بعد عام من توقيع الرئيس الأميركي باراك أوباما على الاتفاق النووي مع إيران، ما زالت أسوأ التوقعات بشأن ما هو قادم لم تتحقق بعد.
تحدى الإيرانيون توقعات أشد المنتقدين للاتفاق النووي بتخليهم عن 98% من موادهم النووية، كما قاموا بتفكيك الآلاف من أجهزة الطرد المركزي، وملأوا قلب مفاعل بلوتونيوم رئيسي بالأسمنت، بينما تفقد المفتشون الوضع.
وبنهاية يناير/كانون الثاني الماضي، كان الجنرال غادي آيزنكوت -رئيس أركان الجيش الإسرائيلي- مدهوشاً من ذلك التطور، إذ قال في مؤتمر بتل أبيب "لقد أزال ذلك الاتفاق الخطر الأكبر على وجود إسرائيل في المستقبل القريب؛ لقد قلل الخطر على المدى البعيد بدرجة كبيرة".
تطور ضئيل
وإذا كانت الاحتفالات داخل البيت الأبيض هذا الأسبوع تبدو صامتة، يرجع ذلك جزئياً إلى أن العلاقة بين واشنطن وطهران لم تشهد سوى تطور ضئيل للغاية لا يتجاوز بنود ذلك الاتفاق المكون من 130 صفحة، فما زالت طهران ترسل قواتها لدعم الرئيس السوري بشار الأسد، وتسعى لبسط نفوذها في العراق، والآن بدأت تكرم جنودها ممن سقطوا في تلك المعارك وتضعهم في منزلة الأبطال. في الوقت نفسه، استفادت إيران من قرار الأمم المتحدة الجديد الذي يدعو إيران فقط "للحد" من التجارب الصاروخية، وواصلت تنفيذ تلك التجارب لأسلحة أكثر تطوراً. وعلى الرغم من احتجاج الولايات المتحدة، إلا أنها أدركت أن روسيا والصين لن تسمحا بفرض عقوبات على إيران.
لم يغطِ الاتفاق الأخير سوى النشاط النووي لإيران، وهو ما يعد المشكلة الأكثر إلحاحاً. وكان الهدف من الاتفاق هو ضمان أن إيران ستستغرق أكثر من عام لتجمع ما تحتاجه لصنع قنبلة نووية، بدلاً من التقديرات الاستخباراتية الأميركية العام الماضي والتي أكدت أن إيران لا تحتاج سوى بضعة أشهر لفعل ذلك.
اليوم، من المتوقع أن تحتاج إيران -على الأقل- إلى أكثر من عام، إن لم يكن أكثر من ذلك بكثير. ونتيجة لذلك، انتهت التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية كضرورة للحفاظ على أمنها، حتى من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، والذي التزم الصمت عقب ذلك الاتفاق بعد التحذيرات الشديدة التي كان قد وجهها مسبقاً في محاولة لإضعافه.
وبعد مضي عام من الاتفاق، جاء رفع العقوبات الاقتصادية المفروض على إيران أبطأ بكثير مما توقعه الإيرانيون، مما أدى إلى تراجع واضح في شعبية وتأييد الاتفاق النووي وحكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني نفسها، والذي راهن على مستقبله السياسي بتلك المفاوضات.
يهدد هذا الأمر بدوره أكبر رهان لذلك الاتفاق النووي، وهو تحسن العلاقات المتوترة بين واشنطن وطهران، كما فعلت واشنطن مع كل من كوبا وميانمار. يقول كبار مساعدي الرئيس الأميركي، أنه من المبكر للغاية الحديث عن هذا الأمر، وأن ذلك سوف يحدث لاحقاً -بحسب زعمهم- بعد موت المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. وحتى بحدوث ذلك، لا يوجد ما يضمن ألا يسيطر المحافظون الأكثر تشدداً على الوضع السياسي في إيران.
كيري: الأمر معقد
وزير الخارجية الأميركي جون كيري والذي راهن بالكثير سمعته بهذا الاتفاق، اعترف بأن الأمر معقد خلال اثنين من اللقاءات التي أُجريت حديثاً، أحدها في وارسو أثناء اجتماع قمة الناتو، والآخر في حديث لاحق لها في واشنطن، وقال "بدون هذا الاتفاق لم تكن هناك فرصة للحديث أو حتى مناقشة إيران. كنا نتحدث سابقاً عن الخطوة التالية في مسار المواجهة مع إيران".
