام 2012 ومصر عام 2013 وتايلندا عام 2014، بالإضافة إلى الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، وهو الأكثر وضوحاً.
ومع ذلك، يشير التحليل إلى أن مدبري الانقلابات قد أصبحوا أكثر براعة، حيث حقق أكثر من 60% من محاولات الانقلاب نجاحاً خلال السنوات الأخيرة. ويعد ذلك هو أعلى معدل يتم تسجيله ويتجاوز معدل النجاح البالغ20% الذي شهده مطلع الألفية.
ومما لا يثير الدهشة أن يصبح معدل النجاح المرتفع هاماً. وتشير البحوث المستقلة التي أجراها إريك ميرسون، الأستاذ المساعد بمعهد ستوكهولم للاقتصاديات الانتقالية، التابع لمدرسة ستوكهولم للاقتصاد، إلى أن تبعات الانقلابات تكون مؤلمة حينما يتم الإطاحة بالديمقراطيات بنجاح.
وتناول ميرسون بالدراسة تأثير محاولات الانقلاب على النمو الاقتصادي بحسب تعريف باول وثاين حتى عام 2001. فقد وجد أن نجاح الانقلابات في البلدان الديمقراطية قد أدى إلى الحد من نصيب الفرد من حجم النمو في الدخل بنسبة واحدة بالمائة ليصل إلى 1.3 نقطة مئوية سنوياً على مدار العقد اللاحق. ويتناقض ذلك مع الرأي القائل بأن الانقلابات العسكرية يمكن أن تكون ضرورية في بعض الأحيان من أجل إجراء الإصلاحات.
ويرى البعض أن "المعجزة الاقتصادية" التي شهدتها شيلي منذ منتصف الثمانينيات لم تكن لتنجح لولا الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب سلفادور أليند عام 1973 ومهد الطريق لبرنامج التحرر الاقتصادي والخصخصة وفرض القيود على حقوق العمال. وبالمثل، يرجع الانتعاش الاقتصادي لتركيا خلال الثمانينيات إلى انقلاب عام 1980، الذي أدى إلى تحقيق التحرر الاقتصادي.
ويشير تحليل ميرسون إلى خطأ هذه المناقشات. ويرى في كلتا الحالتين أن نصيب الفرد من النمو الاقتصادي في مرحلة ما بعد الانقلاب كان أقل من نصيبه فيما قبل وقوع الانقلاب. وعلاوة على ذلك، كان معدل النمو في كلتا الحالتين أقل من المتوقع، باستخدام توقعات النمو التحليلية القائمة على أداء سلة البلدان المماثلة.
ويتم وصف ذلك بالرسم التخطيطي الثاني، بالإضافة إلى مثال الجزائر في أعقاب الانقلاب العسكري لعام 1992، الذي حال دون تحقيق الحزب الإسلامي لفوز محتمل في الانتخابات العامة. ففي حالة الجزائر، كان توجه النمو في أعقاب الانقلاب أفضل من توجهه في مرحلة ما قبل الانقلاب، ولكنه لا يزال أسوأ من المعدل المتوقع.
ويقول ميرسون "يتمثل الرأي الأكثر شيوعاً في أن الانقلابات التي تطيح بالقادة المنتخبين ديمقراطياً غالبا ما توفر الفرصة للمشاركة في الإصلاحات الاقتصادية الأكثر إلحاحاً".
وتابع:"ولا أريد أن أوضح أن الانقلابات تخفق في ذلك فحسب، بل تنزع أيضاً إلى إبطال الإصلاحات الاقتصادية الهامة، وخاصة في القطاع المالي. وعلاوة على ذلك، تؤدي الانقلابات إلى زيادة المديونية وتدهور صافي المركز المالي الخارجي وتزايد معدل المعاناة من الأزمات الاقتصادية الحادة".
ويرى ميرسون أنه بالإضافة إلى ذلك "فإن التراجع الموثق في الإنفاق الاجتماعي يشير إلى التحول في الأولويات الاقتصادية لصالح النخبة السياسية والاقتصادية"، مع التأثير سلبياً على التعليم والصحة.
ويختتم قائلاً "إن فرض الأحكام العرفية وما يرتبط بها من انتهاكات لحقوق الإنسان يعد بمثابة شهادة على معاناة الإنسان جراء تلك التدخلات".
وعلى النقيض من ذلك، تعد الانقلابات الناجحة التي تطيح بالقادة المستبدين أكثر نفعاً من الناحية الاقتصادية، حيث تزيد من معدل النمو خلال العقد اللاحق للانقلاب بمتوسط 0.7% سنوياً.
ويذكر ميرسون "ترتبط الانقلابات في الأنظمة المستبدة بالإطاحة بالحاكم؛ وما يهم بعد ذلك هو الفروق النسبية في صفات القائد الجديد".
يبدو أن الانقلابات الفاشلة في البلدان المستبدة تؤدي إلى انخفاض معدلات النمو إلى حد كبير، حيث تظهر الأمثلة الصارخة على ذلك في الدكتاتوريات الأفريقية مثل ليبيريا (بعد محاولة الانقالاب عام 1985) وسيراليون (1987) والكاميرون (1984). ومع ذلك، لا يظهر هذا التأثير في الدول الديمقراطية.
-هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة Financial Times البريطانية.