على مدار الخمسة أعوام الماضية، شهدت الطالبة السورية "لين درويش"، صاحبة الـ22 ربيعاً، بلادها التي دمرها القصف والحروب، كما شهدت إحدى أكبر حوادث نزوح السكان في التاريخ الحديث، لكن هذا لم يثن عزمها على المساعدة في إعادة بناء اقتصاد بلادها من أجل رفاقها من الشباب. أطلقت لين، الطالبة بكلية الحاسبات في جامعة دمشق، تطبيقاً مميزاً باللغة العربية لمساعدة الشباب في سوريا وغيرها على تعلم البرمجة.
ويضم تطبيق "رِمّاز" ما يزيد على 500 مستخدماً نشطاً يتعلمون البرمجة، وتصميم المواقع وتطوير تطبيقات الويب على المنصة التي بدأت هي وشركاؤها في تطويرها أثناء عامهم الجامعي الثاني. وتهدف لين وفريقها إلى صنع منصة عربية للتعلم الذاتي من السهل الوصول إليها (MOOC أو الدروس الجماعية الإلكترونية مفتوحة المصادر) للتغلب على غياب المصادر غير الإنكليزية للبرمجة المتاحة للمجتمعات العربية، خاصة للشباب الباحث عن عمل في سوريا التي أثخنتها الحرب.
معالجة البيانات
تعمل لين وفريقها حالياً على معالجة البيانات الخاصة بمستخدمي "رِمّاز" لمعرفة المزيد عنهم. ويعرف الفريق بالفعل أن أغلبية المستخدمين هم من المغاربة الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و23 عاماً، أي الطلاب في سن الجامعة الباحثين عن فرص عمل، كما تعتقد لين.
وتضيف لين "رماز هو مشروع ناشئ تتمثل مهمته في تطوير التعليم الإلكتروني للبرمجة في العالم العربي، لتمكين الناس من معرفة المزيد عن أدوات التكنولوجيا المتطورة عبر المحتوى العربي، بطريقة ميسورة وسهل الوصول إليها، وتأهيلهم لفرصة عمل في أحد المجالات الأعلى أجراً، ألا وهي البرمجة".
نتج عن النزاع في سوريا حوالي 5 مليون لاجئ وأكثر من 13.5 من النازحين داخلياً، ما مجموعه 18.5 مليون شخص أُجبروا على مغادرة منازلهم في البلد التي بلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة قبل بدأ النزاع. كما تراجع التعليم الثانوي بنسبة 44%، ماتسبب في خسائر اقتصادية تقدّر بأكثر من 10 مليار دولار، أي مايعادل نحو 18% من الناتج المحلي الإجمالي.
أطلقت دوريش "رمّاز" بعد حضور دورة تدريبية لمدة ثلاثة أسابيع في ديسمبر/كانون الأول عام 2015، بدعم من صندوق الابتكار التابع لـ"صندوق الأمم المتحدة للسكان" حول كيفية بدء وإدارة الأعمال التجارية الصغيرة. بعد معرفتها في البداية عن الدورة من خلال هيكل حضانة الأعمال التابعة لها. وبعد تطوير فكرتها، كانت حريصة على كسب بعض المهارات التجارية وإجراء الاتصالات.
وقالت "درويش" " بدأتُ الشركة الناشئة الخاصة بي عندما كنت في عامي الجامعي الثاني، لذا كنت أفتقر للمعرفة الخاصة بالأعمال التجارية وثقافة ريادة الأعمال" وتضيف متحدثة من مدينتها الجديدة "دمشق" التي انتقلت لهامن بلدتها الأم "حرستا" بعدما أصبحت غير ملائمة لإقامتها هي وأسرتها بسبب النزاع " كان البرنامج فرصة عظيمة لي، فالمدربون والموجهون كانوا ذوي خبرة حقيقية تمتد لـ20 عاماً في هذا المجال، وهو أمر مهم حقاً بالنسبة لي".
و ترواحت أعمار المشاركين في البرنامج التابع لصندوق الأمم المتحدة للسكان، الذي دُشِّن بالشراكة مع المنظمات غير الحكومية المحلية، بين سن 22 إلى 30 عاماً، وقد جاءوا من خلفيات عرقية ودينية مختلفة، وأغلبهم من النازحين بسبب الصراع الدائر في سوريا، مثلهم في ذلك مثل درويش. جدير بالذكر أن مايقرب من 200 شخص تقدموا بطلبات لشغل28 مقعداً متاحاً في البرنامج، 20 منهم من النساء.
كسب مهارات أخرى
وتلقى المشاركون الدعم من خلال المحاضرات ووورش العمل وجلسات التوجيه، والتدريب الذي قدمه خبراء المؤسسة
شمل مهارات التسويق والمحاسبة وتخطيط الأعمال ومهارات الاتصال والقيادة، مما ساعدهم على صقل خططهم وتطوير شركاتهم الصغيرة القائمة على التكنولوجيا.
وبنهاية الدورة؛ اُختير 17 مشروعاً لتلقي المزيد من دعم صندوق الأمم المتحدة للسكان، وشملت الدورة مشروعات لصيانة الحواسيب، وبرامج لمابعد الدراسة، وألعاب الحاسب على الإنترنت إلى جانب تطبيق "ريمّاز"، الذي فاز مؤخراً بجائزة قدرها 15 ألف دولار في مسابقة لريادة الأعمال في الشركات السورية الناشئة، وقالت درويش إن الجائزة ستذهب لصالح تطوير التطبيق.
وقال "بروس كامبل"، المنسق العالمي لمنصة بيانات التنمية لتابعة لصندوق الأمم المتحدة للسكان، إن البرنامج يساعد على "تحسين قدرة الشباب السوري من خلال تزويدهم بمهارات الحياة الأساسية وتعزيز قدرتهم على التأقلم مع الظروف الصعبة".
لكنه يعترف في الوقت ذاته ببعض التحديات التي يواجهها البرنامج، من العدد الضخم للمتقدمين إلى القدرة المحدودة على السفر في أنحاء البلاد، ما يتسبب في صعوبة توسيع نطاق المشروع.
وتوسع صندوق الأمم المتحدة للسكان في تطبيق البرنامج إلى مدنتين سوريتين أخرتين هما "حمص" و"طرطوس" بعد النجاح الذي حققه في دمشق، ويأمل "كامبل" أن يستمر توسع البرناج في سوريا خلال العامين القادمين.
وقال "إن البرنامج يشجع الشباب على تقديم مشاريع مشتركة، ويدعم العمل معاً بأريحية وتجاوز الانقسامات العرقية، فعلى على سبيل المثال، لن يكون من المستهجن أن نرى الشباب من حلب يرسلون منسوجاتهم إلى شباب طرطوس، ولا أن يرسل شباب طرطوس بدورهم معدات تكنولوجيا المعلومات لنظرائهم في حلب".
وتخطط درويش للحصول على درجة الماجستير في مجال الذكاء الاصطناعي وتنظيم لقاءات مجمعة لمبرمجي الحاسب بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان و"مجموعة هاويات التقنية في دمشق"، بعد تخرجها من الجامعة هذا الصيف. ولا تزال "درويش" تهتم برؤيتها لسوريا، إذ تقول " الشركات الكبرى تغلق أبوابها، والشباب هم الأقدر على حل المشاكل التي نواجهها، وهناك حاجة متزايدة لنشر ثقافة ريادة الأعمال في سوريا " .
-هذا الموضوع مترجم عن النسخة الأميركية من The Huffington Post. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.