واستشهد كيري بمشاركة إيران في الجهود الرامية للتوصل لوقف لإطلاق النار في سوريا، والتي يراها المنتقدون كجهود "مضحكة" تهدف في النهاية إلى تمديد حكم الرئيس السوري بشار الأسد. كما استشهد كيري أيضاً إلى سرعة إفراج إيران عن بحارة أميركيين كانت قد احتجزتهم في مياهها الإقليمية في يناير/كانون الثاني الماضي، ورأى كيري في ذلك مؤشراً إيجابياً لتحسن العلاقات مع إيران.
في الوقت نفسه، اعترف كيري بأن بعض القوى في إيران والتي "كانت ترفض الاتفاق النووي من البداية" تفعل ما بوسعها لتأجيج الإرهاب والمضي قدماً في تحدي الولايات المتحدة والسعودية، إذ تستنكر كلاهما الأفعال الإيرانية بشكل دائم. ولم يشمل الاتفاق النووي أموراً مثل التجارب الصاروخية، والهجمات الإلكترونية، ودعم حزب الله.
وكمقياس لتلك اللهجة المنفرة بين البلدين، يبدو أن ذهاب كيري في زيارة لطهران قبل نهاية فترة أوباما يبدو مستحيلاً، إذ يقول كيري بنبرة تبدو متناقضة تماماً مع نبرتهم المتفائلة العام الماضي بعد توقيع الاتفاق "لا يوجد حتى مجرد نقاش حول زيارة محتملة".
وأضاف "أنا لست واثقاً ما إذا كانوا يرغبون في قدومي في الوقت الحالي"، ويأتي ذلك نتيجة لأن الآمال الإيرانية بعد الاتفاق النووي بتحرير عشرات المليارات من الدولارات المجمدة والتي تملكها إيران في صورة أصول، وكذلك تدفق الاستثمارات وتحقق الازدهار الاقتصادي، كلها كانت آمالاً كاذبة.
عام على الاتفاق النووي
يشهد اليوم الخميس مرور عام على الاتفاق النووي، والذي يعد من أهم قضايا الأمن القومي التي شهدت انقساماً داخل واشنطن حولها، إذ أن جميع الجمهوريين داخل الكونغرس ممن صوتوا على الاتفاق قد صوتوا جميعاً برفضه. وبعد مضي عام، تستمر تلك المعركة، فقد أصدر البيت الأبيض قراراً مؤخراً بأغلبية ساحقة يقضي بعرقلة صفقة قيمتها 17.6 مليار دولار من شركة بوينغ لبيع طائرات لشركة طيران إيران، على الرغم من أنها كانت لتصبح أكبر صفقة تجارية بين إيران والولايات المتحدة منذ أزمة الرهائن قبل 37 عاماً.
ومع ذلك، سبب قرار الكونغرس إحباطاً كبيراً لصناعة الطيران؛ لأن الجميع يتفق على أنه في حال عدم تمرير عقد بوينغ، ستنقل طيران إيران عملها إلى شركة إيرباص الفرنسية، وقد أصبح قرار الكونغرس الأخير رمزاً في إيران للجهود الأميركية لمنع رفع العقوبات الذي حصلت عليه إيران كجزء من الاتفاق النووي.
هدد الكونغرس أيضاً بحظر إيران من النظام المالي الأميركي، وهي وسيلة لإبطال مفعول رفع العقوبات عن إيران، إلا أن البيت الأبيض هدد باستخدام حق الفيتو في الحالتين. في المقابل، اعترض آخرون على قرار وزارة الطاقة الأميركية لشراء الماء الثقيل من إيران (يستخدم في انتاج البلوتونيوم) لإبعادها عن البلاد.
وفي الوقت الذي يشتكي فيه الكثير من الجمهوريين من أن الإيرانيين سيستفيدون من الصفقة، إلا أن استفادة الروس تجاوزت ذلك بكثير عندما قامت الولايات المتحدة بشراء فائض مواد تصنيع الأسلحة الروسية وحولتها إلى وقود للطاقة النووية.
وعلى الرغم من تعقيد الآثار السياسية لذلك الاتفاق في الولايات المتحدة، إلا أنه يسبب خلافاً أكبر في طهران، فوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والذي تفاوض على الاتفاق مع كيري، والذي يتواصل معه بشكل متكرر عبر الهاتف، يشكو من أن تنفيذ رفع العقوبات عن إيران يتم ببطء شديد.
