إبليس الذي نلعنه

ومع ظهور آدم في المشهد رفضه إبليس قبل أن يسمع عنه أي شيء، غير كونه مختلفاً عن الملائكة؛ لذا فآدم يملك الاختيار، وبالتالي يتساوى معه فيما ميز به نفسه، فرفضه، رفض الآخر، ولم يقبل أي حوار حوله، حتى وإن كان الحوار ممن لا آخر له، من الله عز وجل.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/13 الساعة 03:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/13 الساعة 03:07 بتوقيت غرينتش

تقودنا الأفكار والأقاويل التي زرعت في عقولنا، وتربينا عليها لسنوات إلى أن إبليس اللعين الذي نمقته ونكرهه، هو المسبب الرئيسي وربما الوحيد لمعاصينا من كذب وسرقة وزنا وأمور أخرى عدة؛ لذا وجب اللعن والكره، وقلما أعملنا العقل في آيات القرآن الكريم التي تسرد مقتطفات من قصته من ذي الجلال والإكرام وآدم.

إبليس وفق رؤية متأنية لم يقبل الآخر في مواقفه الواردة في القرآن كافة، وحتى في السير والقصص الأخرى، فهو كان بحسب الوصف طاووس الملائكة، فهو الكائن ذو القدرة على الاختيار بين الخير والشر، والذي بملء إرادته قرر العبادة فرأى نفسه مميزاً عن الملائكة العابدة، فرفض قدرة الآخر على الانصياع لله، ورأى نفسه الأميز والأصح في العبودية.

ومع ظهور آدم في المشهد رفضه إبليس قبل أن يسمع عنه أي شيء، غير كونه مختلفاً عن الملائكة؛ لذا فآدم يملك الاختيار، وبالتالي يتساوى معه فيما ميز به نفسه، فرفضه، رفض الآخر، ولم يقبل أي حوار حوله، حتى وإن كان الحوار ممن لا آخر له، من الله عز وجل.

إذن السيئة والذنب الأكبر له هو رفض الآخر، وتمييز نفسه الذي قاده للتكبر، وهو الذنب الذي وفق التعاليم الدينية لا يغتفر، فالكبر لله وحده.

بالعودة إلى كرهنا له لما يُقترف من ذنوب أخرى، فالعقل الواعي الذي يقرر التفكير يجد النص الصريح في القرآن على أن عباد الله المخلصين ليس لإبليس عليهم سلطان، بمعنى أنه لن يستطيع قيادتهم للذنب، وفكرة الإخلاص نابعة هنا من الشخص ذاته، فكما كان لآدم حرية الاختيار فلكل ذريته الحرية ذاتها.

إذن الذنب الأهم هو رفض الآخر، وهو ما لا نراه الآن ذنباً، فكلنا عالم، وكلنا محلل سياسي واجتماعي واقتصادي ورياضي، رأيه يمتلك الحجة والمستوى الأعلى من الصحة والصواب، ولا يجب على الآخر سوى الاستماع له حتى يرى واقعية صحته.

رفض الآخر بات سمة عامة فينا، فلغة الحوار "إن جاز لنا تسميتها حواراً"، إما أن تكون توجيهاً وأوامر، أو دفاعاً دائماً عن موقف كل طرف من طرفَي الحوار، هذا على مستوى الأفراد.

أما على مستوى الكيانات، فالأمر أعقد، فمشجعو هذا النادي الرياضي لا يرون فيه عيباً، ويرفضون تميز الآخر ولو في موقف واحد، والأمر ذاته في عالم السياسة، فمناصرو هذا التوجه يكيلون العمالة والجهل والغباء الفكري والعقم التخطيطي لأي آخر، ويتمادى الأمر ليصل إلى الانتماءات الدينية آو حتى اللادينية، فبدلاً من النظر بتجرد وتأمل لآيات القرآن "لكم دينكم ولي دين"، بات ديني هو الأصح، بل تعمق الأمر ليصبح مذهبي هو الأصح، بل طائفتي، لا لا، بل شيخي هو الأصح، أو ربما أنا واثنان أو ثلاثة آخرون الأصح والباقون "لن أقول كفرة"، وإنما في أضعف الأحوال على باطل.

نلعن إبليس ونكره الذنوب، نلقي المسؤولية الكاملة على عاتقه فيها، في وقت يحملنا فيه الدين الحق الجزء الأهم من مسؤوليتها، ونغض الطرف عن الذنب الأهم.

الله جل جلاله، الذي يتفرد عن وجود آخر له، لم يرفض وجود فرعون الذي ادعى الألوهية وأرسل له موسى وأخاه، وآيات عدة على مدار سنين ليبين له الحق، ولم يرفض النمرود، وأتاح للنقاش مساحة بينه وبين إبراهيم، حتى حينما طلب موسى الرؤية، وإبراهيم كيفية إحياء الموتى، لم يرفض الآخر وطلبه، بل قبل الآخر وحاوره وأقنعه.

رفض الآخر يبدأ بفكرة لم تنطق بعد، ثم كلمة، فصوت مرتفع، يليها صراخ، وإذا لم يجد الصراخ في إخراس الآخر، ترتفع الأيدي، لكمات ومشاحنات، وخطوة خطوة يصير القتل أو على الأقل نيته أمرا مستساغا، والحديث هنا ليس خيالا وتوقعا، بل واقع نراه في مجتمعاتنا كافة، عربية أو غربية.
من يدرك أهمية قبول الآخر، يدرك الميزة الخفية التي لم يتمتع بها إبليس.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد