أيشرب بكري من كأس مالك؟.. المؤيدون لاتفاقية تيران وصنافير يواجهون بلاغات تتهمهم بترويج أخبار كاذبة

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/24 الساعة 06:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/24 الساعة 06:42 بتوقيت غرينتش

بمجرد نطق محكمة القضاء الإداري في مصر، يوم الثلاثاء الماضي، ببطلان توقيع رئيس الوزراء شريف إسماعيل على اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، التي تتضمن تخلي الدولة المصرية عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح المملكة، بدأت الهجمة المرتدة.

زفت المواقع الإخبارية، أخباراً على شاكلة "النائب العام يبدأ التحقيق مع مفيد شهاب في ترويج أخبار كاذبة وادعاء سعودية جزيرتين مصريتين"، "بلاغات للنائب العام ضد مصطفى بكري وأحمد موسى لبثهم أخباراً كاذبة حول ملكية تيران وصنافير"، "شكاوى لفصل بكري وموسي من نقابة الصحفيين".

اللافت أن كل الأخبار السابقة غير دقيقة حتى الآن، بينما الخبر الدقيق الوحيد هو ذلك الذي حمل عنوان "الحكم ببراءة 22 من متظاهري جمعة الأرض".

الحكم يغير البوصلة


هكذا تبدل الحال، وتغيرت الأخبار وربما المصادفة وحدها هي التي فعلت ذلك، لكنها كانت مصادفة غريبة لاحظها أغلب مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، حين لاحظوا تلك المفارقة، ووضعوا الأمر في مقارنة. ها هم المتهمون بقلب نظام الحكم يحظون بتأييد القضاء، فيقضي ببطلان دفوع الفريق المدافع عن الاتفاقية وما ترتبت عليه من آثار، أهمها التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.

فور الحكم بات السؤال الأهم هو مصير المحبوسين بتهم "الادعاء كذبا بأن النظام تنازل عن أرض مصرية لصالح السعودية والدعوة للتظاهر لذلك". وهي واحدة من التهم الموجهة للصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا، وكذلك المحامي مالك عدلي، وغيرهم العشرات ممن تم حبسهم لاعتراضهم على توقيع الاتفاقية. غير أن الوضع بات مختلفاً، فالمحكمة أكدت مخالفة إجراءات توقيع الاتفاقية للدستور، وتضمنها التنازل عن أرض مصرية، فهل سيخرج الرافضون للاتفاقية من السجن ليدخله المؤيدون لها بدلاً منهم؟ وهل سينقلب الحال إذا ألغت المحكمة الإدارية العليا حكم القضاء، واعتبرت أن الاتفاقية عمل من أعمال السيادة التي يراجع فيها القضاء الرئيس وحكومته؟

براءة وتعويض للمعارضين


"حكم القضاء الإداري يبرئ كافة الشباب المقبوض عليهم بسبب التظاهر ضد اتفاقية التنازل عن تيران وصنافير للسعودية"، هذا ما أكد المحامي خالد علي، أحد المحامين الصادر لصالحهم حكم بطلان تخلي مصر عن الجزيرتين للسعودية.

وأوضح في تصريحات لـ "عربي بوست" أنه إذا قررت المحكمة الإدارية العليا الاستجابة إلى الطعن المقدم من الحكومة والذي حددت له جلسة الأحد المقبل 26 يونيو الجاري، وألغت حكم القضاء الإداري، فلن يترتب على هذا الحكم أي جديد، خاصة وأن حكم القضاء الإداري أكد على مخالفة الحكومة المصرية للدستور بالتوقيع على اتفاقية تتضمن التنازل عن جزء من أرضها، ومن ثم الاتهامات الموجهة لما يزيد على 300 شاب بشأن إشاعة أخبار كاذبة بالترويج إلى تخلي السلطة عن أراضٍ مصرية للسعودية لم تعد شائعات أو أخبار كاذبة، وإنما حقيقة مثبتة بحكم قضائي واجب النفاذ.

غالبية المتظاهرين في جمعة "الأرض هي العرض"، وهي تجمعات لعشرات الشباب بتاريخ 15 أبريل الماضي للتعبير عن رفض اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، سددوا الكفالات بعد أن وجهت لهم تهم التظاهر ونشر أخبار كاذبة بخصوص الاتفاقية، وها هو حكم المحكمة يؤكد على ما كان يقوله الشباب فبالتالي، ووفقاً لخالد على، يحق لهؤلاء الشباب مقاضاة الحكومة، والمطالبة بتعويضهم مادياً ومعنوياً.

غير أن عادل رمضان، المحامي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، يقول إن حكم القضاء الإداري ليس له تأثير مباشر سواء على المؤيدين أو الرافضين لاتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، مفسراً لـ"عربي بوست" أن حكم القضاء الإداري قد يفيد في نفي تهمة نشر أخبار كاذبة، وهي التهمة المصاحبة لتهم التظاهر بدون تصريح والموجهة لكثير من الشباب وقد ينفي ارتكاب هؤلاء الشباب تهم التخطيط لقلب نظام الحكم ومحاولة تغيير دستور الدولة التي وجهت لعمرو بدر ومحمود السقا والمحامي مالك عادلي، ولكن تظل المشكلة الأساسية وفقاً لرمضان أن "غالبية المحبوسين تهمتهم التظاهر بدون إذن، وحكم القضاء الإداري قد يكون مفيداً في إثبات عدم ارتكاب المتظاهرين جرائم على شاكلة الإخلال بالأمن أو النظام العام أو سير العدالة أو غيرها من التهم، ويثبت للمحاكم الجنائية أن المتظاهرين خرجوا لدوافع وطنية وأسباب مشروعة، ولكنه لا ينفي التهمة الأصلية في التظاهر بدون ترخيص".

