الأمازيغ في جبال الأطلس بالمغرب.. قصة فتيات تحدين الظروف وشققن طريقهن خارج فقر المناطق الريفية

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/19 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/19 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش

عميقاً في جبال الأطلس الكبير بالمغرب، في قرية "تازلت" الصغيرة، تقوم فتاتان صغيرتان بغسل ملابسهما في المياه الجارية. في داخل أحد المنازل الصغيرة ذات الحجارة البنية المحمرة، تقدم مليكة بو مسعود، ذات 38 عاماً، شاياً أخضر مُحلّى وتنظر إلى صورة قديمة لها وتهز رأسها متذمرة من كونها تبدو كبيرة في العمر.

في الغرفة المجاورة، حيث ينام 5 من أطفالها الستة على مرتبتين مفردتين على الأرض، تتجهّز "زهرة" ابنة بو مسعود ذات 19 عاماً، لمغادرة هذا المشهد الكلاسيكي للحياة الريفية المغربية. إنها مُشاركة في تجربة جسورة جديدة من الممكن أن تغير حياة الفتيات والشابات في المنطقة، فعلى عكس الأغلبية الساحقة من قريناتها، ستحظى زهرة بفرصة التعليم.

إكمال التعليم

على مدار السنوات السبع الماضية، عاشت في مأوى يُدار بواسطة منظمة غير حكومية مغربية صغيرة تُدعى "التعليم من أجل الجميع"، في مدينة "أسني" التي تبعد عن قريتها 56 كيلومتراً. يقع البنسيون على مسافة 5 دقائق مشياً من المدرسة التي ذهبت إليها على مدار الأسبوع منذ سن الثانية عشرة. في سبتمبر، تأمل في الذهاب إلى الجامعة في مراكش. تعي أمها -التي تزوجت في سن السادسة عشر- تماماً كيف كانت حياة ابنتها ستختلف إذا أنهت مدرستها في الثانية عشرة، كمعظم الفتيات الأخريات في الوادي.

"ما زلت أتمنى لو كنت ذهبت إلى المدرسة" تقول مليكة. "حتى بعد كل سنوات الزواج تلك وبعد أن رُزقت بكل أطفالي، ما زلت أندم على عدم إكمال تعليمي. أنا لا أذهب خارج القرية، أبقى فقط في المنزل يوماً بعد يوم. أشعر أني طائر بلا أجنحة".

تجربتها مألوفة في المناطق الريفية بالمغرب، إذ تظل معدلات الأمية للنساء والفتيات الريفيات مرتفعة لتصل إلى 90%. الفتيات، خاصة هؤلاء في المناطق المشابهة للأطلس الكبير، أكثر عرضة لترك الدراسة بعد المدرسة الابتدائية. حيث 26% فقط من الفتيات في المناطق الريفية يلتحقن بالمدارس الثانوية، وفقاً للبنك الدولي.

تؤثر هذه المشاكل بشكل متفاوت على الأمازيغ، السكان الأصليين للمغرب. في حين اعتنق معظمهم الإسلام وبدأوا التحدث بالعربية بعد فتوحات القرن السابع، نجت الثقافة الأمازيغية واللهجات المحلية للغتها، خاصة في الأطلس الكبير.

في المدرسة، تكون الدروس بالعربية التي تعتبر بالنسبة لمعظم الأطفال الأمازيغ لغتهم الثانية، إذا كانت لديهم من الأساس، لذا من غير المُفاجئ أن أداءهم يصبح أضعف من الأطفال العرب.

لكن في المناطق الريفية، تكون المسافة للمدارس الثانوية هي التي تمثل العائق الأكبر، خاصة للفتيات. خالد شنقيطي، متخصص بالتعليم في يونيسف المغرب يقول: "يظل تعليم الفتيات، خاصة في مرحلة الثانوية، تحدياً. هناك أسباب كثيرة لذلك، بما فيها حقيقة أن المدارس غالباً ما تكون ضعيفة التجهيز بدورات المياه والتسهيلات الصحية، والتنقلات عادة ما تكون صعبة، وفي بعض الأماكن ما تزال الفتيات يُطالبن بدعم مهام محلية، ويواجهن عوائق اجتماعية – ثقافية لإكمال تعليمهن الثانوي العالي. هذه العوامل عادة ما تؤثر على الفتيات في المناطق الريفية بشكل متفاوت".

يوضح شنقيطي لماذا تُعد هذه مشكلة حاسمة "يساعد تزويد الفتيات بالتعليم في كسر دائرة الفقر: النساء المتعلمات أقل تعرضاً للزواج المبكر ضد رغبتهن، وأقل تعرضاً للموت أثناء الولادة؛ أكثر استعداداً لإنجاب أطفال أصحاء، وأكثر استعداداً لإرسال أطفالهن للمدرسة".

حل المشكلة

الحل الذي تطرحه حملة "التعليم من أجل الجميع" هو جلب الفتيات إلى المدارس، وهي فكرة بدأت في تغيير حياة فتيات الأمازيغ بطريقة قد تحول مستقبل المنطقة.

البنسيونات الخاصة بهن، والتي تُدار على نحو فردي من نساء الأمازيغ، توفر الإقامة، الغذاء الصحي، المساعدة في الواجبات المنزلية ودروس إضافية في الفرنسية والإنجليزية. في المتوسط، معدل النجاح لكافة السنوات الأكاديمية يساوي 97%.

زهرة مفعمة بالحماس للفرصة التي توفرت لها: "في المدرسة الابتدائية، استمتعت حقاً بالدراسة، لكن علمتُ بأن هناك فرصة ضئيلة لأحصل عليها للذهاب للمدرسة الثانوية. عندما تم اختياري (بواسطة التعليم من أجل الجميع)، كنتُ سعيدة للغاية. كنت غاضبة للغاية عندما ذهبت لأول مرة للبنسيون، لكن شعرتُ بأنني وجدتُ نفسي منذ أصبحت هناك. أنا أؤمن بأنني الآن سوف أحظى بمستقبل جيد وسأستطيع تحسين الأمور لأسرتي. لقد شجعني والداي جداً، وأرادوا لي أن أحظى بحياة أفضل من حياتهم. ستكون سنتي الأولى في الجامعة شاقة للغاية. أنا متأكدة، لأنها حياة مختلفة جداً هناك، لكنني أظن أنها ستكون جيدة بالنسبة لي".

في مراكش الصاخبة، التي تشعر وكأنها كوكب مختلف مقارنة بقرى الجبل، تعلم خديجة أهدوامي، ذات الواحد وعشرين عاماً كيف تشعر زهرة. لقد كانت في نفس الموقف قبل 3 سنوات. لا يوجد لديها ما تندم بشأنه، لكن الطريق لم يكن سهلاً.

تقول خديجة "في الحقيقة لقد رسبت في عامي الأول. كان القدوم إلى مراكش ودراسة كل هذه المواد الجديدة أمراً شاقاً بالنسبة لي، خاصة أنني تعودت فقط على التعلم بالعربية، لكن في الجامعة كل شيء بالفرنسية. كذلك كان عليّ التعود على العيش في المدينة، وهو أمر مختلف للغاية".

بعيداً عن المنزل

لم تكن الصدمة الثقافية هي الشيء الوحيد الذي عانت منه. لقد توفيت والدتها بينما كانت في المدرسة الثانوية، وبعد ذلك بوقت قصير توفي صهرها. "كنت أعاني من بعض المشاكل العائلية، وكان والدي قد تزوج بعد وفاة والدتي. على الرغم من مرور عام ونصف على وفاتها، كانت السنة الأولى هي الأصعب لأنني كنت أعيش بعيداً عن المنزل. مع كل ما كان يحدث، فكرت أنني إذا أنا اجتهدت بشدة في دراستي سأفقد عقلي، لذلك قررت أنه لا بأس أن آخذ الأمور بتمهل، وأعيد عامي الأول".

كانت خديجة واحدة من الفتيات العشر اللاتي ذهبن للعيش في أسني مع منظمة (التعليم من أجل الجميع) عندما فتح أول بنسيون قبل 9 سنوات. وكانت والدتها هي التي أرادت بشدة أن يكون لابنتها نصيب من التعليم لأنها نشأت في الدار البيضاء، حيث من الطبيعي بالنسبة للفتيات أن يذهبن للمدرسة. ولكن كان عليهن أولاً إقناع والدها.

تروي لنا خديجة عن هذه الأيام "وافق والدي أن نذهب لرؤية المكان، ولما رأيناه وجده مناسباً، وأعجب بلطيفة، مديرة المنزل. سألني إن كنت أريد البقاء هناك، وبالطبع وافقت. فالتعليم كان هدفي في الحياة".

خديجة الآن هي الفتاة الأعلى تعليماً ليس في قريتها فقط، بل في الوادي كله. يحترمها الناس في البلدة، فيأتون لأخذ مشورتها في بعض مشاكلهم أو في أمور تخص عائلاتهم وأعمالهم. وهذا يعتبر نوعاً من المسؤولية ملقى على عاتقها.

تقول خديجة "في السنة النهائية لي في المدرسة بدأت أمهد لوالدي أنني ربما ألتحق بالجامعة. كان والداي يثقان بي وأنا كنت أستحق تلك الثقة. في أثناء دراستي مع منظمة (التعليم من أجل الجميع)، تعلمت كيف أتكلم وكيف أنفق مالي وكيف أكون محترمة. تنظر لي الأسر الأخرى حينما تفكر في تعليم بناتها. لذلك، عليّ أن أتصرف بحكمة حتى يعرفوا أن التعليم لا يتسبب في انفلات الفتيات".

تقول ماريك ستروسنيجدر، أحد مؤسسي منظمة (التعليم من أجل الجميع)، "أظن أن الأمر صعب على الفتيات الأوائل لأنهن يعتبرن مثالاً يحتذى، ولكن المواقف تتغير بالتدريج. كانت الأسر الأولى تخاطر، والآن ترجونا الأسر أن نقبل بناتها".

لا تستغرب ستروسنيجدر شعور والدة زهرة بأنها كالطير المهيض الجناح، فالعديد من الأمهات يشعرن بنفس الشعور. ولكنها تقول "لكنهن يمنحن بناتهن أجنحة".

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، يرجى الضغط هنا.

تحميل المزيد