يحرص اليمنيون كل عام على استقبال شهر رمضان بمظاهر الفرح والبهجة والسرور والسعادة للتعبير عن فرحتهم بقدوم شهر رمضان المُبارك، وتعتبر زينة رمضان في المدن والقرى من أهمّ مظاهر هذا التعبير عن هذا الفرح بحلول شهر الرحمة والصوم والمغفرة والعتق من النيران، فترى الناس يزورون الأسواق ويأخذون احتياجاتهم ويتفقدون أحوال الضعفاء ويقومون بدعم الأسر الفقيرة، يحصل هذا في القرى والمدن والأرياف.
اليمنيون معروفون بالكرم والسخاء وطيبة النفس والقلوب الرحيمة كما يقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: "أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوباً، وأرَقّ أفئدة"، لكن، هذا العام يهلُّ علينا شهر رمضان الكريم واليمن ما زال جسده مُثّخناً بِالجراح بسبب الحروب والاقتتال الداخلي والحصار الخارجي.
يبدو أنّ رمضان هذا العام سيكون امتداداً لمعاناة الشعب اليمني المستمرة، فمؤشرات الوصول إلى تسوية سياسية ما زالت غير واضحة حتى كتابة هذه السطور، نقولها وقلوبنا مملوءة بالغبن، للأسف يهلُّ علينا شهر رمضان وبلدنا اليمن السعيد يعيش أسوأ مراحل تاريخه الحديث، وحالته يُرثى لها فلا كهرباء ولا ماء ولا خدمات صحية، وغلاء السلع الرمضانية مُنتشر بصورة تفوق الخيال.
أصبحت الأُسر التي كانت تُعدّ من ذوي الدخل المتوسط من الأسر الفقيرة، والفقر والمرض ينتشران في كل أنحاء البلاد وأصبح المواطن الضعيف لا يستطيع الحصول على غذاء طبيعي وصحي، هناك أسر تقتات خبزاً ناشفاً، وهناك أسر تقتات من مخلفات المطاعم، وإذا كانت الحكومة اليمنية أكدت في العام 2013 أنّ مسوحات رسمية شاملة أظهرت أن نسبة الفقر في اليمن تبلغ نحو 34 بالمائة، وذلك خلافاً لإحصائيات متضاربة تصدر عن منظمات دولية بين وقت وآخر، فإنّ نسبة الفقر اليوم وصلت إلى أعلى المستويات ووصل الفقر إلى الأسر المتوسطة والغنية على حدِ سواء، فالكل أصبحوا فقراء بسبب الحرب الأهلية التي أكلت الأخضرَ واليابسَ.
تحدثت التقارير الدولية مُؤخراً أنّ حوالي 2.5 مليون يمني شردوا داخلياً ويعاني الفقراء القدر الأكبر بسبب الصراع الدائر فهناك 82% من سكان الجمهورية بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، كما يواجه 14 مليون يمني نقصاً مزمناً في الأمن الغذائي، كما أكدت التقارير أن أكثر من 19 مليون يمني يواجهون صعوبة في الحصول على المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي، للأسف أصبح الشعب اليمني هو الضحية وهو من يُعاني ويتألم ويتجرّع كأس المرارة بسبب هذه الحروب العبثية، هذا الشعب الطيب المُسالم الصبور الحرّ الشّهم يستحق حياة كريمة، يستحق أنّ يعيش في أمن وسلام مثل باقي شعوب الأرض.
اليمن السعيد في رمضان الحزين، سيستقبل أبناء الشعب اليمني رمضان المبارك هذا العام وقلوبهم مملوءة بالحزن والحسرة والقهر على بلدهم، فالحالة التي وصلوا إليها اليوم لا يرضى بها أيّ إنسان يحمل في قلبه ذرة من وطنية ودين وأخلاق.
كيف سيواجه أبناء محافظة "الحديدة" شهر رمضان والحرّ يلسع جلودهم والمرض ينهك أجسادهم والفقر يطاردهم.
أمّا أبناء محافظة "تعز" فهم يعيشون مأساة القرن الواحد والعشرين، أمّا أهلنا في محافظة "صعدة" فقد شردتهم الحروب منذُ سنوات، وأصبحت مدينة صعدة اليوم مدينة أشباح بعد أنّ كانت جنة خضراء، فعلى أرضها كان يُزرع الرمان والعنب والفواكه بشتى أنواعها، تحولت هذه المدينة المنكوبة إلى مدينة خالية ولا يسكن فيها سِوى من يحب أنّ يموت على أرضها بدلاً من الهروب من وحوش الموت والقذائف التي تتساقط عليه من كل مكان.
أمّا "صنعاء" الحضارة والتاريخ فقد أصبحت مثل الطفلة اليتيمة التي لا بواكي لها، هذه المدينة التاريخية تعيش في ظلام دامس ولا أحد يتألم لجراحها سِوى من يسكن على أرضها الطاهرة، أمّا عاصمة اليمن الاقتصادية "عدن" ثغر اليمن الباسم فهي ترزح تحت نير حركات مسلحة فهناك صراع دموي وتفجيرات وحركات إرهابية دمرت كل جميل.
لقد علق اليمنيون الآمال على مؤتمر الكويت مُنذُ اللحظة الأولى، وما زال الغالبية العُظمى من الشعب اليمني يعلقون آمالهم بعد الله على هذا المؤتمر، نبتهل إلى المولى سبحانه وتعالى بأن ييسر للمتحاورين سُبل النجاح لإنقاذ شعب اليمن السعيد من ويلات الخراب والدمار والحروب الأهلية التي أكلت الأخضر واليابس.
المتحاورون يجب أنّ يقدموا التنازلات من أجل مستقبل 26 مليون يمني، فالمواطن اليمني اليوم يبحث عن السلام وليس لديه أي خيار آخر سِوى السلام؛ كي يبني ما دمرته الحرب ويخرج من كبوته، وحتماً سيخرج من محنته بإذن الله.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.