ملكة جمال النوبة تطالب بوقف قصف منزلها؟.. فلماذا منعت من استخدام كريمات التبييض

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/07 الساعة 14:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/07 الساعة 14:05 بتوقيت غرينتش

لم تلتزم ناتاليا يعقوب، ملكة الجمال السودانية، بالخطابات النمطية لملكات الجمال، اللائي يطالبن دوماً بالسلام العالمي، بل توجهت بلقبها التي حصلت عليه، نحو المشكلة الأقرب جغرافياً داخل وطنها السودان.

فمنذ أن تُوجت بلقب ملكة جمال جبال النوبة، استغلت يعقوب لقبها لتناشد حكومة بلادها كي تنهي على وجه السرعة القصف الذي تعانيه تلك المنطقة، حيث لا يزال أهلها يعيشون هناك.

تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، الخميس 7 يوليو/تموز 2016، نقل عن الفتاة البالغة من العمر 23 عاماً، والتي تنافست مع 25 متسابقة أخرى كي تفوز باللقب "إن منزلي يقع في قلب موقع الصراع، وينبغي علي أن أقول شيئاً لأنني أمتلك منصة يمكنني استغلالها في ذلك، وأهلي يعتمدون علي في ذلك".

تمرد دموي

وتعاني جبال النوبة الواقعة بولاية جنوب كردفان من حملة دموية لمكافحة التمرد، وذلك منذ أن نشب القتال في يونيو/حزيران 2011.

وتقول الحكومة السودانية إنها تشن غارات جوية ضد المتمردين الذين يلجأون إلى القرى الجبلية. ومع هذا، تقول الجماعات الحقوقية، إن عملية القصف التي لا تميز، تسببت في مقتل أعداد كبيرة بين صفوف المدنيين، إذ يبلغ عدد القذائف التي تعرضت لها المنطقة منذ بداية الحرب إلى 4000 قذيفة.

وقالت يعقوب "لقد أخبرت ساسة بلادي ووزراؤها أننا نريد السلام. فأمهاتنا وأخواتنا يُقتلون ويُغتصبون. نعم إننا نعيش في أمان بالخرطوم، ولكننا نعاني كثيراً جراء معاناة أهلنا بالمناطق التي ننحدر منها".

وتُوجت يعقوب بلقب ملكة جمال جبال النوبة خلال احتفالية التراث الثقافي النوبي في عام 2014، وقد استخدمت قدرتها على التأثير من خلال اللغة العربية والإنكليزية، فضلاً عن اللغة النوبية، وهي لغتها الأم، كي تؤثر على السياسيين.

ففي ديسمبر عام 2014، ظهرت لأول مرة في أحد عروض مؤتمرات "تيد" TEDx talk. وقد قررت لجنة المسابقة في عام 2016 أن تمد فترة حيازتها للقب؛ بعد أن شعروا أنها تحتاج إلى مزيد من الوقت كي تنشر رسالتها.

ويكمن الجزء الرئيسي من عملها، وكذلك الفكرة الأساسية من المسابقة نفسها، في تقويض ما يعتبره البعض خطاب عرقيا وثقافيا للرئيس السوداني عمر البشير، الذي أحدث انقساماً شديد من خلال ما يعرف ببرنامج "التعريب" الذي تسبب نفور القبائل غير العربية، وحرمانهم من الحقوق السياسية، حسب قول الصحيفة البريطانية.

ونتيجة لذلك، ازدادت حالة الإقصاء التي يتعرض لها أهل النوبة، ويقل تمثيلهم في الحكومة السودانية.

ممنوع استخدام كريمات التبييض

ومنذ بداية تلك المسابقة، تنص شروطها، أنه ينبغي على المتسابقات، اللائي يصلن إلى القائمة النهائية من مسابقة ملكة جمال النوبة، أن يتخطين عملية منهكة من معايير الاختيار، إذ تنص الإرشادات على أن يكنّ مثقفات ويتحدثن أكثر من لغة، كما ينبغي عليهم أن يكتبن أطروحة متعلقة بمنطقتهن.

والأهم من هذا، ينبغي ألا يستخدمن أي كريم معروف لتبييض البشرة.

وقد تسببت حالة استنكار البشرة الداكنة التي تنتشر في المجتمع السوداني، وما تبعها من عدم الرغبة في إظهار الهوية الأفريقية، في أن تقود أغلبية نساء البلاد إلى تبييض بشرتهن.

ففي عام 2000، اضطر قسم الجلدية بمستشفى الخرطوم أن يفتتح جناحاً يعمل باستمرار لكي يعالج الأعداد الكبيرة من المرضى الذين كانوا يعانون من حروق جلدية خطيرة بسبب استخدامهم لكريمات تفتيح البشرة.

