في أحد الأسواق الحرة المهجورة في منطقة كيليبيجا على حدود صربيا مع المجر، تحوي الرفوف الفارغة حالياً ممتلكات اللاجئين والمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل عند تلك الحدود، بينما ترى تلك الخيام الحمراء التي يعيش فيها هؤلاء والمرتبة بشكل سيئ بين خزائن العرض الفارغة ولوحات بيع السجائر.
توصف تلك المخيمات بـ"مخيمات المنقطة المحرمة"؛ لأنها تقع في منطقة خارج حدود سيطرة الجواز الصربي، إلا أنها تقع أيضاً قبل نقطة التفتيش المجرية، ما يجعلها في حالة سيئة للغاية. وفي زيارة موقع "ميدل إيست آي" البريطاني للمنطقة الحدودية، وجدوا أن بعض العائلات تنام بلا خيام تحت مأوى مؤقت صُنع من العصي ويحوي أغطية، في حين يتشارك 200 طالب للجوء 3 دورات مياه وصنبور مياه واحد فقط.
يصل قرابة 100 لاجئ ومهاجر يومياً إلى الحدود الحصينة بين صربيا والمجر والتي تخضع لسيطرة مشددة على طالبي اللجوء، تقودهم في النهاية إما إلى أن ينتهي بهم المطاف في تلك المخيمات المؤقتة، أو إلى عبور الحدود بشكل مخالف بمساعدة شبكات المهربين.
تقول مروة مراد علي، وهي امرأة أيزيدية من مدينة سنجار العراقية: "لا يعجبني الوضع هنا، كل شيء سيئ، ليس لدينا أي شيء، لا طعام، ولا مأوى، الحياة صعبة للغاية".
بصيص من الأمل
وأُغلق طريق البلقان الغربي، الذي مكّن مئات الآلاف من اللاجئين من الوصول إلى شمال أوروبا، في مارس/آذار الماضي، بعدما قامت عدة دول يمر بها اللاجئون بإغلاق حدودها، إلا أن تدفق اللاجئين لم يتوقف بشكل كامل؛ نظراً لقيام الكثيرين بالرحلة ذاتها بشكل غير قانوني.
وأقام أكثر من 400 لاجئ مخيمات في القرى الحدودية مثل كيليبيجا وهورجوس، حيث نصبوا الخيام أمام سياج سميك من الأسلاك الشائكة أقامته الحكومة المجرية العام الماضي. وتسمح السلطات المجرية بمرور قرابة 15 شخصاً يومياً، وهو ما يحفظ بصيص الأمل لدى بعض اللاجئين.
يقول أحد اللاجئين العراقيين ويدعى أحمد: "الشرطة المجرية لديها قائمة بالأسماء ويسمحون بمرور 15 شخصاً من مخيم كيليبيجا يومياً ويتمكنون من دخول المجر. ينتظر الناس لوقت طويل ليقع عليهم الاختيار. الأمر يسير بأولوية الوصول. أنا هنا منذ 15 يوماً".
الصيام صعب
لا يصوم أغلب سكان المخيم خلال شهر رمضان الحالي؛ نظراً لصعوبة الصيام في ظل تلك الظروف القاسية، في حين يقول البعض مثل أحمد إنهم سيصومون بمجرد مغادرة المخيم، حيث يقول: "البعض هنا يصوم ولكن ليس الكثيرين. من الصعب أن تصوم هنا، وإذا كنت على سفر فالقرآن يجيز لك الإفطار وتعويض الصيام عندما تصل إلى مقصدك، وهذا ما أفعله".
تمكن بضع عشرات من اللاجئين أيضاً من إيجاد مأوى لهم في مخيم سوبوتيتسا الذي تديره مفوضية صربيا لشؤون اللاجئين، بينما يؤكد مسؤولون من المفوضية أنهم يخططون لتوسيع مركز اللاجئين.
وطبقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يصل يومياً إلى العاصمة الصربية بلغراد حوالي 400 شخص من بين اللاجئون، وطالبو اللجوء، والمهاجرون، وأن أغلبية الوافدين قادمون من سوريا وأفغانستان وباكستان.
