مسرات صغيرة

لن ينتهي القبح من الدنيا أو يختفي، ليس بإمكاننا أن نمحوه من الحياة، ولن نغفل عنه فهو يفرض نفسه علينا في كل ما حولنا. أمامنا خياران؛ أن نستسلم له ونكون مجرد خسارة إضافية من ضمن خسائره، أو نتمسك بالأمل، ونحاول الحفاظ على أرواحنا، لنكمل الطريق.

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/10 الساعة 01:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/10 الساعة 01:10 بتوقيت غرينتش

في علم النفس الإيجابي Positive Psychology ينصحون بأن نبحث عن لحظات السعادة، أن ننتبه لها، أن نحياها، أن نتلمس جوانبها لتبقى في ذاكرتنا تعيننا على مصاعب الحياة.

فيما يتعلق بالحزن يمتلك الإنسان ذاكرة حديدية، تُحفر فيها لحظات الألم كما يحفر على الحجر، فتبقى إلى الأبد لا ينساها، وتؤلمه كلما استدعاها كما آلمته وقت وقوعها.

أما فيما يتعلق بلحظات السعادة فذاكرتنا "تيفال" لا يلتصق بها شيء.. نمر على ما يسعدنا مرور الكرام نسعد به لحظياً ثم سرعان ما ننساه، مع أن الخير كل الخير أن نفعل العكس!

السعادة ليست حلماً بعيد المنال، بل على العكس هي حاضرة في كل تفاصيل الحياة اليومية الصغيرة، لكننا لا نلتفت لها، لا نسميها باسمها، لا نتوقف أمامها ونتأملها، فننساها، ونستسلم لوهم أن الحياة كئيبة وبائسة.

للسعادة لحظات كثيرة تستحق أن نقف عندها ونشكر من وهبها لنا، أن نتأملها بما يكفي لتحفر مكاناً في ذكرياتنا.

هي لحظة هبوط الطائرة ببلاد يقطنها من تحبهم.
هي ابتسامة ترحيب من غريب في طريق موحش.
هي جلسة تجمعك بالأهل والأحباب بعد طول غياب.
هي قُبلة مفاجأة من طفلك بلا مقدمات.

هي أن يتذكرك عزيز في مناسبة تخصك وحدك.
هي أن تبتسم وأنت تجلس وحيداً لذكرى عابرة مرت بخيالك.
هي أن يفعل أحدهم كل ما في وسعه لتبتسم.
هي أن تفتقد شخصاً فتفاجئك مكالمة منه.
هي كف تسندك في لحظة تعثر قدمك المفاجئ.
هي يد تمس جبينك لتطمئن عليك في المرض.
هي أن تنام ملء جفونك بعد ليالٍ متوالية من الأرق.
هي أن تتعافى من وعكة علمتك كم أنت ضعيف!
هي كوب ماء مثلج بعد عطش شديد.
هي طعم ثمرة قطفتها لتوّك من غصنها.
هي مشهد زوجين في أواخر العمر يتكئ أحدهما على الآخر في الطريق.
هي ابتسامة فقير ساعدته بكرم فاق توقعه.
هي زفرة راحة تطلقها في نهاية يوم أنت راضٍ فيه عن نفسك.
هي روعة النجوم والقمر في ليلة سمائها صافية.
هي صوت الأمواج في الفجر على شاطئ خالٍ.
هي رائحة المطر وبهجة ألوان قوس قزح في سماء صفت بعد المطر.
هي ملمس الحشائش الرطبة تحت أقدامك العارية في صباح بارد.
هي مراقبة الفراشات في صباح يلونه الهدوء.
هي عبير الياسمين الذي يباغتك فجأة ولا تدري من أين أتى؟!!

لن ينتهي القبح من الدنيا أو يختفي، ليس بإمكاننا أن نمحوه من الحياة، ولن نغفل عنه فهو يفرض نفسه علينا في كل ما حولنا.
أمامنا خياران؛ أن نستسلم له ونكون مجرد خسارة إضافية من ضمن خسائره، أو نتمسك بالأمل، ونحاول الحفاظ على أرواحنا، لنكمل الطريق.
انتبهوا لمسرات الحياة الصغيرة العابرة قبل الكبيرة، اكتبوها بوضوح في حنايا الذاكرة، فهي زاد الطريق، لا تجحدوا نعمة الله وتنكروها، ورمضان كريم!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد