تماشياً مع الصيحات والحملات التي تندلعُ يومياً على صفحاتِ مواقع التواصل الاجتماعيّ، أفكرُّ جدياً في إطلاق حملةٍ تحت عنوان: "هيا نعيد وأد البنات" وأستهدف بها أولي الأمر في عالمنا العربي والإسلامي!
أريحونا وافعلوها!
بدلاً من أن نسهم يومياً في جلبِ المزيدِ من البائساتِ إلى العالم!
منذ ولادة الفتاة في مجتمعاتنا الشرقيةِ وهي تعاني!
يرون في إنجابها أنثى عبئاً نفسياً ومادياً!
يرونها عورة وناقصة!
يتحكمون في أفعالها ويقيدون حريتها!
يُتَحرَّشُ بها في شوارعهم وتصبح جانيةً لا مجنياً عليها!
والآن تُطلُّ علينا صيحة جديدة، أصبغها أصحابها صبغةً دينيةً، ويفترضون فيها أن الوظيفة الأولى والمهمة الأساسية التي خُلِقَت من أجلها المرأة، هي أن تصبح ربة منزل فقط، ترعى الزوج وتربي الأولاد! وما عدا ذلك من سعي في ضروب الحياةِ طلباً للعلم والعمل فالمرأةُ غيرُ مكلفةٍ به، ولا تؤجرُ عليه!
ويطالبون الفتيات التَّقيَّات بعدم الانسياق وراء كلام النسويات المسترجلاتِ الفاجراتِ! وإلا ستُلَوَّثُ فطرتهن ويُصِبهُنّ هوس الشهرة وتحقيق الذات!
لعلكم عرفتم إذاً لِمَ أتمنى أن نعود إلى وأد الإناث! بدلاً من نربي فتياتنا ونئدَهُنَّ معنوياً، لنفعل ذلك منذ البدايةَ ونريح الجميع!
لا شكَّ لديَّ من أن أصحابَ هذا الطرح قد أصابهم جنون الشهرة الزائفة في عوالمنا الافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي!
لا يمكن أن أتصورَ أن من تبنى هذا الفكرَ يريد نصحنا وصلاحنا!
بالطبع هؤلاء يزعجهم أن بعض النساءِ يزاحمنهم العمل بمهارةٍ وإتقان!
وهذا يصيبهم بالغيرةِ التي تُثير بدواخلهم النزعةَ الشرقيةَ التي نعرفها جميعاً! الرجلُ أولاً وهذا مجالُنا لا مجالُكنّ!
هذا النوع يخافُ الأنثى الذكية المجتهدة الطموحة! هي بالطبع متمردةً!
أنثى كهذه لا تعجبهم؛ لأنها لن تكون يوماً ما صيداً سهلاً وتقع في براثن أحدهم فتقبل بالزواج منه!
ثم من قال لكم إننا معشر النساء نحتاج نصائحكم أيها المتشدقون بنصحنا في الله؟!
من نَصَّبَكُم وكلاء عن الله أو وسطاء بين إمائه وبينه سبحانه؟
هل أوتيتم وحياً جديداً يطلعكم على أن مراد الله في خلقه من نسائه هو أن يصبحن زوجاتٍ وأمهاتٍ وفقط؟! فضلاً عن كونهن غيرَ مأجوراتٍ على سعيهن في ضروب الحياة كما أنهن غيرُ مكلفاتٍ به؟!
إننا معشر النساء نملك عقلاً واعياً بمهامه كاملة ونعرف كيف نُرتب أولوياتنا ولا نحتاج توجيهاً أو تقويماً!
لِتَصُبُّوا شحنة غضبكم هذه، وحنقكم على النساء، في أشياء وأطروحات أخرى -وهي كثيرة جداً- تفيد المجتمع حقاً، ولتتركونا وشأننا!
وإن زعمتم النصح لوجه الله فإنّا نراه نصحاً زائفاً، الله ورسوله منه براء، فلا تجعلوا الدين قالباً لتمرير أفكار هدامة رجعية!
كفوا أيضاً عن سبابنا أيها المتدينون الملتزمون!
لا تلوثوا صورة المسلمِ الملتزمِ في أذهانِ الناس بأخلاقكم هذه!
إنها لإحدى ويلات مواقع التواصل الاجتماعي ووبالها على المجتمع، أن تجدَ مثل هذا الهُراء ينتشرُ كالنارِ في الهشيم، بين مؤيدٍ ومعارضٍ، الجميع ينشرُ، وتنهالُ اللعناتِ من المتربّصين، الذين ينتهزون الفرص ليحسبوا هذا الكلام على ديننا فقط؛ لأن من يكتبه ينتمي إلى تياراتٍ منتسبةٍ إلى الإسلام، وهو منها ومن أفكارها ومعتقداتها براء!
يطالع المرءُ منا -ممن له معارف من غير المسلمين- حساباته الإلكترونية ليجدَ نفسه مضطراً لدفعِ تُهمٍ كهذه عن دينه وتبرئته منها!
تضع نفسكَ مكان من يقرأُ، لتجد أنك تتساءلُ نفس الأسئلة!
ما الذي تجنيه الفتاة في حق نفسها وحق المجتمع عندما تتعلم وتشغل أرفع المناصب؟
ثم هل تُعَدُّ آثمةً حقاً؟!
الحمد لله على وجودِ إله لهذا الكون من رحمته أنه هو من سيحاسبنا وليس البشر!
لنتركَ الجانبَ الديني قليلاً، ونفكر من الناحية المجتمعية، هل حجبُ النساء عن العمل والتعلم يفيدُ المجتمعَ حقاً؟ كيف ستربي النشء إذاً؟
أم أنكم تريدوننا أن نرجعَ أدراجنا إلى العصورِ الوسطى؟، وتعودون بالمرأة إلى كونها أداة للمتعةِ والإنجابِ فقط؟! مجرد تابعٍ للرجل!
إنه لمن العجيب فعلاً أننا نناقش هذه التساؤلات البديهية في السنة السادسة عشرة بعد الألفية الثانية، ثم نتساءلُ بجدية لماذا نقبعُ في ذيلِ الأمم؟!
والأعجبُ أن نرى من بين الفتيات من تؤيدُ هذه الآراء، فإن كنتِ أنتِ عزيزتي ترين أن الله خلقكِ لهذا الغرض فقط، وأن هذا وحده ما تؤجرين عليه في الآخرة، فلمَ نلومُ من يرى ذلك من جنس الرجال؟!
أأسفُ على هذه النظرة التشاؤمية، لكن لا أملَ ولا حل مع هؤلاء، ولن يجدي أن ندخل في نقاشات حول تبرئة الدين من تلك الافتراءات مع عقول كهذه تستنبط من الأدلة والنصوص الشرعيةَ أحكاماً لم ينزل الله بها من سلطان! إنهم يجيدون الجدل ويتقنونه!
اللهم إلا التحزب!
أن ننشئ لهم مجتمعاً منفرداً يغلق عليهم جميعاً -رجالهم ونساءهم- لنكف عن أنفسنا وعن مجتمعنا شر العدوى من أفكارهم!
ونرتاح نحن -المسترجلاتِ- من شرورهم!
وننخرط في بناء مجتمعاتنا، وتربية جيلٍ ينبض بالأمل والعلم فتيانه وفتياته على حد سواء!
وفي الآخرةِ نلتقي؛ لنرى أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندِيّاً!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.