أغلب هؤلاء جاءوا بطريق غير شرعي عبر اليونان ومنها إلى مقدونيا، أو من تركيا وبلغاريا، بعد أن دفعوا آلاف الدولارات للمهربين ليصلوا إلى تلك النقطة.
عند الوصول للعاصمة الصربية، يتم تقسيم هؤلاء الوافدين الجدد على اثنتين من الحدائق المجاورة لمحطة الحافلات التي تعتبر نقطة التقاء اللاجئين والمهاجرين والمهربين. يعد هذا التوقف القصير فرصة لالتقاط الأنفاس والتنسيق وتلقي المساعدة من قبل مجموعات الإغاثة التي توزع الطعام وتقدم لهم المشورة.
من هذه النقطة، يستقل اللاجئون والمهاجرون سيارات أجرة أو حافلات نحو الشمال، في رحلة تستمر 3 ساعات بغرض الوصول إلى مدينة سوبوتيتسا الشمالية، حيث يلتقون بالعاملين في الإغاثة الذين يعطونهم الطعام والبطانيات ويزودونهم ببعض المعلومات الأساسية.
ونظراً لأن المجر لا تقبل سوى إدخال عدد قليل من اللاجئين يومياً، في الوقت الذي تشهد فيه سوبوتيتسا تياراً مستمراً من الوافدين الجدد، ينتهي المطاف بالبعض بدفع بعض المال للمهربين لنقلهم عبر الحدود، أو يحاولون المرور بأنفسهم بشكل غير قانوني، وهو ما ينتهي بعواقب مأساوية في أغلب الأحيان.
منذ أسبوعين، غرق شاب سوري يبلغ من العمر 22 عاماً في نهر تيسا على الحدود مع المجر، حيث يُقال إن الشرطة المجرية أعادت مجموعة من اللاجئين السوريين والعراقيين الذين حاولوا عبور النهر، إلا أن الشاب فُقِد أثناء العودة، وعُثر على جثته بعد ذلك بيومين.
تقول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنها تشعر بالقلق إزاء العدد المتزايد من مزاعم الانتهاكات في المجر بحق طالبي اللجوء والمهاجرين على يد السلطات الحدودية، حيث تقول المفوضية إن هناك المزيد من الأدلة على أن السياسات المشددة التي تتبعها المجر بإدخال من 15 إلى 17 طالب لجوء فقط يومياً تجبر الكثير ممن يصابون باليأس من ذلك الوضع على الوقوع فريسة في يد المهربين، أو على البحث عن بدائل يسلكون من خلالها طرقاً غير معتادة وخطرة في أغلب الأحيان.
"أريد الذهاب إلى ألمانيا"
في حافلة من بلغراد إلى سوبوتيتسا، تحدث موقع "ميدل إيست آي" مع مجموعة مكونة من 10 لاجئين ومهاجرين دخلوا البلاد بشكل غير قانوني.
يقول رزجار كريم أحمد (23 عاماً)، وهو عراقي كردي من مدينة أربيل، إنه لا يصوم حالياً، ويشرح الأمر قائلاً: "لقد وُلدت مسلماً لكني لم أختر ذلك، لقد اختار والداي ذلك. فكرت في الأمر بعد 20 عاماً، ورأيت أن الإسلام ليس الأفضل بالنسبة لي. أنا أحب الأشخاص والأصدقاء الجيدين، وأحب شرب الكحول والاستمتاع. في العراق، الجميع يتدخلون في حياتك، يقولون لك افعل ولا تفعل. أنا أريد الذهاب إلى ألمانيا لأنني أظن أن نمط الحياة هناك جيد، وأنا أريد هذا النمط".
أشار رزجار وصديقه أمير حسين (30 عاماً) من مدينة السليمانية العراقية أيضاً إلى الأوضاع الاقتصادية السيئة في العراق كسبب أساسي لمغادرتهم. يقول أمير: "الحياة في العراق ليست جيدة، لا توجد وظائف. ليس لدينا المال الكافي للجامعة أو للعيش، وليس لدينا المال للزواج أو لشراء سيارة. لا يوجد أمل في العراق".
