بدلاً من الانتحار: داعش تلهم “المختلين” دون تجنيدهم.. فكيف تفعل ذلك؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/18 الساعة 14:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/18 الساعة 14:46 بتوقيت غرينتش

في ديسمبر/كانون الأول من عام 2014، قام رجلٌ في منتصف عمره بدهس ما يزيد عن اثني عشر من المشاة خلال ثلاثين دقيقة، بينما كان يقود سيارته بشوارع ديجون في فرنسا ويصيح من نافذة سيارته بشعاراتٍ إسلامية.

حينها، وصف المُدعي العام بديجون الحادث الذي خلّف ثلاثة عشر مصاباً دون أي قتلى، بأنه بفعل شخصٍ غير متزن عقلياً، ذي دوافع غامضة و"غير متماسكة"، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

بعدها بعامٍ ونصف. قام محمد لحويج بوهلال بحصد عشرات الأرواح بواسطة شاحنة تبريدٍ تزن تسعة عشر طناً، وذلك في يوم الخميس 14 يوليو/تموز 2016 الذي كان يحتفل فيه الفرنسيون بعيد الباستيل في شوارع نيس بفرنسا.

ولم تتردد السلطات حينها في أن تصف الهجوم بالإرهاب الإسلاميّ.

هل له صلات إرهابية؟

لبوهلال سجلٌ إجرامي ضعيف، لكن لا يوجد ما يصله بشكلٍ واضحٍ بأية جماعات إرهابية. مع ذلك، سارع رئيس الوزراء الفرنسي للتصريح بأن السيد لحويج بوهلال: "إرهابيٌ ينتمي على الأرجح للمتطرفين الإسلاميين بشكلٍ أو بآخر".

في عصر الدولة الإسلامية الحالي، الذي أصبحت فيه أدوات الإرهاب غير متوقعةٍ بل وأوليّةٍ بشكلٍ متزايد، قد قادنا إلى إعادة تشكيل التصور العام لما يمكن أن يوصف بالإرهابي وما لا يمكن وصفه بذلك.

تُصنف حوادث العُنف الغاشمة التي يرتكبها أي مُختلٍ -سواءً في نيس بفرنسا أو في أورلاندو بفلوريدا- دون رَويّةٍ على أنها بفعل إرهابيين. تُصدر هذه الأحكام حتى في ظل عدم وجود أدلةٍ قويةٍ تربط بشكلٍ مباشر بين مُنفذ الهجمات وبين أية جماعة إرهابية، بل وحتى عندما لا ينطبق تعريف "الإرهابي" الكلاسيكي على مُنفذ الهجمات، وهو التعريف الذي يقول إن الإرهابيين هم الأشخاص الذين يستخدمون العنف لصالح أجنداتٍ سياسية.

"تقع الكثير من هذه الأشياء على حافة ما كنا سنصنفه قديماً تحت بند الإرهاب"، صرّح بذلك دانييل بينيامين، منسقٌ سابقٌ لوزارة الخارجية مختصٌ بشؤون الحرب على الإرهاب، وأستاذٌ بكلية دارتماوث. استدرك بعدها بينيامين قائلاً: "أصبحت الدولة الإسلامية والجهاد بمثابة مناطق اللجوء لبعضٍ من الأشخاص غير المتزنين الذين بلغوا منتهاهم، ويظنون أنهم بإمكانهم أن يفتدوا حياتهم" بالموت في سبيل قضيةٍ ما.

ويعود بنيامين ليؤكد على أن ذلك قد أدى لتعامل مسؤولي الحكومات ووسائل الإعلام مع أعمال العنف، مثل التي حدثت بنيس، بشكلٍ مختلف عن الهجمات الجماعية، مثل إطلاق النار في المدارس والكنائس، التي تمت على أيادٍ غير مسلمة.

ويواصل: "لو وُجدت عملية قتلٍ جماعية، ووُجد أن مُسلماً قد تورط فيها، فهي بالضرورة عملية إرهابية".

طيف الإرهاب أصبح في اتساعٍ، ويشمل الآن عملياتٍ يُمكن أن تُنسب بصعوبة إلى ما تقوم به الدولة الإسلامية. تُنفذ هذه العمليات على أيدي جماعاتٍ مُنتسبة للدولة الإسلامية بأوامر من قادة هذه الجماعات.

