لما جاءتني فكرة هذه التدوينة شاركتها مع إحدى زميلاتي ونحن نحضر حصة في القانون الدستوري، استهزأت بي قائله: مَن يسمع كلامك هذا يظنك أفنيتِ عمرك في دراسة القانون، إنها سنة واحدة التي قضيناها بين هذه المدرجات.
لم تكن تعلم هذه الأخيرة أن الوقت ليس مقياساً ليحدد تعلقنا بأي شيء، فقد نقضي عمراً في دراسة علم معين أو مزاولة عمل ولا تتغير نظرتنا له ولن نستطعم طعمه يوم، لأنه من البداية لا يشبهنا ولا يمت لأحلامنا وأفكارنا وحتى لقدراتنا بصلة، إن حب ما تعمل هو أول خطوة للنجاح فيه والتألق، فقد يرى الجميع أنك تسلك طريقاً خاطئاً لكن المهم أنك تراه صحيحاً، أنك تدرك نهايته وعواقبه ونفسك وأنت تسير فيه.
طوال حياتي كنت أدبية الشغف وعلمية التخصص لكن بمجرد حصولي على البكالوريا وضعت حداً لهذا وقررت أن أشيخ برفقة كتب تفهمني وأفهمها ولا أكون يوماً مجبورة على قراءتها، هكذا شرعت في دراسة القانون دون أن يكون أكبر همي كأقراني حينها الحصول على مقعد في كلية الطب أو في مدرسة للمهندسين، كان كلما ازدادت القوانين ازداد شغفي بها وازداد تعلقنا ببعض، كنت أنتظر النجاح بعد نهاية كل فصل كأنني على موعد معه فكان يتحقق ولا يخذلني.
علمني القانون في سنة واحدة فقط أن التظاهر بالقوة أمام ذواتنا واجب عندما نشعر بالضعف وأن نستقوي على الغير بدل مواجهته جبن، أن أقول لا حتى وأنا بحاجة لقول نعم. وأن المجرم يرتكب جريمة في حق إنسانيته قبل الآخرين، وأننا جميعنا مجرمون حين نكذب، نخاف، نتغاضى ونصمت. والعقاب لا يصلح ويقوم إلا إذا رغبنا في ذلك وبشدة، علمني أن كل شخص يستطيع محاكمة نفسه دون الحاجة الى قانون.
تستحق الحياة المجازفة من وقت لآخر لتحقق أحلامك وتحيا بسلام دون أن يحشر أحدهم أنفه في حياتك ويرسم لك طريقاً يراه بمنظاره مناسباً لك، إن دراسة ما تحب ستجعل خوفك من الامتحانات يتناثر ويختفي، فتحبك بدورها وتمسك بيديك كلما سقطت.
سيأتي يوم وتحاسب نفسك؛ لأنك ضيعت عمراً في عمل شيء لا ترغب فيه، فكر وأنت تدرس الطب هل تود فعلاً أن تغدو طبيباً أم فناناً؟ وأن تتقن الغناء، فكر وأنت تدرس علم الأحياء في اليوم الذي ستتخرج فيه هل ستكون بهجتك وفرحتك بقدر فرحتها لو نشرت روايتك وقرأها الناس؟ فكر كثيراً وكن متأكداً أن دائماً هنالك فرصة للتخلي على ما نفعل والبدء من جديد.
ذكرني هذا بمسرحية "السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم والحوار الذي دار بين السلطان ووزيره:
السلطان: قررت أن أختار.. أن أختار.
الوزير: ماذا يا مولاي؟
السلطان: القانون.. اخترت القانون!
لنحاول مرة واحدة قبل أن ينقضي هذا العمر أن نكون مثل هذا السلطان ونختار بحرية وشجاعة شيئاً ما دون استئذان أحد أو مشاورته، فالحياة مجرد فرصة للاختيار.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.