دافع توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق، عن قراره بدخول حرب العراق عام 2003، بُعيد نشر تقرير للسير جون تشيلكوت أدان ذلك القرار وذهب بسمعته.
ويشير مضمون التقرير إلى أن صدام حسين غداة احتلال عام 2003 "لم يكن يشكل أي تهديد وشيك".
بصوت متهدج ومظهر مرهق.. وصف بلير قرار المشاركة في الاحتلال الأميركي للعراق بأنه "أصعب قرار اتخذته طوال 10 سنوات من رئاستي لوزراء بريطانيا وأكثرها زخماً وإيلاماً"، وفقاً لتقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
وقال بلير إنه يشعر "بمزيد من العمق والصدق بآلام ومعاناة من فقدوا أحبة لهم في العراق"، مضيفاً أنه "لن يمر عليه يوم لا يستذكر فيه ما حدث ويعيشه من جديد".
العالم أصبح أكثر أمناً
لكنه فاجأ الكل حين بدا غير نادم عند سؤاله إن كان غزو العراق خطأً أم لا، فقد أعلن في إجابته "أعتقد أننا اتخذنا القرار الصحيح، وأن العالم الآن أفضل وأكثر أمناً".
كما زعم أن تصرفه كان نابعاً عن حسن نية بناء على استخبارات آنذاك التي أفادت بأن الرئيس العراقي يمتلك أسلحة دمار شامل، وهي التقارير التي "ظهر أنها كانت مخطئة.
كما قال بلير إن تحقيق العراق الذي فتحه رئيس الوزراء الذي خلفه غوردون براون عام 2009 فنّد كثيراً من المزاعم التي كثيراً ما قيلت حول أن بلير كذب على الشعب البريطاني بخصوص الحرب، وأنه تلاعب بالتقارير الاستخباراتية بشكل هازئ دون تورّع.
وقال إن الأخطاء التي حدثت لم تكن سوى هفوات صغيرة ضمن عمليات "التخطيط والإجراءات" وحسب، كما قال إنه "لا يمكنه القبول" بالانتقادات التي تتهمه بالتفريط بأرواح الجنود البريطانيين الذين قتلوا عبثاً.
وقد جاء مؤتمر بلير الصحفي غير العادي والذي دام ساعتين في أعقاب نشر السير تشيلكوت الموظف المتقاعد لتقريره الذي طال انتظاره حول خيبة حرب العراق.
فبعد 7 سنوات على بداية التحقيق وتسجيل الأقوال والإفادات ظهر التقرير إلى ضوء العلن بأصداء مدوية أكثر وبمضمون أكثر فداحة وأوسع نطاقاً مما كان متوقعاً. فالتقرير حطّ كثيراً من أسلوب بلير في قيادة الحكومة وهاجم أسلوبه في اتخاذ القرارات.
كما كشف التقرير رسالة خاصة جديرة بالملاحظة أرسلت بتاريخ 28 يوليو/تموز 2002 قال فيها بلير لبوش واعداً "سأكون معك مهما يكن".
وقال رئيس لجنة التحقيق في حرب العراق أن قرار المملكة المتحدة باحتلال وغزو دولة ذات سيادة لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية كان قراراً "جسيماً جداً".
ووصف تشيلكوت الرئيس العراقي صدام حسين بأنه "لا شك دكتاتور مستبد" قمع وقتل الكثير من شعبه وهاجم جيرانه.
لم يتم استنفاذ الخيارات السلمية
لكنه حقّر من قرار بلير التوقيع على خطة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش العسكرية هو وفريق استخباراته الجديد مباشرة عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001. إذ قال تشيلكوت "خلصنا إلى نتيجة هي أن المملكة المتحدة اختارت المشاركة في غزو العراق قبل استنفاد الخيارات السلمية في نزع السلاح، فالخيار العسكري آنذاك لم يكن الحل الأخير".
كما شدد التقرير انتقاده لطريقة بلير في تبريره لقرار دخول بريطانيا الحرب، فقد جاء في التقرير، أن الملف الشهير المشؤوم الذي قدمه بلير في سبتمبر/أيلول 2002 لمجلس العموم لم يدعم زعمه بأن للعراق برنامجاً للأسلحة الكيماوية والبيولوجية آخذاً في التطور.
وقال التقرير إن حكومة حزب العمال آنذاك فشلت في توقع تبعات الحرب الكارثية والتي شملت مقتل "ما لا يقل عن 150 ألف عراقي وربما أكثر، معظمهم من المدنيين" فضلاً عن "تشريد أكثر من مليون شخص" وقال تشيلكوت إن "شعب العراق عانى معاناة بالغة".
ولم يمتنع تشيلكوت عن إبداء حكمه على مشروعية حرب العراق، لكن التقرير قال أن طريقة التعامل مع المشروعية قبل احتلال 20 مارس/آذار 2003 لم تكن مرضية قط، فقد كان الأجدر بالنائب العام بيتر غولدسميث، أن يشير على الوزراء ومجلس الوزراء خطياً بنصيحته، وهذا أحد الاكتشافات القليلة التي اعترف بلير وقبل بها يوم الأربعاء 6 يوليو/تموز 2016.