ثقافة عنصرية

تقول نهى مهدي، وهي مرشحة لخلافة يعقوب على لقب ملكة جمال النوبة وتبلغ من العمر 24 عاماً "ثمة ثقافة عنصرية منتشرة بغزارة هنا. فالتلفزيون يفيض بتلك الرسائل من النهار حتى الليل، إذ يذكروننا باستمرار بأننا حالة استثنائية" لكوننا نوبيين".

وتضيف مهدي قائلة "إنني سودانية، في الهوية والمظهر والشخصية. ولا ينبغي أن يتسبب ذلك في أية مشكلة متعلقة بأن بلادي صارت عربية.
ففي نهاية الأمر، السودان تعد دولة أفريقية، والناس الذين يعيشون هنا باختلاف ألوانهم وأشكالهم وأحجامهم، كلهم سودانيون".

وقال الدكتور أحمد إلياس، أستاذ التاريخ بجامعة الخرطوم، إن موقع يعقوب وظهورها يعد أمراً ضرورياً في بلد يمتلك حالة متأصلة من "سوء الفهم المتعلق بثقافتنا وتاريخنا ومجتمعنا"، حسب قوله.

ويضيف إلياس قائلاً "لقد لعبت النوبة دوراً كبيراً في الممالك السودانية التي ظهرت على ضفاف النيل، في نبتة ومروي، وقد اكتشف علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الآثار، الذين درسوا الهياكل العظمية والثقافة المنتشرة بجميع أنحاء السودان، أننا جميعاً متشابهون للغاية ثقافياً وبيولوجياً ووراثياً ولغوياً أيضاً".

بيد أن تلك النظرية المتعلقة بالوحدة بعيدة عن الواقع الذي يُرى في السودان. ففي أبريل/ نيسان 2016، قُتل محمد الصادق ويو في جامعة أم درمان الأهلية بالخرطوم بعد أن تعرض لهجوم على يد مجموعة من الطلاب المناصرين للحكومة ورجال من قوات المخابرات المحلية، بسبب إقامته منتدى سياسى مع أعضاء من رابطة جبال النوبة. كما جُرح ثلاثة طلاب آخرون، حسب الصحيفة.

وعن ذلك قالت مهدي "إنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها طالب نوبي للهجوم بجامعة أم درمان الأهلية".

وأوضحت قائلة "إنهم يفعلون ذلك ليتأكدوا من أن الطلبة النوبيين ليسوا نشطين ولا يمتلكون صوتاً سياسياً، حتى لو كانت مناقشات سلمية. فليس ثمة أمان لنا، إذ يشعر كل طالب نوبي أنه يواجه تهديداً، سواء كان ذكراً أو كانت أنثى، وسواء لديهم اهتمامات سياسية أو ليس لديهم ذلك".

الثقافة في خطر

وفي محاولة لتخفيف حدة ذلك التوتر العنصري المستمر، تأسست احتفالية التراث الثقافي النوبي وكذلك مسابقة الجمال التابعة لها في عام 2011 بأم درمان. والتي تستهدف بالأساس هؤلاء الذين تسببت الحرب في تشريدهم، فبدأت الاحتفالية للتأكد من أن التراث النوبي لن يندثر بسبب الضغط جراء الامتصاص الاجتماعي الموجود بالخرطوم. واشتركت بالاحتفالية 140 قبيلة من الجبال الـ99 المختلفة، إذ احتفلوا بالممارسات الثقافية التي تواجه خطراً كبيراً.

وقال الدكتور شمشون كافي، رئيس اللجنة المنظمة للاحتفالية، والشخصية البارزة بجامعة الرباط بالخرطوم، إنه تمنى أن تعمل الاحتفالية "على بناء أساس لمجتمع سلمي، يسعى نحو إيجاد التقدير والتسامح للثقافات المختلفة بالسودان، وينشر حالة التسامح الاجتماعي".

وأضاف قائلاً "باعتبارنا نوبيون، فإننا نحمل ثقافة قوية. وإنني أدفع الناس لاحترام عاداتنا الثقافية من خلال عرضها عليهم ليستمتعوا بها".

ومع تنافس مهدي وزميلاتها صفا توتو، وروزليندا كاكا، وصابرين عبدالله، على لقب العام الحالي(2016)، فإنهن جميعاً يتحدثن عن حاجة ثقافتهن لأن تقدم علامة فارقة على الساحة الثقافية السودانية.

تقول يعقوب "يمتلك كل شخص وكل شيء جمالاً في ذاته. لكن المجتمع هو الذي يزرع الشكوك بداخلنا كي يجعلنا نشعر أننا لا نستطيع أن نبدو بشكل معين وأن نبدو جميلات".

هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية.

تحميل المزيد