يُدين الرأي العام هذه الهجمات، وتُثير قلقه. لكن الهجمات التي تخطط لها وتنفذها الدولة الإسلامية نفسها تنجح في إثارة بلبلةٍ أكبر لدى السلطات.

يوم السبت 16 يوليو/تموز ‏2016، صدر بيانٌ من وكالة أعماق الإخبارية التابعة لتنظيم داعش يصف لحويج بوهلال بأنه: "أحد جنود الدولة الإسلامية" لبى النداء بالهجوم على أمةٍ شاركت في العمليات العسكرية ضد التنظيم. لكن لم يُعلن البيان عن أي تفاصيلٍ عن مدى الروابط التي تصل بوهلال بشبكة الإرهابيين.

من ناحيةٍ، أصبح لمسؤولي الحكومة الفرنسية سببٌ جيد لكي يفترضوا بأن الدولة الإسلامية قد لعبت دوراً، حتى ولو كان غير مباشرٍ، في الهجمات الإرهابية التي حدثت.

يبدو أن فكر التنظيم الداعشيّ -الذي ينتشر بصورةٍ واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومقاطع فيديو دعائية بارعة- قد نجح في إلهام موجةٍ من العنف على مدار ما يزيد عن عامٍ: تتضمن إطلاق النار في سان بيرناردينيو بكاليفورنيا، وقتل العديد من رواد مقهى للمثليين بأورلاندو في شهر ‏ ‏‏يونيو/‏‏حزيران، والهجمة القاتلة في أول شهر ‏يوليو/‏تموز 2016 على مقهى آخر ببنغلاديش. يُضاف إليها الهجمات التي يُرجح أن واضعي خططها هم أكبر مُهندسي العمليات في الدولة الإسلامية، مثل هجمات باريس في نوفمبر /‏تشرين الثاني 2015، وتفجيرات بروكسل في مارس/‏آذار ‏2016. ‏

اقتلوهم بأي طريقة

في سبتمبر/‏أيلول من عام 2014، دعا المُتحدث الرسمي باسم الدولة الإسلامية "‏أدفع التنظيم بأن يهاجموا الغربيين بكل السُبل الممكنة، وأن يفعلوا ذلك دون أن ينتظروا أية تعليماتٍ من قيادات تنظيم الدولة".

"فارضخ رأسه بحجر، أو انحره بسكينٍ، أو ادهسه بسيارتك، أو ارمه من شاهقٍ، أو اكتم أنفاسه، أو دس له السم". من البيان المُسجل في اثنين وأربعين دقيقة للمُتحدث الرسمي للدولة الإسلامية، أبو محمد العدناني.

من ناحيةٍ أخرى، فمن مصلحة الحكومات أن تصل بين تنظيم الدولة الإسلامية وبعض حوادث العنف العشوائية التي ليس لها علاقة بداعش. فهي طريقةٌ لتثبيت قواعد نظامهم الجديد وسط الفوضى في نفس الوقت الذي تحاول فيه الحكومات أن تؤكد للمواطنين الساخطين، أن هنالك استراتيجية لإنهاء العنف.

فعلى سبيل المثال، بعد عدة أيامٍ من هجمات نيس، تعهد مسؤولون فرنسيون بأن يُزيدوا من الموارد التي تخصصها الدولة للعمليات الجوية التي تستهدف قصف الدولة الإسلامية في العراق والشام.

"حتى ولو لم تكن داعش ضالعةً في التخطيط، فهي التي تُلهم معنويات الإرهابيين الذين نحاربهم". من كلمة وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لو دريان، يوم السبت ‏‏16 يوليو/تموز 2016 التي استخدم فيها الاختصار العربي للدولة الإسلامية – داعش.

وبالمثل، فالمسؤولون الأميركيون قد استخدموا تقدم العمليات العسكرية كمقياسٍ لنجاحهم في استنزاف قوى الدولة الإسلامية، ومواردها، ونفوذها. وكان بريت ماكغورك، مفوّض الرئيس أوباما في عمليات الصراع ضد داعش، قد أخبر الكونغرس الأميركي مؤخراً بأن التنظيم قد فقد 47% من أراضيه في العراق، و20% من أراضيه في سوريا: أراضٍ كانت تُستخدم لاستخراج النفط، ويجمع فيها التنظيم الضرائب من قاطنيها، ويُدبر فيها عملياته ضد الغرب.