فقد كان اللورد غولدسميث قد لفت نظر بلير إلى عدم مشروعية شن حرب من دون قرار أممي ثانٍ، بيد أنه -غولدسميث- غير رأيه بعد رحلة إلى واشنطن في مارس/آذار 2003 ولقاءات مع مسؤوليين قانونيين في إدارة بوش.
وبشكل عام يمكن القول إن تقرير تشيلكوت هو أقسى وأثقل تقرير رسمي عياراً في حكمه على أي رئيس وزراء بريطاني معاصر، فبشكل غير مباشر يضع التقرير بلير في الخانة ذاتها مع أنتوني إيدن الذي غزا مصر في محاولة فاشلة للسيطرة على قناة السويس. تقرير تشيلكوت هذا بلغ طوله 2.6 مليون كلمة ويقع في 12 جزءاً، وكان قد نشر صباح الأربعاء مع ملخص رسمي له من 145 صفحة.
أما مكان نشر التقرير فكان مركز مؤتمرات الملكة إليزابيث الثانية الكائن في ويست مينيستر، وفيما رحبت عائلات قتلى الجيش البريطاني في حرب العراق بمضمون التقرير من نقد شرس، تعالت أصوات واحتجاجات مناهضي الحرب وهتافاتهم الصاخبة بصوت واحد "بلير الكذاب".
وخلص التقرير إلى ما يلي:
– لم يكن صدام حسين يمثل أي تهديد وشيك.
– كان من الممكن تبني واتباع استراتيجية احتواء وتهدئة والاستمرار فيها برهة من الزمن.
– لقد ضُخّم حجم التهديد الذي تمثله أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة وقُدِّم بشكل قطعي وتأكيد لا مبرر له.
– رغم صراحة التحذيرات ووضوحها جرى التقليل من شأن عواقب الغزو. كما أن التخطيط لعراق ما بعد صدام والتحضير له تم بشكل غير كاف جملةً.
– إن انتشار الاعتقاد السائد بأن ملف سبتمبر/أيلول 2001 حرّف التقارير الاستخباراتية وتلاعب بها قد ورّث سمعة سيئة مشوهة قوضت الثقة برجال السياسة.
– لقد فشلت الحكومة بتحقيق وإنجاز أهدافها المعلنة.
واعتذر جيريمي كوربين، زعيم حزب العمال البريطاني، عن قرار حزبه "الكارثي" بالمشاركة في حرب العراق على حد وصفه، كما وصفها بأكبر كارثة في السياسة الخارجية البريطانية خلال الـ60 عاماً الأخيرة.
وقال جاك سترو، وزير الخارجية البريطاني في تلك الفترة، إن قرار الحرب لم يكن سهلاً على الإطلاق بالنسبة لتوني بلير.
بينما دافع آخرون عن بلير أيضاً، مثل أليستر كامبل، المدير الإعلامي له أثناء ولايته، والذي قال إن بلير لم يسلم الأمور لبوش بشكل مطلق، وإنه لم يكن هناك قرار سهل.
وأضاف في تصريحه أمس الأربعاء 6 يوليو/تموز 2016 أن بوش أدرك أخطاءه، إلا أنه كان يؤمن على طول الخط أن "العالم سيصبح مكاناً أفضل مع عدم وجود صدام في الحكم".
مع ذلك، لا يتفق التقرير مع هذا الرأي، إذ سلط الضوء على محادثات خاصة بين بلير وبوش في الفترة التي سبقت الحرب، ويقول التقرير أنه بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول، قام بلير بحث بوش على عدم اتخاذ قرارات متسرعة في العراق، كما كانت السياسة الرسمية لبريطانيا تقضي باحتواء نظام صدام.
ومع اللقاء التالي للزعيمين في أبريل/نيسان 2004 في مزرعة بوش الواقعة في كراوفورد بولاية تكساس، كانت وجهة النظر البريطانية قد خضعت لـ"تغيير عميق". وكانت لجنة الإستخبارات المشتركة قد خلصت إلى أنه لن يكون من الممكن إسقاط صدام حسين دون غزو، في الوقت الذي كانت فيه رؤية الحكومة البريطانية أن العراق تمثل تهديداً "يجب التعامل معه".
"سأقف إلى جانبك مهما حدث"
أرسل بلير لبوش عدة رسائل خاصة تبين ما يفكر فيه، ومن بينها رسالة بتاريخ 28 يوليو/تموز 2002، كشف عنها لأول مرة أمس الأربعاء 6. يوليو/تموز 2016 وسط معارضة من مكتب رئاسة الوزراء، والتي قال فيها بلير لبوش "سأقف إلى جانبك مهما حدث".
