كلما تفحصنا قلوبنا وجدنا داخلها مجموعة من الناس لا تخبو محبتهم مهما طال الزمن أو قصر، موجودون باستمرارلا تغيبهم مسافات بعيدة ولا انشغالات كثيرة ولا تغير الأحوال والأزمنة، هم موجودون داخلنا وكأنهم قد ابتاعوا بعضا من المساحة وسط قلوبنا في غفلة منا.
القلوب بيوت تعددت غرفها، يحير الإنسان في معرفتها، ما بين غرفة يختزن فيها خوفه، وأخرى قلقه، وثالثة أسراره.. تبقى غرفة المحبة أهم مساحة تشعره بالرضى والطمئنينة، فبمجرد ما يفتحها حتى تنساب إلى مخيلته ذكريات جميلة قضاها مع سكان هذه الغرفة، يتنفس شعورا بالرضى والسلام الذي تمنحه له وجوه طالما كانت مصدر بهجة له.
لكل منا مجموعة من الأشخاص يحتفظ بمحبتهم لنفسه، يجد في تلك المحبة عزاءه الوحيد لتجاوز كل الأزمات، يُقبل بفضلهم على مصاعب الحياة دون وجل، يستمد من دعمهم القوة الكافية ليستمر في ملاحقة حلمه. يحدث أن تتعرض غرفة المحبة تلك لتلف إذا لم نهتم بها من حين لآخر، إذا تركناها عرضة للامبالاة والجفاء والقطيعة والشحناء، يحدث أن تتصدع حيطانها وتغزو العناكيب زواياها وتتعفن أرضيتها، فتتحول من روض خصب بالأحاسيس إلى حفرة تعج بالألم، نتجنبها كلما مررنا بها.
يحصل هذا فقط حينما نترك الأنا الأنانية تتحكم فينا وتحبرنا أن نتعامل مع من نحب بتعال وعجرفة، عندما نقسو على قلوب أحبتنا وعشقتنا، عندما نجفو عيونا لا ترى في المحبة سوانا، عندما نتحول لآلات تحكمها المصلحة والمادة واستغلال الفرص. نخسر غرفنا المضيئة ونخسر معها كل شعور بالسلام والأمل. يختلف المحبون حول من صاحب الحق ومن هو المخطئ وينسون أن في غرفة المحبة لا وجود لمحكمة تقضي بخطأ هذا وصواب الآخر، ولا صراع ولا تنافس، فبمجرد ما يدخل أحدهم غرفتك تلك، حتى يصبح منك وفيك بأخطائه وحسناته، لا يجدر بك أن تنصب له محاكم التفتيش لتحاسبه على كلمة قالها أو فعل أتى به، فالمحبة قرينة التسامح، وشقيقة العفو ومنها يتفرع الصفح كله.
راحتنا رهينة بمدى اعتنائنا بزوايا غرفتنا هذه، بمدى دخول نسيم التجديد والسماحة إليها، وبأشعة شمس العرفان التي تطرد التعفن الذي قد يتسرب إليها. لا شيء أجمل من أن تحس بأنك محبوب من طرف من تحب، ولا أروع من أن ترى نظرات الشوق في عينين سكنتا قلبك، والسعادة كلها في أن تبقى غرفة محبتك مرتبة هادئة لا زوابع تعتصرها، فحافظ على من تحب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.