لم يستطع فيرناندو هيربوسو التوقف عن التفكير خلال الأسبوع الذي امتلأ بمشاهد الألعاب النارية والتلوين على الوجوه والأعلام المنتشرة بكل مكان خلال الاحتفالات بعيد الاستقلال الأميركي (4 يوليو/تموز 2016)، فقد انشغل عقله بالتفكير في أميركا الجديدة التي واجهها الأسبوع الماضي.
وكان هيربوسو (58 عاماً) وأخوه كارلوس (44 عاماً) اللذان يمتلكان وكالة عقارية، يعرضان منزلاً جميلاً يقع في مدينة فريدريك بولاية ميريلاند، على زوجين مسلمين -وهما عسكري كبير بالجيش الأميركي وزوجته، وبدا ذلك المنزل مثالياً للزوجين؛ فالحي يحتوي على نادٍ ملحقةٌ به قاعة احتفالات، وغرفة للرياضة، وملعب تنس، وحوض سباحة. لذا فقد اصطحب كارلوس الزوجين ليشاهدا المنزل، وفقاً لتقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية
لكن الحي كان يأوي الكراهية أيضاًَ.
فبينما كانت إحدى النساء تستجم بجوار حوض السباحة، وقعت عينها على الحجاب الذي كانت ترتديه الزوجة، فقالت بصوت عالٍ وواضح اقترب من الصياح "لا نريد مسلمين في نادينا، ارفعي ذلك الغطاء الذي تضعينه فوق رأسك".
شعر كارلوس بالذهول، وأراد أن يواجه المرأة، لكنه لم يرغب في التسبب في أي مشكلة. وبدلاً من ذلك، توجه نحو مدير النادي، الذي لم يقلّ ذهوله عن ذهول كارلوس، واعتذر بشدة، وأوضح لهم أن تلك المرأة لا تمثل مجتمعها الذي يتسم بالتنوع.
لم يبد الزوجان امتعاضهما من ذلك الموقف، الذي اعتادا على مواجهة أمثاله، وكانا هادئين، إذ إنهم لا يزالان يبحثان عن منزل بمدينة فريدريك.
لكن حكاية هيربوسو وأخيه، وكذلك صدمتهما، لم تنته عند ذلك الحد.
فقد ازدادت حدة حالات الهجوم المدفوعة بالإسلاموفوبيا وكذلك الجرائم المتعلقة بحالات الكراهية في الولايات المتحدة، خاصة منذ أن شرع المرشح الرئاسي المحتمل دونالد ترامب في مقترحاته بمنع دخول المسلمين إلى أميركا.
وتوضح البيانات التي يسوقها مكتب التحقيقات الفيدرالي، أنه خلال الأعوام الماضية كان ثمة أكثر من عشر حالات اشتباه في جرائم متعلقة بالكراهية ضد المسلمين في كل شهر.
سجل للمسلمين
غير أنه منذ هجمات باريس، وأيضاً زيادة انتشار الفكر الذي يتبنى الخطاب القومي الأميركي، بما في ذلك مقترح ترامب بعمل سجل للمسلمين على مستوى البلاد، وصلت تلك الحالات إلى ثلاثة أضعاف الرقم السابق.
ولاحظ فيرناندو هيربوسو ذلك التغير في مشاعر الناس خلال الأشهر القليلة الماضية.
ففي إحدى المرات، كان هيربوسو يعرض منزلاً في ضواحي ميريلاند على أسرة مسلمة أخرى، وعندما أرادت ابنتهم الصغيرة دخول المرحاض، كانت صنابير المياه مغلقة، فذهب فيرناندو ليسأل إحدى الجارات التي كانت تهذب عشب حديقتها.
فنظرت المرأة للأشخاص المنتظرين خلف فيرناندو، وعندما رأت الأسرة التي كانت ترتدي الزي الإسلامي التقليدي، لم تنطق ببنة شفة، واستدارت متجهة إلى منزلها، ثم دخلت وأغلقت باب المنزل.
يقول هيربوسو "ما الذي يمكنك أن تخبره لعملائك عندما يحدث شيءٌ كهذا، خاصة عندما تحاول أن تجد لهم منطقة يشعرون فيها بالأمان والترحاب؟"
حتى المهاجرين الهسبان
ونشر هيربوسو تساؤلاً بأحد المنتديات المتعلقة بالوكلاء العقاريين، ليستفسر ما إذا كان الآخرون شهدوا تزايداً في هذه التصرفات الفظّة التي توحي بالكراهية، وما إذا كانوا يعتقدون أن البلد يشهد حالة من الانقسام تسببت فيها سياسات ترامب. فاتضح أن التعليقات التي رآها كانت "محبطة"، على حد تعبيره.