ويصف رزجار الرحلة بالصعبة والمكلفة، إلا أنه يأمل أن تستحق كل ذلك، حيث يقول: "كانت رحلتي سيئة للغاية، لا يمكنك تخيل مدى السوء. طعام سيئ، وملابس سيئة، والسير بين الغابات والجبال، والنوم في خيام لأغلب الوقت، ولكنني أفعل ذلك أملًا في الحصول على حياة أفضل".
يقول أكثر من ثلث تلك المجموعة إنهم وصلوا إلى جزيرة خيوس اليونانية بعد 20 مارس/آذار الماضي، وهو تاريخ الذي دخل فيه الاتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ، والذي يتم احتجاز الوافدين الجدد في مخيمات مغلقة للاجئين بموجبه.
الهروب من خيوس
يقول هؤلاء الشباب إنهم هربوا من الجزيرة بمساعدة المهربين. هشام لطفي، وهو أحد المسافرين الآخرين من مدينة طهران، قال إنه دفع 1000 يورو ليتمكنوا من الهرب من الجزيرة نحو البر الرئيسي في اليونان من خلال عبارة.
وتمكن رزجار وأصدقاؤه من عبور الحدود المقدونية بشكل غير قانوني، ليواصلوا رحلتهم التي استمرت أسبوعين بين الغابات، بعدما قضوا عدة أشهر في مخيم إيدوميني غير الرسمي للاجئين على حدود اليونان مع مقدونيا، الذي يضم 15 ألف شخص.
وعندما تحركت السلطات اليونانية لإغلاق مخيم إيدوميني في نهاية مايو/أيار الماضي ونقل ساكنيه إلى منشآت تابعة للجيش، وُجِد أن 4000 من بين قاطني المخيم في ذلك الوقت بلغ عددهم 8000 غير موجودين فيه، وقد تردد أن هؤلاء إما اتجهوا للمدن اليونانية، أو تمكنوا من عبور الحدود نحو مقدونيا.
بعد الوصول إلى محطة الحافلات في سوبوتيتسا، ينتظر اللاجئون عدداً من سائقي سيارات الأجرة الذين يعرضون خدماتهم، بالإضافة إلى العاملين في الإغاثة والذين يمنحون اللاجئين حقيبة تحتوي بعض الطعام، والتي تكون أول ما سيأكله الصائمون من بينهم منذ فجر اليوم الماضي. يوجه العاملون في الإغاثة هؤلاء اللاجئين إلى المخيمات الرسمية، إلا أن البعض لديهم فكرتهم الخاصة عن المكان الذي سيتجهون إليه.
يقول أحد العاملين في الإغاثة، الذي رفض نشر اسمه حيث لا يصرح لهم الحديث مع الصحافة: "كل الأمور معدة مسبقاً. يعلمون تحديداً أين يذهبون، فهم عندما يصلون، يحصلون على الطعام، ويتركون سيارات الأجرة ثم يجلسون على الرصيف وينتظرون".
وقالت مجموعة جديدة من الوافدين الأفغان لموقع "ميدل إيست آي" إنهم ينتظرون مكالمة هاتفية من أحد المهربين، الذي سيساعدهم في مواصلة رحلتهم، يقول أحدهم: "هو لا يظهر، لا نراه، فقط نتحدث إليه عبر الهاتف وعندما يحصل على المال يقوم بترتيب كل شيء". وأضاف: "من الصعب السفر بتلك الطريقة، إنها تجعلنا متوترين، نحن لا نعلم شيئاً وكل ما نفعله هو أننا ننتظره فقط".
وواصل الرجل حديثه قائلاً: "نحن فقط مسافرون. لا نعلم أين سننام، أو أين سنذهب. إن شاء الله سنكون في المجر غداً، ولكن الآن علينا الانتظار هنا".
– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.