أن تقـول حـلَّ رمضان، هذا يعني أن تقول حلَّ شهر البركات وشهر الخيرات، وشهر الرحمة والغفران، والشهر الفضيل الذي أنعم الله علينا به، والذي خـصَّه عزَّ وجـل بفضائل لا تعـدُّ وحسنـات لا تحصى، تجعل منه الشهر المميز في حياة كل مسلم.
فشهر رمضان ببلدي المغرب وبمدينتي المحمدية، هو ذلك الشهر الذي ينتظر المغاربة قدومه بشغف، ويُعِدُّون له ما لـذَّ وطـاب من الأطباق الخاصة به، قبل أيام من حُلوله فَرَحاً بقُدومه.
هو الشهر الذي تُشيّد بمناسبته مساجد القرب في كل الأحياء والأزقة رغبة في تقريب حسنات صلاة الجماعة من المسلمين أينما وُجدوا.
هو الشهر الذي تُقام فيه موائد الرحمن للإفطار، وتجدها أينما حَلَلت وارتَحَلت، والتي حرِص مُعدُّوها على أن تكون كمثيلاتها من الموائد التي تتضمنها جلّ المنازل المغربية، وذلك ليس لابتغاء الجزاء ولا الشكور، وإنما فقط مرضاة لله ورحمة للوالدين.
هو الشهر الذي اعتدْتُ فيه منذ صغري ألاَّ أُغادر مدينتي المحمدية حتى لا أضيِّع فرصة مشاهدة الدوريات الكروية الرمضانية التي تجرى قبل الإفطار، والتي لا تنتهي مبارياتها إلا بأذان صلاة المغرب، الذي برفعه تجد الجميع من عامة المتفرجين يهرول مسرعاً بخطواته لبلوغ مائدة كفيلة بسدِّ رمقه، وإطفاء ظمأ عطشه.
هو الشهر الذي تَشتدُّ فيه الأعصاب قبل الإفطار ويرتفع منسوب الخلاف والخصام داخل الأسواق… هذا أخد مكان هذا، وذلك تلفظَّ في حق الآخر، فما هي إلا دقائق تمرّ إلاَّ وتجد المتخاصمين متعانقين مسامحين بعضهم البعض، متبادلين لأطراف الحديث، وذلك ليس إلاَّ لأنهم في شهر التسامح والغفران.
هو الشهر الذي تتعالى فيه أصوات الأئمة الشجيَّة في صلاة القيام، بمختلف أرجاء المدينة ومن كلِّ صوب وحدب، هذا يتْلُو بقراءة مغربية والآخر يتقن المشرقية، وبين هذا وذلك مصلٍّ باحث عن خشوعٍ ضاع منه طوال أشهر السنة.
هو الشهر الذي يعتبر شهر التكافل والتضامن بامتياز.. هؤلاء شباب جمعوا فيما بينهم مبلغاً من النقود، خصَّصوه لاقتناء حاجيات شهر رمضان الأساسية من المواد الغذائية، وضعوه في قُـفـَف وصارو في توزيعه بين الأحياء والدروب رأفةً بالفقراء والمحتاجين، وأولئك آخرون اجتمعوا عند صديقهم وقرَّروُّا أن يكون إفطارهم المقبل بإحدى دور العجزة أو المُسِنّين.
هو الشهر الذي ما إن يقترب أذان صلاة الفجر إلاَّ ويثير مسامعك صوت ذلك "النّفَّار" بمزماره المغربي الأصيل المعهود يتجول في الأزقة لإيقاظ النيَّام، وتنبيه العامة من المسلمين بأن موعد السُحور قد حلَّ وقته وآن أوانه.
فـها هو قبل أيام كـنا نقول أهلاً وسهلاً بك يا رمضان، واليوم نقول مهلاً عليك فإن قلوبنا تعلَّقت بك، ما أسرع خُطاك تأتي على شَوْق وتمشي على عَجَل!
فسبحان من وصف أيامك بـ "الأيام المعدودات"!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.