"عندما يحين الوقت سترافقني لتسلمني كأمانة شُقَّتْ من بعض كبدك، وباليد الأخرى ستزم أصابعك عدى السبابة التي ستصوبها نحوه محذراً: "إياك وإغضابها، هذه حبيبتي، إذا اختلفتما تأتي وتخبرني، لكن مع حبي لك فلا تتخيل أنني سأغضبها لأجلك، هذه التي ما أكرمها إلا كريم، وما أهانها إلا لئيم".
سأكون وأنا أسمعك فرحةً حزينة، حزينةً لأنني سأتساءل؛ كيف أتركك وأنت من أحبَّني بلا شرط أو غاية! المضحك أنني الآن لا أعرف كيف كان سيحدث هذا، فأنا ما كنت لأُبدلك بآخر، وفرحة لأنني سأتذكر وجودك خلفي دائما، إن أخطأت أرشدتني، وإن أخطأ زوجي بحقي نصرتني.
تلك الأمور التي لن أعيش لأفعلها.
عندما أنجب طفلة فأراك كيف تنظر لها، وأتساءل، هل نظرت لي منذ أكثر من ربع قرنٍ هذه النظرة التي لا تستطيع أن تخفي بها ولهك ودموعك؟ ثم تهز رأسك مبعداً أفكارك وماسحاً عبراتك، وتضع شفتيك على أُذنها اليمنى وتشرع في الأذان، فأوقفك وأطلب منك أن ترفع صوتك لأطرب كما في عمرٍ مضى كنت أطرب، فأنا لم أسمع الأذان بصوتك منذ توقفت عن أدائه في مسجد الحي، حينما قررت وزارة الأوقاف توظيف مؤذنٍ رسمي لمسجد حينا، فأطرب وطفلتي التي لن تقبل تركها حتى تتعب.
تلك الأمور التي لن أعيش لأفعلها.
عندما نجلس ذات عصرٍ باردٍ ومنعشٍ في حديقة بيتنا، فأقرر أن الكثير من الأسئلة ظلت بلا أجوبة في رأسي، فأبدأ كرَّها الواحد تلو الآخر؛ وأتمها بسؤال كان يمكن أن يختصر كل ما في رأسي: "حدثني عنك قبلي؟" تنظرني بعجب، وتجيبني بسؤال وتقول لي: "ماذا خطر على بال طفلتي التي كبرت؛ لتطرح كل هذه الأسئلة؟" فأجيبك بابتسامةٍ لا أخفيها، أنك عندما تجلس مع أعمامي أو أصدقائك القدامى لا أعرفك فأغتاظ، من هم ليعرفوا عنك أكثر مني! كيف لزوجة عمي أن تعرف أنك مرضت في صغرك وكدت تموت حتى نذرت جدتي نذرها بزيارة جدنا العثمان في أقصى الشمال حافية حاسرة؛ إن شفيت، كيف لصديقك أن يعرف أول فتاة عشقت وأول سيارة قُدت وأول مباراة خُضت، وأنا حبيبتك كما تقول ولا أعرف!
تلك الأمور التي لن أعيش لأفعلها.
هل يؤلم الحب؟ وهل يخبو ألمه؟ وهل نحنٌ قومٌ ننسى إن أحببنا! إن استطعت السلوى فلا بد أنني سأستطيع، لكن إن لم تستطع فماذا عليَّ أن أفعل؟ ستخبرني أنني قوية، لطالما ظننتي كذلك، وأنت لا تخطئ، سنتكلم طويلاً عن الحب.
تلك الأمور التي لن أعيش لأفعلها.
ماذا تفعل كتب سيد قطب في مكتبتك؟ هل تعجبك أفكاره؟ أم أنك اطلعت عليها في شبابك فقط؟ ما أحب الكتب التي في مكتبتك إلى قلبك؟ أظنه أحد كتب الشعر، الشعر الذي جمعك بأمي التي عشقت الجاهلي منه، هل تقاطعتما في امرئ القيس؟ ولماذا لم تشجعني على قراءة الشعر؟ وتركتني أهذب نفسي بقصص السلف والأنبياء والتي جعلتني أنحاز عن الشعر لصالح النثر.
تلك الأمور التي لن أعيش لأفعلها.
أتذكر أنني ذات يوم سألتك عن معنى الصوفية؛ فقلت لي أنها بسيطة، فقط أحبي الله وكأنكِ ترينه، وقلت لي أيضا أنك تحب الصوفية ولست منهم، أليست هذه جملتك؟ أنكرت عليَّ صديقتي نسبها لك، وقالت إن زوجها يكررها أيضاً، سأقول لك ضاحكة: "تخيل لقد سرقها منك!" وستضحك وتقول لي -بعد أن تكون قد واكبت العصر- ابحثي عن هذه الجملة بواسطة أحد محركات البحث، لتعرفي أنني كررتها فقط، فيظلُ سؤالي؛ أين وصلت في هذا المذهب؟ عالقاً فلا أنت تجيبني، ولا يوجد مقياس أو تصنيف أستطيع أن أعرف منه.
تلك الأمور التي لن أعيش لأفعلها.
أن تموت قبل كل هذا أي أن هذه هي الأمور التي لن أعيش لأفعلها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.