رفعت يدي اليمنى، ووقفت أمام أهلي وأساتذتي وأصحابي، اختنق الصوت وارتج، تململت العبرات بين المقلتين، وتعثر اللسان والتوى، رأيت فرحة والدي، ضوء عينيهما وهما يتأملاني أقف على ناصية الحلم.. وأقسم، بعد سبع سنين وتسعة أشهر وواحد وعشرين يوماً وست ساعات من الانتظار الطويل والسهر الشاق، والسفر عبر القطارات كل يوم، بعد محنة الامتحانات والتدريب والمداومات، حتى انقطاع النفس وشح الأمل، بعد دموع الأيام العجاف والشهور الكئيبة التي كنت أقضيها في غرفتي لا أبرحها وسط أوراق يستحيل عدها..
ها أنا اليوم أتسلم حلمي الذي طالما لاحقته، إلى وطني الذي منحني اسمه ونشأت بين أحضانه، إلى المستضعفين من سكانه الذين يملأون مستشفياته العمومية، إلى المرضى الذين أنهكهم الألم، أهديكم لحظة تخرجي بكثير من المحبة والأمل والدعاء، إلى أبي وصديقي، لست واثقة فعلاً إن كنت سأجد في جعبتي كلمات تعبر عما أحمله لك من محبة واحترام وشكر، فالكلمات وإن تجملت وتزينت لا يسعها أبداً أن تبوح بأعماقنا؛ لأنك كنت دائماً بجانبي، ساندتني بقوتك الناعمة وبرضاك الدائم وبعقلك الرزين وبورعك السمح، دعواتك كانت دائماً تلامسني وتدفعني كلما كدت أن أهوي فتتلقفني لتحملني نحو القمة. لك أبي وسندي، لكل تلك الأيام الذي منحتني فيها ثقتك ومحبتك ورضاك، لكل فناجين قهوة الصباح وأدعية المساء، أهديك عملي هذا وتخرجي المتواضع علني به أدخل بعضاً من السرور، الذي منحتني كله، إلى قلبك الطيب، إلى رحم العطاء ونبع الحب، تخونني الكلمات يا سيدة عمري، وأنا أفكر بما يجب علي كتابته لك، عندما كنت طفلة بين يديك، كنت مشاغبة لدرجة كان الجميع يشفق عليك مني ومن طبعي الحاد، لكني بك أنت، بحبك بصبرك علي بتحملك لعنادي بدعائك لي بقلبك المتقد محبة وعشقاً لي ولإخوتي، صرت على ما أنا عليه، لك يا من علمتني أن شرف المرأة يكمن في عقلها، وأن نجاحها يستحق منها كل التضحية، أهديك يا أجمل ما أهداني الإله عملي البسيط، راجية أن ينال رضاك ويمنحك فرحاً كذاك الذي لم تتوانَ لحظة في أن تقدميه لي على طبق من حب وحنان، إلى كل من علمني حرفاً وأهداني حباً ومنحني بسمة يوماً من الأيام، إلى كل أولئك الذين جعلوا لي حيزاً في دعواتهم وهم يناجون ربهم.. أهديكم كل الحب وكل الامتنان.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.