وتضمنت الرسالة أيضاً "هذه هي اللحظة التي يجب فيها تقييم الصعوبات بشكل صريح. التخطيط للأمر ووضع الاستراتيجية هي الأمور الأصعب حتى الآن. هذه ليست كوسوفو، وليست أفغانستان، وليست حتى حرب الخليج".
يمكن النظر إلى تلك الرسائل كتيار وعي أكثر من كونها وثائق سياسية.
تذكر الرسالة أيضاً "صدام هو تهديد محتمل. من الممكن احتواؤه، ولكن الاحتواء دائماً ما يكون محفوفاً بالمخاطر. يجب أن يكون لدينا خطة عسكرية قابلة للتطبيق"، كما اقترحت تكوين قوة كبرى للسيطرة على بغداد.
وبسؤاله عما كان يقصده حينما قال "سأقف إلى جانبك مهما حدث"، أجاب بلير أمس الأربعاء 6 يوليو/تموز 2016 أن دعمه لبوش لم يكن غير محدود على الإطلاق، وقال إنه أقنع رئيس الولايات المتحدة بالالتزام بطريق الأمم المتحدة. وربط بلير أيضاً ما فعله في العراق بالمعاناة العالمية الحالية من الإرهاب.
وبحسب تشيلكوت، فقد تشكلت الاستراتيجية الدبلوماسية لبلير حول "جدول زمني عسكري"، والحاجة للتخلص من صدام، أخبر بوش في رسالته أن هذا هو الفعل الصائب. واقترح بلير الطريقة الأبسط لوضع مبرر للحرب، وهي إعطاء مهلة للعراق لنزع سلاحها، وأن يكون ذلك مدعوماً بتفويض من الأمم المتحدة.
العلاقات مع الدولة تحتمل مزيداً من الخلاف
ورفض تقرير شيلكوت وجهة بلير التي تقول بأنه في حال رفضه الانضمام للتحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق كان ذلك الأمر سيسبب دماراً هائلاً للعلاقات بين لندن وواشنطن، إذ ذكر التقرير أن هذا الأمر مشكوك فيه، وأشار إلى أن بريطانيا والولايات المتحدة تبنيا وجهات نظر مختلفة في قضايا كبرى أخرى سابقاً مثل العدوان الثلاثي على مصر، وحرب فيتنام، وجزر فوكلاند.
ويقول التقرير إنه بحلول يناير/كانون الثاني 2003، كان بلير قد توصل أن الاحتمال الأكبر هو وقوع الحرب، وأنه قبل الجدول الزمني العسكري الأميركي للتحرك بحلول منتصف مارس/آذار من العام نفسه، بينما وجه اللوم لفرنسا في الوقت نفسه على عدم دعمها للقرار الثاني للأمم المتحدة في مجلس الأمن والذي يجيز استخدام القوة العسكرية.
يقول تشيلكوت "في ظل عدم وجود أغلبية تدعم التحرك العسكري، يمكن أن نعتبر أن بريطانيا، في حقيقة الأمر، تقوض من سلطة مجلس الأمن".
هدم التقرير أيضاً مزاعم بلير حول الدليل الذي قدمه في تحقيق عام 2010، والذي ذكر فيه بلير أن الصعوبات التي واجهتها القوات البريطانية بعد الغزو لم تكن معروفة سلفاً، إذ ذكر التقرير أن "مخاطر مثل الصراع الداخلي في العراق، وسعي إيران القوي لتحقيق مصالحها، وعدم الاستقرار الإقليمي، ونشاط القاعدة في العراق، جميعها كانت معروفة بوضوح قبل الغزو".
وينتقد التقرير أيضاً وزارة الدفاع والقادة العسكريين الذي كانوا مكلفين باحتلال أربعة محافظات جنوبية في العراق عقب سقوط صدام. يقول شيلكوت "حجم الجهود التي بذلتها بريطانيا في مرحلة ما بعد الصراع في العراق لم ترقَ إطلاقاً إلى حجم التحدي"، مشيراً إلى أن الأوضاع الأمنية في بغداد وجنوب شرق العراق تدهورت بعد الغزو.
بنهاية الحرب في العراق، قتل 179 جندياً بريطانيا قبل أن تقوم بريطانيا بسحب قواتها عام 2009. وقال شيلكوت إن وزارة الدفاع كانت "بطيئة في الاستجابة لخطر العبوات الناسفة"، كما قال أن التأخير في توفير عربات مصفحة "لم يكن ينبغي السكوت عنه"، وأوضح أنه لم يعلن بشكل واضح عن المسئول عن هذا الأمر، وهو ما كان يجب أن يحدث.
وكجزء من اختصاصه، حدد شيلكوت أيضاً الدروس التي يمكن تعلمها مما حدث، إذ قال أن بلير "بالغ في تقدير قدرته على التأثير على قرارات الولايات المتحدة في العراق".
وأضاف "علاقة بريطانيا بالولايات المتحدة دائماً ما كانت قوية بما فيه الكفاية لتتحمل الخلاف. الأمر لا يتطلب تقديم دعم غير مشروط حينما تختلف مصالحنا أو قراراتنا".
-هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.