هل يتسبب تجدد العنف بجنوب السودان في بدء حرب أهلية مرة أخرى؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/12 الساعة 16:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/12 الساعة 16:06 بتوقيت غرينتش

نقلت تقارير أن الرئيس سيلفا كير ومنافسه رياك ماشار أمرا بوقف إطلاق النار، لكن تلك الأوامر ربما تأخر صدورها بالفعل.
عربي بوست – ترجمة

عندما وصل رياك ماشار، القائد السابق للمتمردين نائب الرئيس الحالي لجنوب السودان، مطار جوبا خلال الشهر الماضي، استُقبل مشار بالزغاريد وإطلاق طيور الحمام الأبيض التي ترمز إلى السلام، ابتهاجاً بعودته. لكن ذلك المشهد انقلب تماماً في غضون أسبوعين، إذ انتشرت الدبابات في الشوارع، وقصفت المدفعية بعض المناطق مما تسبب في تشريد آلاف المدنيين، فضلاً عن مقتل 300 شخص على أقل تقدير.

والمطار ذاته الذي امتلأ بمشاهد البهجة والسلام، أُغلق جراء القتال العنيف، لتختفي حمامات السلام عن الأنظار، ولا يُعرف محطّها وسط المشهد الحالي.

يبدو مشهد القتال في جوبا، عاصمة جنوب السودان، فوضوياً، كما تبدو التفاصيل المتعلقة بالأطراف المتورطة في القتال، وكذلك سبب تورطها، غير معروف. بيد أننا نعرف أن القوات الموالية إسمياً للرئيس سيلفا كير تقاتل نظيرتها الموالية لماشار منذ الخميس.

جنوب السودان على حافة هوة السحيقة

وقد انتشرت تقارير تقول إن الرجلين أمرا بوقف إطلاق النار مساء الاثنين، أما الحقيقة التي تظهر للرائي، فإنها تقول إن تلك الأوامر قد تأخرت بالفعل عن سحب جنوب السودان من حافة تلك الهوة السحيقة.

ويعد أسوأ السيناريوهات المتعلقة بالأحداث الأخيرة في جنوب السودان، أن الحرب الأهلية التي بدأت في 2013 وانتهت من خلال اتفاق سلام العام الماضي، سوف تُستعاد مرة أخرى. وقد تسببت تلك الصراعات في مقتل عشرات الآلاف، كما أجبرت 20 مليون شخص على ترك منازلهم.

ربما تتسبب موجة جديدة من الصراع الدموي في تدمير جنوب السودان، التي يُنظر إليها في الوقت الحالي أنها دولة "هشة" للغاية، بدلاً من النظر إليها على أنها دولة "فاشلة" مثل الصومال.

مخاوف من مجاعة

وقد يجبر تجدد العنف في انسحاب الوكالات التي تقدم المعونة للبلاد. يضاف إلى ذلك الحقيقة التي تقول إن نصف عدد السكان في تلك الدولة، التي يبلغ تعدادها السكاني 11 مليون نسمة، مهددون بالتعرض لمجاعة بالفعل. بل وربما يُفسر وقوع الحرب بالمشقة البائسة والموت اللذيّن سيصيبان نسبة كبيرة من السكان.

وثمة احتمالية تقول إن الجنود الذين يقاتلون خلال الأيام القليلة الماضية فعلوا ذلك من أنفسهم وبدون إذن – أو حتى بالمخالفة مع الأوامر الصريحة – من قادتهم. ربما يكمن السبب في عدم سداد أجورهم ورغبتهم في النهب بدلاً من ذلك، أو ربما رغبة لدى الطرفين في إجراء تسوية قديمة وجديدة لناتج الخسائر والمكاسب التي حققها كل طرف منهما على حساب الطرف الآخر.

أيضاً قد يكون السبب وراء ذلك هو ظهور قادة جدد يتحدون القيادات العليا ولا يرون أنفسهم مقيدون بالاتفاقيات السابقة. وإن صح ذلك، فسيصير مؤشراً على مرحلة جديدة وخطيرة تمر بها جنوب السودان، وفي الوقت ذاته ستعني أن ثمة أملاً يلوح في الأفق ويقضي بأن كلاً من كير وماشار أنفسهما غير مستعديّن لتجديد الصراع المسلح على الرغم من الحالة العميقة من عدم الثقة المشتركة والكراهية التي تنتاب كل منهما نحو الآخر.

ويبدو أن تلك العدواة شديدة العمق، فكل من كير (64 عاماً) وماشار (63 عاماً)، برز كلاهما من الحرب التي استمرت ل 22 عاماً، والتي خاضتها جنوب السودان ضد حكومة السودان في الخرطوم. لكن ذلك الصراع وصل لنهايته بعد اتفاقية سلام وقعت عام 2005.

قد توفي جون قرنق، زعيم الجيش الشعبي لتحرير السودان، وكذلك ذراعها السياسي الحركة الشعبية لتحرير السودان، بعد تلك الاتفاقية بقليل؛ بسبب تحطم مروحيته أثناء عودته من أوغندا، تاركاً خلفه المتناحرين الذين تخاصموا أولاً، وانتهى بهم الحال أخيراً في القتال حول إرث الزعيم.