وفي الوقت الذي يشير فيه الجمهوريون في الكونغرس بشكل متكرر إلى "التنازل عن 150 مليار دولار للإيرانيين" (تقدير مبالغ فيه للأصول الإيرانية المجمدة والمزمع رفع تجميدها مقابل الاتفاق النووي والتي تقدرها وزارة الخزانة الأميركية بـ50 مليار دولار)، تبدو الحقيقة مختلفة إلى حد ما، إذ لم يُعَدْ سوى جزءٌ من الـ50 مليار تلك حتى الآن. (لن تفصح وزارة الخارجية أو الخزانة عن الرقم تحديداً لمنع تأجيج الرأي العام في إيران).
في استطلاع للرأي أُجرِي مؤخراً في إيران وشمل 1000 إيراني، أظهرت النتائج أن 72% لديهم القليل من الثقة في وفاء الولايات المتحدة بجانبها من الصفقة، وهو ما يعكس ما يُقال في السوق الإيراني من أن الاتفاق كان خيبة أمل، لأن المستثمرين لم يتدفقوا إلى البلاد من جديد، وأن البنوك الغربية ما زالت مترددة في استئناف أنشطتها الطبيعية مع إيران.
خلال العام الماضي، يمكننا أن نستنتج أن كيري قد قضى أغلب ذلك العام محاولاً تغيير الوضع، ويلتقي بمصرفيين أوروبيين، لتهدئة مخاوفهم من أنه في حال استئناف عملهم مع إيران فقد توقع الولايات المتحدة عليهم غرامات بمليارات الدولارات كما كان الحال قبل توقيع الاتفاق.
توقعات الإيرانيين
إلى حد ما، يمكن القول بأن الإيرانيين كان لديهم توقعات مبالغ فيها فيما يتعلق بالفوائد الاقتصادية للاتفاق. تقول ويندي شيرمان، التي ترأست مفاوضات كيري خلال الاتفاق "لقد أخبرت الإيرانيون خلال المفاوضات بأننا سنفعل كل ما بوسعنا، ولكن الشركات تأخذ قرار الاستثمار بعدما تنظر إلى المخاطر. وإذا استمرت إيران في فعل ما كانت تفعله سابقاً في المنطقة -كما أخبرتهم- فاحتمالات قدوم استثمارات كبرى ستقل بشدة، حتى مع توقيع الاتفاق".
من بين ما عقد عملية عودة الشركات لإيران أيضاً هو النظام المصرفي القديم في البلاد، بالإضافة إلى النظام القضائي المسيس.
حتى اليوم، ما زال هناك خطر على ذلك الاتفاق، إما من الجمهوريين في حال فوز ترامب بمقعد الرئاسة، أو من الإيرانيين الذين يزعمون بأن الولايات المتحدة تتراجع عن التزاماتها، وأنها تستخدم ذلك لإضعاف روحاني وظريف.
هناك أخطار أخرى أيضاً. ففي الوقت الذي لم تختبر فيه بعد حدود هذا الاتفاق، فقد سعت منذ عدة أشهر لشراء ألياف كربونية من ألمانيا، وهي منتج تكنولوجي متقدم يستخدم أجهزة تنقية اليورانيوم، إلا أن الصفقة توقفت سريعاً.
بالنسبة لأوباما، تبدو الاستفادة الفورية من الاتفاق النووي هي وقف سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط، وهو ما أكدته دراسة حديثة أجراها معهد بروكنغز، أكد خلالها الخبيران في المجال النووي روبرت إينهورن وريتشارد نيفيو، أن هذا الأمر يعد أهم فوائد الاتفاق.
لذلك، بعد مرور عام كامل على الاتفاق، يعد ذلك نجاحاً إلى حد كبير بالنسبة لأوباما وكيري، على الأقل بالنظر إلى شروط الاتفاق نفسه. وبغض النظر عن نجاحها في تحقيق هدفها الأكبر، يظل تغير حال العلاقة بين واشنطن وطهران خارج سيطرة الولايات المتحدة بشكل كبير.
يرى كيري أن الاتفاق قد حقق الهدف الأولي له، وهو منع نشوب حرب نتيجة للتقدم النووي الإيراني، وأضاف "ماذا بعد ذلك؟ لا أعرف".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا