تفاقمت أزمة أعضاء حزب العمال البريطاني المعارض مع زعيم الحزب جيرمي كوربن ووصلت إلى تصويت غير ملزم لحجب الثقة عنه. إذ صوت 81٪ من أعضاء مجلس العموم البريطاني عن حزب العمال بحجب الثقة عن كوربن بواقع 172 نائباً، فيما منحه الثقة 40 نائباً، بينما لم يصوت 19 نائباً آخرين. وذلك على خلفية نتيجة تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي وخسارة حملة البقاء التي كان الحزب طرفاً فيها.
ويشكّل هذا التصويت ضغطاً سياسياً على زعيم حزب العمال لترك منصبه، لكنه لا يمثّل إلزاماً قانونياً أو لائحياً بذلك. ومن جانبه رفض كوربن تقديم استقالته قائلاً إنه لن يخون أصوات 60٪ من قواعد الحزب الذين منحوه ثقتهم العام الماضي.
وقد احتشد الآلاف من أنصار رئيس حزب العمال البريطاني المعارض في ميدان البرلمان أمام مجلس العموم البريطاني تأييداّ له عشية الاقتراع بحجب الثقة. ودعا مؤيدو كوربن منتقديه إلى منافسته في عملية انتخابية نزيهة وليس ممارسة ضغط سياسي عليه عبر ترتيب انقلاب، على حدّ وصفهم.
ما هي قواعد تغيير رئيس الحزب؟
وطبقاً للوائح الحزب لم يعد أمام معارضي كوربن سوى ترشيح شخصية منافسة تحظى بدعم 51 نائباً بمجلس العموم والبرلمان الأوروبي، وذلك ليتسنى إجراء انتخابات جديدة على رئاسة الحزب. بعدها يجرى الاقتراع بين قواعد الحزب لاختيار رئيس جديد. ويتعهّد مناصرو كوربن بأنه سيخوض هذه الانتخابات وسيربحها في حال تحقّق هذا السيناريو. وقد بدأ بعض النواب في طرح اسمي النائبة أنجيلا إيغل ونائب رئيس الحزب توم واتسون، لكن من غير المعروف مدى قدرتهما على الحصول على الدعم البرلماني المطلوب والأهم من ذلك إقدامهما على منازلة كوربن ومنافسته بين قواعد الحزب.
وكان رئيس حزب العمال قد أعلن تعيين حكومة ظل جديدة من أعضاء حزب العمال المعارض الرئيسي في مجلس العموم في غضون 24 ساعة من استقالة حكومته للظل السابقة التي تضغط عليه ليتنحى عن رئاسة الحزب. وجاءت معظم الأسماء الجديدة من ضمن ٣٥ نائباً ممن وقعوا على عريضة طرح اسم كوربن كمرشح لرئاسة الحزب العام الماضي. ويأتي في مقدمة الأسماء إيميلي ثرونبيري كوزيرة خارجية ظل والتي عملت سابقاً كمحامية في مجال حقوق الإنسان ووقفت بجوار كوربن في مواقف صعبة سابقة. وأيضاً هناك دايان آبوت كوزيرة صحة الظل والتي تعد من أشرس المدافعين عن كوربن.
لماذا يريدون التخلص منه؟
وقد شهدت الأيام القليلة الماضية تسارعاً كبيراً في الأحداث داخل حزب العمال. وذلك حين بدأ الأمر بتصريح من وزير خارجية الظل هيلاري بن يقول فيه إنه فقد الثقة في جيرمي كوربن وأنه لا يصلح رئيساً للحزب. تزامن هذا مع تسريبات صحفية تفيد بأن بن يجري اتصالات بأعضاء حكومة الظل لتقديم استقالاتهم ليضغطوا على كوربن إذا رفض التنحي عن رئاسة الحزب. فما كان من كوربن إلا أن أقال وزير خارجية الظل في ساعة متأخرة من ليلة العطلة الأسبوعية السبت الماضي. بعدها توالت استقالات أعضاء حكومة الظل بالفعل والتي تشمل وزراء ووزراء الدولة في الظل. وبلغ عدد المستقيلين حتى كتابة هذه السطور 40 نائباً من جملة50 نائباً يشكلون أعضاء حكومة الظل. أعرب غالبيتهم عن احتجاجهم على عدم تنحي كوربن عن منصبه.
ويرى هؤلاء النواب أن البلاد مقدمة على تغيرات مفصلية؛ وأن كوربن ليس الشخص المناسب لقيادة الحزب نحو الفوز بثقة الناخبين ومن ثم تشكيل حكومة، خاصة مع احتمال إجراء انتخابات تشريعية مبكرة أواخر هذا العام بعد أن استقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من منصبه. وهي الاستقالة التي ستدخل حيز التنفيذ في أكتوبر/تشرين الثاني المقبل، موعد إقامة المؤتمر السنوي لحزب المحافظين الحاكم.
ومن غير المعروف ما إذا كان الحزب سيستطيع تصعيد زعيم جديد يتولى رئاسة الوزراء ويقود مفاوضات شاقة مع الاتحاد الأوروبي ويواجه التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه البلاد بعد نتائج الاستفتاء الماضي أم لا؟ الأمر الذي يطرح احتمال إجراء انتخابات جديدة تحدد شكل الحكومة المقبلة.
وكيف يرد أنصار كوربن؟
جيرمي كوربن ومناصروه يردون على هذه المطالبات بأنها ليست وليدة نتيجة استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي وإنما انقلاب داخلي كان يتحين هؤلاء النواب الفرصة تلو الأخرى للقيام به.
والسبب، على حد قولهم، يعود إلى أنهم من مناصري توجه زعيم الحزب السابق توني بلير الذي أخذ الحزب بعيداً عن توجهه اليساري وأصبح أقرب للمحافظين واليمين منه إلى اليسار ونقابات العمال، الحلفاء الرئيسين لحزب العمال ما أدى لخسارته في الانتخابات التشريعية التي جرت العام الماضي. كما يرون أنه من الظلم تحميل جيرمي كوربن مسئولية تصويت الأغلبية البريطانية لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي رغم اصطفاف الحزب خلف حملة البقاء. ويفسرون هذا التصويت بأنه موجه بالأساس ضد سياسات حكومة حزب المحافظين الحالية.
أما أحد أبرز وجوه حكومة الظل فهو آندي بيرنام الذي كان منافساً لجيرمي كوربن على رئاسة الحزب وحل في المركز الثاني مباشرة فقد رفض الاستقالة من حكومة الظل قائلاً إنه يحترم خيار ناخبي الحزب الذين أعطوا أصواتهم لكوربن بنسبة كبيرة العام الماضي، مضيفاً أنه لم يكن طرفاً في أي انقلاب داخلي ضده.
وتعد مسألة الأصوات التي حصل عليها كوربن أحد الأسلحة التي يشهرها مؤيدو كوربن أمام معارضيه، إذ يقولون إنه حصل على تأييد غير مسبوق بين قواعد الحزب الذي زادت نسبة العضوية فيه بشكل مضاعف بسبب وجود شخصية مثل كوربن على رأسه. ويتهم هؤلاء خصوم كوربن بمحاولة الالتفاف على رغبات قواعد الحزب التي قالت كلمتها العام الماضي بشكل واضح. ويصر كوربن ومناصروه أنهم قادرون على خوض أية انتخابات تشريعية قادمة سواء مبكرة أواخر هذا العام أو في موعدها عام ٢٠٢٠ وإحراز الفوز فيها.
هل كوربن مؤيد للعرب وفلسطين؟
ومنذ صعود المفاجئ للنائب العمالي المخضرم جيرمي كوربن إلى سدة رئاسة حزب العمال المعارض العام الماضي ولم تتوقف الأسئلة حول مستقبل الحزب. خاصة وأن مواقفه السياسية لا تتماشى مع التوجهات التي سارت فيها السياسة البريطانية خلال العقود الأخيرة.
إذ يعد أحد مناصري حقوق الشعب الفلسطيني وليس محسوباً على أي من اللوبيات الداعمة لإسرائيل في البلاد. كما كانت له مواقف واضحة ضد الحرب على العراق عام ٢٠٠٣ وأحد المطالبين بتقديم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وهي أمور جعلت كوربن في مرمى كثير من النيران السياسية والإعلامية خلال الفترة الماضية.