بانتهاكات مرعبة لحقوق الإنسان

وتواجه القوات الموالية لكير وكذلك الموالية لماشار، اتهامات متعلقة بانتهاكات مرعبة لحقوق الإنسان، بما فيها الاغتصاب الجماعي وقتل المدنيين. إذ قالت هيئة من خبراء الأمم المتحدة إن كير وماشار يحملان على عاتقهما مسؤولية قيادة تلك القوات التي ارتكبت الجرائم المزعومة.

وقد ازدادت حدة التنافس بين الرجلين منذ الاستفتاء الذي جرى في عام 2011، والذي أدت نتيجته لانفصال جنوب السودان عن السودان. فالجائزة كانت ثمينة، إذ ترقد جنوب السودان، التي تماثل مساحتها مساحة فرنسا، على خبيئة من النفط تبلغ كميتها ثلث احتياطي النفط الموجود بجنوب الصحارى الكبرى بأفريقيا. كما أن كثيراً من أراضيها خصبة للزراعة، وعلى الرغم من أنها دولة حبيسة، فثمّ إمكانية للتجارة داخل أراضيها.

وقد صار كير، المشهور بارتداء قبعة رعاة البقر سوداء اللون، رئيساً لجنوب السودان. أما ماشار، القائد الحربي السابق والسياسي الذي أشيد بإمكانياته عندما كان مقاتلاً في المقاومة، ولُعن أيضاً حين الحاجة لتعاون صفوفها، تولّى منصب نائب الرئيس. وقد تسببت إقالته عام 2013 في نشوب الحرب الأهلية.

ويجدر الإشارة إلى أن تلك الخصومة تتعدى شخصيهما؛ فكير ينتمي إلى قبيلة الدينكا التي تمثل الأغلبية، بينما ينتمي ماشار إلى قبائل النوير.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الموالاة والتعهدات يعتبران أمراً معقداً في جنوب السودان ولا يلتزمان في كل الأحوال بالخطوط العرقية. فضلاً عن العنف الدائر بين أفخاذ القبلية الواحدة داخل كل جماعة عرقية على حدة.

وقال أحمد سليمان، خبير الشؤون الإفريقية بمركز أبحاث تشاتام هاوس في لندن، إن الأخطاء المتكررة وقعت على مر السنين، لكن المشكلة الأساسية كانت دائماً تكمن في أن الساسة ينظرون إل جنوب السودان "كما لو كانت إقطاعية".

وأضاف سليمان قائلاً "لقد أظهر الأشخاص الذين يجلسون على مقاعد السلطة أن أولوياتهم تكمن في مناصبهم، ومكانتهم، وليس في أهمية تطوير أو حتى بناء الأمة".

ودعا اتفاق السلام الذي وقع في أغسطس/ آب الماضي، إلى تعيين حكومة انتقالية مكونة من وزراء وبرلمانيين من جانبيّ الصراع قبل إجراء الانتخابات. كما سمح ذلك الاتفاق بأن يتمركز كل من القوات الحكومية وكذلك قوات المتمردين، في جوبا. وقد وصف سليمان ذلك الأمر بأنه "محفوف بالمخاطر على أقل تقدير".

انتقادات لعدم التحرك لحظر الأسلحة بالبلاد،

وانتقد كثير من المراقبين عدم التحرك لحالة حظر الأسلحة بالبلاد، والذي ترفضه الولايات المتحدة على وجه الخصوص.

ويعد الجنرال بول مالونج، قائد عمليات الجيش الشعبي لتحرير السودان، أحد أبرز رموز الصراع، والذي رفض في أكثر من مناسبة سلطة ماشار، كما يعرف بأنه من المتشددين.

بيد أن ثمة كثيراً من اللاعبين داخل وخارج البلاد، بما في ذلك الدول المجاورة والإقليمية مثل السودان وأوغندا وكينيا، والهيئات الإفريقية متعددة الأطراف، وكذلك الأطراف الدولية مثل الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والعاملين بمجال النفط، ومجموعة كبيرة من المنظمات غير الحكومية، وأيضاً كثير من النشطاء.

وقال ماشار في تصريحات أدلى بها للصحفيين عقب عودته إلى مطار جوبا "إنني سعيد لعودتي. تلك الحرب خبيثة وقد فقدنا كثيراً من الأرواح فيها. نحن نريد أن نجمع الناس سوياً لكي يتحدوا ويتصالحوا ويبرأوا من جروحهم، وأيضاً لكي يبرأوا من الجراح النفسية التي لديهم".

وقد دعا كير القوات الموالية له مساء الاثنين للعودة إلى الثكنات، وهو ما كرره قائد العمليات، مالونج. وعلى الرغم من استمرار إطلاق النار فيما بعد بأجزاء من المدينة، فقد نقلت تقارير أن ماشار أيضاً أمر بذلك. ومن المتوقع أن تخبرنا الأيام والأسابيع القادمة ما إذا كانت جنوب السودان تراجعت خطوات بعيداً عن تلك الهوة السحيقة، أم أن أقدامها قد زلت بعد ثبوتها، متجهةً نحو كارثة محققة.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفةThe Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.

تحميل المزيد