مع إشراقة كل صباح يظهر عنوان جديد لِـ"عمل إبداعي" آخر ينضاف إلى لائحة ما يسمى "الأدب النسوي".. اسم لِـ"كاتبة" جديدة تحتفل بصدور مولودِها الأدبي الأول أو أخرى تكتفي بالإشادة بكميات القراءة التي حصدتها "روايتها" الإلكترونية، وأنا بين هذا وذاك.. أطالع كل يوم هذه الظاهرة بِذهول يحفر السؤال عميقاً داخلِي: إلى أين يمضي الوضع؟
ثنائية الحب والرجل، ليست بالشيء الجديد عن أغلب الكاتِبات العربيات إذا استثنينا نسبة قليلة منهن ممن خرجن عن هذه الدائرة، إلا أن ما يزيد الطين بلة الآن.. هو موجة هذه "الأدبيات المراهقة" التي تتكاثر بشكل مروع يدور في نفسِ الحلقة: الرجل، حيث تتعدد النماذج والصور المختلفة التي تتناولها كل "كاتبة" على حِدة، بين قِصص الحب، الخِيانة، الوفاء، الزواج، المجتمع الذكوري، سلطة الرجل ونموذج الأنثى المضطهدة إلى غيرِ ذلك.. لكن الموضوع واحد هو الرجل أو كما يطلقون عليه "الرجل الشرقي". أما من جهة أخرى، الأمر الأكثر فظاعة بالفعل هو المستوى اللغوي الهزيل الذي تتميز به هذه الكِتابات، من فقرِ في التعبير وركاكة في الأسلوب أو قد يتعدى ذلك إلى أخطاء إملائية ونحوية.. والسؤال هنا: أين الرقابة الأدبية؟ أين احتِرام المنتوج الأدبي؟
إن العمل الأدبي يبنى على شطرين: الأول هو الموضوع المتناول أو الفكرة التي يعالجها الكاتب، وينبغي في ذلك أن يكون موضوعاً يستجدي اهتمام القارئ أو فِكرة يعمل عقله فيها حتى لو كان عملاً فنياً، فالأصح أن يحترم القارئ فيما سيتطرق له. أما الثاني فيعود إلى الأسلوب اللغوي باعتباره واجهة أدب الكاتب وقالب أفكاره.. وبالتالي فاحترام القارئ ينبغي أن تتم مراعاته على الوجهين لاكتسابِهما نفس درجة الأهمية. إلا أن الكاتب قد تغيب عنه هذه الثنائية فيأتي نصه مبتوراً من أحد الجانبين فإما مضمون جيد في قالب ركيك، أو لوحة كثيرة الزركشاتِ فارِغة المحتوى.. وهذا الأخير بالذات هو ما نجده فيما يسمى الأدب النسوي؛ حيث براعة الأسلوب واللغة شعرية كانت أم نثرية وضعف الموضوع المتبنى في النص. والأمثلة التي تحضرني الآن عن هذا النوع عديدة من أسماء لكاتبات لمع بريقهن الأدبي وحظين ببهرجة بالِغة رغم أن المحتوى لا يزيد على أن يكون تعبيراً عن عقدة الرجل الشرقي عند المرأة.
إلا أن ما آل إليه الوضع الآن، هو الأكثر فظاعة.. في ظل هذه الموجة الجديدة من الأعمال التي تفتقر إلى العنصرين معاً: ضعف القالب اللغوي وهزالة الموضوع المتناول..
لكن، ألا يدعونا هذا للوقوفِ استفساراً عن الاعتبارات التي تطبع التجربة النسائية في الأدب؟
أولاً: من حيث وضع المرأة العربية، فالكاتبة هنا ونتيجة للأيديولوجية العربية التي طبعت تفكيرها ودور المجتمع في تكريس الصورة النمطية للمرأة بصفتها عنصراً مضطهداً ومضغوطاً عليه من قِبل الرجل، نتيجة لهذا لم تفلح المرأة-الكاتبة في تحريرِ نفسِها من سطوة هذه الصورة السطحية، فكان أنها لا تزال حبيسة الشعورِ بالنقص في غيابِ الرجل.. تعبر عن حضوره بموضوعات مختلفة، قد تبارك أحياناً هذا الحضور كما في الرواياتِ الغرامية وخواطر الحب الوردية، أما حيناً آخر فقد يظهر تمثاله مخبأً داخل نداءاتِ المساواة ورسائل حرب تسعى من خلالها "الكاتبة" إلى الإشادة بقوتها الأنثوية (كما تظن) لكن الحقيقة أن هذا لا يعدو أن يكون تطبيلاً آخر للعنصر الذكوري في حياتِها. إننا لا نستنتج إلا أن يكون هذا تعبيراً عن نقصِ الأنثى في غياب الرجل (وهي الكذبة التي تصدقها عقول الفتيات ضمنياً حتى وهن ينتقدنها) دونما أن تتمكن من الحيادِ عن دائرته إلى موضوعات أخرى.
من هنا يتم تفسيرنا لِطابع "الأدب النسوي" في تناوله لموضوعات تتجه نحو نفسِ المركز.
أما فيما يخص الشق الثاني المتعلق بتراجع النص الأدبي في الآونة الأخيرة؛ حيث غياب الرقابة والنقد الخالص قد أتاح الفرصة لامتِلاء الساحة الأدبية بنماذج لا تمت للأدب بصلة، مدفوعة بالتصفيق والمجاملات، وصدور كمية مهولة من الكتب الفارغة. والحال هنا أن أي "خربشة" تقابل بالترحيب من طرف المتلقي الذي أصبح لا يطلب إلا ما يكلفه جهداً رخيصاً في تذوق النص.. مما حدا بتفوق "الأدبيات الرخيصة" وسطوعِ نجمِها مقابل تجاهل المنتوج الأدبي الحقيقي. وهذا فيه ما فيه من مغالطات عن أسس تقييم النص التي أصبح يتم اختزالها في "كمية" الجمهور المتلقي وعدد القراءات.. حتى إننا اليوم نقف أمام أسماء مشهورة على نطاق واسع وأعمال بلغت من الطبعات العشر أو أكثر مع ضعف ركيزتها الأدبية.
أخيراً لا يسعني إلا أن أدعو كل كاتبة مبتدئة إلى محاولة الحياد عما يسمى الأدب النسوي، بأن نسعى جميعاً للتفوق على أي سقف يمكن أن يختزل القيمة الأنثوية في موضوع محدد.. أن نصنع من أدبنا بحراً على سِعته يحمل هذا الفكر العظيم والمخيلة الغنية التي تتمتع بها الأنثى، فالعالم يحتاج إليكِ وإلى فكرك أكثر مما تحتاجه عاطِفتك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.