لكن فيما يتعلق بالمؤيدين للاتفاقية والمروجين لتسليم الجزر للسعودية سواء من الإعلاميين على شاكلة مصطفي بكري وأحمد موسي، وغيرهم أو من الخبراء الذين أيدوا سعودية الجزيرتين مثل مفيد شهاب وغيره من الوزراء والمسؤولين الحكوميين الحاليين والسابقين، فحسب المحامي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية يبدو "الحكم بلا أي تأثير، وأن يتلقى النائب العام بلاغات ضد أحمد موسي ومصطفي بكري تتهمهما بنشر وترويج أخبار كاذبة، أو اتخاذ قرار إجرائي تجاه بلاغ بمحاكمة وزير الشؤون النيابية الأسبق مفيد شهاب بسبب تصريحاته بأن الجزيرتين المصريتين تابعتان للسعودية، كل هذا لا يعني وفقاً لرمضان وجود أي تغير في مسلك القضاة تجاه المؤيدين للاتفاقية، لأن "النائب العام في النهاية لا يستطيع منع أي مواطن من التقدم ببلاغ ضد أي مواطن آخر، وفي مسألة مفيد شهاب، كل ما حدث هو إحالة البلاغ إلى النيابة المختصة، وهو إجراء روتيني يحدث مع عشرات البلاغات التي يتلقاها مكتب النائب العام يومياً، دون أن يترتب عليه أي جديد، والمعروف قانونياً أن 99% من تلك البلاغات تحفظ في الأدراج ولا يطلب سماع حتى مقدمها".

لا تحقيق مع مفيد شهاب


نشرت غالبية الصحف والمواقع الإخبارية في مصر عقب دقائق من صدور حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية خبراً عن إحالة النائب العام المصري المستشار نبيل صادق، بلاغ المحامي فاضل عاشور، ضد الدكتور مفيد شهاب، إلى نيابة جنوب القاهرة الكلية لاتخاذ الإجراءات القانونية.

يسجل البلاغ على شهاب تصريحات له بأن الجزيرتين سعوديتان، بما يتناقض مع محتوى رسالة دكتوراه أشرف عليها، للباحث فكرى أحمد سنجر، تؤكد أن تيران مصرية.

ثم ظهرت أخبار عن تلقي النائب العام بلاغات من المحامي عمرو عبد السلام ضد مصطفى بكري عضو مجلس النواب، وأحمد موسي مقدم البرامج والصحفي بالأهرام، يتهمها بنشر أخبار كاذبة والتحريض على الدولة. كما نشرت الصحف أيضاً تلقي نقابة الصحفيين المصريين.

ثم تلقت نقابة الصحفيين بلاغاً من أحد أعضائها، ضد بكري وموسي بصفتهما عضوين بالنقابة، للتحقيق معهما وتحويلهما لمجلس تأديب، لنشرهما أخباراً كاذبة وتضليل الرأى العام المصري حول الجزيرتين.

أعقب ذلك حكم محكمة جنح قصر النيل يوم الأربعاء 24 يونيو/ حزيران ببراءة 22 من متظاهري جمعة الأرض، ليبدو الأمر وكأنه عدول في مسلك القضاء تجاه المؤيدين والمعارضين للاتفاقية وهو ما يرفضه، الوليد إسماعيل، الصحفي المتخصص في الشأن القضائي. "النائب العام لم يقرر بدء التحقيق مع الوزير الأسبق، ولكن اتبع الإجراءات الروتينية، بتحويل البلاغ إلى النيابة المختصة، وهي نيابة زينهم في حالة شهاب، لأنها محل إقامة المحامي مقدم البلاغ. ليس في هذا الإجراء أي مؤشر على جدية البلاغ وإنما هو إجراء روتيني، ومن المفترض استدعاء الشاكي للاستماع إلى مبرراته، والمستندات التي تثبت التهمة التي يوجهها إليه، وبعدها يمكن استدعاء المشكو في حقه، وهو ما لم يحدث". يضيف إسماعيل أن "مكتب النائب العام يتلقي يومياً عشرات البلاغات وغالبية تلك البلاغات تحفظ ولا يتخذ حيالها أي إجراء".

وهل نذهب بهم فعلاً للقضاء؟


انقسم المحللون حول الإجابة على هذا السؤال، فيرى المحامي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، عادل رمضان، أن الأصل هو توفير مناخ للجميع للتعبير عن حرية الرأي والتعبير، "وقد رأينا أن ملاحقة الحكومة للمختلفين معها في الرأي واستخدام القوة لفرض رأيها، جعل البعض يرى أن هذا موقف صحيح، لكن الأصل هو إطلاق الحرية للرأي والرأي الآخر".

غير أن أحمد عبد السلام، المحامي المتطوع للدفاع عن عدد من المتهمين في قضية جمعة الأرض والعرض، يختلف مع هذا الرأي، لافتاً إلى أن هذا لا يعد اختلافا في وجهات النظر، وإنما هو بيع للأرض وهو أمر مخالف قانونياً ودستورياً، ويطلق عليه الرأي العام الشعبي مسمى "خيانة".

تحميل المزيد