وعن ذلك يقول "لقد سمح المنشور الذي كتبته لزملائي في مجال العقارات بالتعرض لي بتعليقات الكراهية ضد أصولي الهسبانية".
وأضاف هيربوسو الذي وُلد في بوليفيا "لم أشهد مثل هذا الأمر من قبل، فقد وصلت إلى الولايات المتحدة عام 1977، وصرت مواطناً أميركياً فخوراً بجنسيتي منذ عام 1982".
وعلى مدار الـ25 عاماً التي قضاها في العمل بمجال العقارات، وكثير من تلك الأعوام قضاها في العمل بشركته الخاصة، لم يشعر مطلقاً بالتمييز ضده؛ فهو يُخرس أي شخص بعمله الجاد وحبه الشديد لأميركا.
والآن، فجأة تعرض الرجل للهجوم من وكلاء كان يظن أنهم زملاؤه في المهنة. إذ أرسل إليه بعض الأشخاص، الذين كانو اعتادوا تبادل المزاح معه على موقع MLS للخدمات العقارية، رسائل إلكترونية تحتوي على ألفاظ بذيئة، بل وهاتفوه أيضاً، مطالبين إياه بالعودة إلى بلاده.
ووجه أحد زملائه من الوكلاء العقاريين كلمات لاذعة له، فقال "أنا لا أعرف ماذا تعني كلمة "هسبانية"، هل أنت من إسبانيا، أم المسكيك، أم الأرجنتين، أم جواتيمالا، أم كوبا؟ وهل هو أمر مهم حقاً؟ ينبغي علي أن أفترض أنها تشير إلى ثقافة تنتمي إليها وهي مختلفة عن الثقافة الأميركية. ولكن قل لي، هل تضع الهوية الهسبانية أولاً أم الأميركية؟".
وعن شعوره تجاه تلك التعليقات، قال هيربوسو "كما لو كانوا يرتدون أقنعة كل تلك السنوات، وأنهم قد أزالوها فقط".
واستقبل الرجل أيضاً بريداً إلكترونياً خاصاً، يقترح أيضاً أنه من الأفضل لأهل الأحياء أن يبقى المسلمون خارج مناطقهم.
كما علق أحد زملاء فرناندو على المنشور قائلاً "بالحق أتساءل، في هذا اليوم وفي هذا العمر، مَن منّا لا يشعر بالقلق عند انتقال أحد المسلمين إلى مجتمعاتنا؟".
حالة صادمة
وكانت تلك هي اللقطة التي بدت صادمة للأخوين هيبروسو، فتلك الحالة من الصمت قد أساءوا فهمها خلال كل تلك العقود التي مرت عليهم.
فطوال تلك الأعوام، لم تكن ثمة صداقة بريئة، ولم يكن ثمة قوس قزح سعيد في الأفق. ولم يكن الأمر متعلقاً بهذه الكلمات الجوهرية "إننا نحفظ هذه الحقائق كبديهيات، بأن كل الناس خُلقوا متساوين".
وقال فيرناندو إن الأمر كان مرتبطاً بالعنصرية، والارتياب، والكراهية، كلها مجتمعة.
ويضيف قائلاً "أتذكر عندما قدمت إلى واشنطن العاصمة، وكنت أستقل مترو الأنفاق، ولم أكن هسبانياً عندما كنت أستقله، بل كنت مجرد شخص يجلس بجوار أحد الصينين وأحد الهنود وأحد المكسيكيين. وكنا جميعاً مجرد أشخاص يستقلون مترو الأنفاق. أما الآن فعلي أن أدرك أن العنصرية كانت جزءاً لا يتجزأ من المشهد، ولكنها كانت مكمومة".
ولا يتعلق القلق الذي ينتابه بكونه أميريكياً وحسب، بل وأيضاً بكونه أباً، ويوضح ذلك قائلاً "لدي صبي يبلغ من العمر 8 أعوام، ولا أريد لأي شخص أن ينظر إليه كما لو أنه مقيمٌ غير شرعي هنا. أريدهم أن ينظروا إليه باعتباره شخصاً، مواطناً أميركياً".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.