كما سيجتمع كبار ممثلي الدول المُشاركة في العمليات العسكرية ضد داعش في واشنطن خلال الأسبوع الحالي، كي يقيموا مدى التقدم الذي يحققونه في صراعهم ضد التنظيم.

هل تنجح الحملة ضد داعش؟

في الوقت الذي أعرب خبراء الإرهاب عن مخاوفهم من مدى شعبية الدولة الإسلامية لدى غير المتزنين نفسياً، والمُهجّرين، والآخرين الذين يعيشون على هامش المجتمع. لذا، فهنالك حدودٌ لمدى نجاح الحملات العسكرية بسوريا والعراق في الحد من عمليات العنف التي تُشن في الدول الأخرى تحت راية التنظيم.

كان ويليام ماكانتس، الأكاديمي بمعهد بروكينغس وصاحب كتاب "كشف داعش"، قد صرّح عن رأيه بوجود جماعة من: "الرجال والنساء الذين لا تربطهم أي صلاتٍ تنظيمية بداعش، لكنهم يقتلون باسمها. "هؤلاء المجرمون والخارجون عن القانون غير المتدينين، الذين وصفهم بـ"المُتداعشيين" ليسوا إلا: "خارجين باحثين عن قضية".

في شهادته أمام الكونغرس بالأسبوع الماضي، أفصح نيكولاس راموسين، مُدير المركز القومي للحرب على الإرهاب"، عن تقييمه للحملة الواسعة ضد الدولة الإسلامية. "في حُكمنا، فقدرة داعش على أن تقوم بعمليات إرهابية في سوريا والعراق وفي الدول الأخرى لم تتناقص بشكلٍ ملحوظ حتى هذه اللحظة".

وواصل: "فلا زال هنالك أفرادٌ، أو جماعات صغيرة معزولة، ينجذبون نحو ‏تبني أساليب بسيطة لا تتطلب أية مهاراتٍ خاصة أو تدريبات خارجية"،
وتعد الهجمة الدموية التي شنها لحويج بوهلال بشاحنته تجسيدٌ لهذه الظاهرة.

ولا تزال السلطات الفرنسية تحاول أن تعثر على الروابط المباشرة -إن وُجدت- بين الدولة الإسلامية، وبين لحويج بوهلال، الفتى ذي الواحد والثلاثين عاماً، فرنسي المولد تونسي الأصل.

في يوم السبت 16 يوليو/تموز 2016، أعلنت محطة راديو "بيان" التابعة لتنظيم الدولة أن لحويج بوهلال قد استخدم "أسلوباً جديداً" للعمليات الإرهابية.

وقالت المحطة أيضاً: "إن الدول الصليبية تعلم أنها مهما قوّت من إجراءاتها واحتياطاتها الأمنية، فلن تستطيع أن تمنع المجاهدين من أن يضربوها".

هذه التهديدات المشؤومة بالعنفِ غير القابل للتمييز تخلق تحدياتٍ ضخمة أمام قادة العالم الذين سيتوجب عليهم أن يحققوا قدراً من التوازن بين توعية الناس بمخاطر هذه التهديدات الإرهابية دون تأجيج مخاوفهم بغير داعٍ.

يقول ماكانتس: "أما عن كيفية تهدئة الحكومات لمواطنيهم، فلست أدري. فكل هجمةٍ يتم مناقشتها والتحدث بشأنها بشكلٍ لا نهائي على شاشات التلفاز ومن خلال شبكات التواصل الاجتماعي، مما يزيد من مخاوفهم بشأن أية هجماتٍ مستقبلية، ويجعل المواطنين يخافون بعضهم بعضاً، وتضع عبئاً على الحكومة بوجوب أن تظهر قويةً".

وأضاف: "كما أنها تعطي السياسيين سلاحاً كي يستخدمونه ضد خصومهم الذين في سُدة الحكم إن لم يردوا بقوةٍ كافية".

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، يرجى الضغط هنا.

تحميل المزيد