الحقيقة الصادمة التي توصلتُ إليها مؤخراً هى أنني لم أعد أشعر ببهجة رمضان مثل كل عام سابق أو حينما كنتُ طفلة.
يخبو سنا فرحة ذلك الشهر المبارك؛ ربما لفقدان الأقربين لقلبي من على مائدة الإفطار، أو لأنني لم أعد منبهرة بالإعلانات الرمضانية التي كانت تستقطبني منذ الصغر وباتت تصيبني بالضجر عند الكبر؛ نظراً لكثرتها ولتناقضها، فتارة تجد إعلانات استجداء التبرعات وتارة تجد الإعلان التالي لشقة أو فيلا في أحد التجمعات الخاصة بطبقة الأثرياء فقط في حالة من الازدواجية المصرية في الحياة والمعيشة!
ربما لم يعد يبهجني الأمر؛ لأن كل من حولي يشكون غلاء الأسعار خلال رمضان ويشعرون بالضيق لعدم توافر السلع الأساسية بمصر الحبيبة، بلد المليون فقير حالياً، ربما لأنني آكل وأفطر بينما غيري قد لا يجد مثل هذا الإفطار أو ذلك الأمان الاجتماعي، ربما بت أشعر بالزيف للاهتمام المبالغ به في تصوير موائد الطعام في البيوت أو في المطاعم تعبيراً عن الفرحة الزائفة أيضاً لمجرد كتابة instaRamadan للحصول على بعض "likes" أو التعليقات، الحقيقة أن الفانوس نفسه لم يسلم من تصويره حتى التهنئة برمضان فقدت رونق الاتصال الهاتفي الحميمي الذي تجريه لتهنئة الأقارب والأصدقاء.
أذكر وأنا في العاشرة من عمري أننا كنا ننتظر استطلاع الهلال ثم نبدأ عقب الإعلان عن غُرة رمضان بخمس دقائق في الاتصال بأقاربنا وأصدقائنا وأسر أصدقائنا، كنا ننتظر الخطوط الأرضية المشغولة ولا يصيبنا سأم.. كنا نتلهف لأن تلف سماعة الهاتف علينا فرداً فرداً لتهنئة بعضنا، أما اليوم فالكل منشغل في إرسال التهاني عبر مواقع التواصل أو عبر الـ"واتس أب".. الزمن قد تغير أو ربما الناس هم من تغيروا ويلصقون التهمة بهذا الزمن.
كانت جدتي تنسق مع أقرانها وأقاربنا مواعيد "العزومات والموائد الخاصة" هم يأتون إلينا ونحن نذهب إليهم، اليوم رحل مَن رحل وبقي مَن بقي وعلى رأي جدتي "الصحة لم تعد كالسابق"، ولم يعد أحد يهتم بإعداد تلك الموائد؛ نظراً لارتفاع التكلفة، وحتى إن اهتم فإنه غالباً يطلب من أحد المطاعم إعدادها؛ لأن "الصحة لم تعد كالسابق لتحمل مشاق الطهي لعدد أكبر من فردين".
أتعجب من حالي فعندما كنتُ أصغر بعامين أو أكثر كنتُ أشعر بالغبطة لشراء فانوس رمضان، أما الآن لا أهتم بشرائه لنفسي بقدر اهتمامي بشرائه لغيري، لعله يجلب لهم السرور الذي فقدت مذاقه أيضاً.
حتى الجيران لم يعد الأمر معهم كالسابق، كانوا يتشاركون مع جدتي الأطباق مختلفة الأصناف ومتنوعة المذاقات، لم يعد الأمر كذلك الآن، لا أدري لمَ قد تغيروا؟ أين حلواهم وأين التباهي والتباري بين من يطهو بصورة أفضل في رمضان؟؟ لم تعد المنافسة تغريهم ربما!
أطفال شارعنا لم يهتموا بتعليق زينة رمضان أو الفانوس العملاق الذي يضيء ذلك الشارع رغم أنني اعتدت منذ الصغر أن أشاهد المراهقين بالشارع الذي أقطن به ببيت جدتي وهم يطرقون الأبواب قبيل بداية رمضان بيومين أو ثلاثة؛ لتجميع المال اللازم من سكان العمارة لشراء الزينة والفانوس، لم يعودوا يفعلون ذلك، ربما لأن المراهقين الآن قد تغيرت أولوياتهم فلم يعودوا يهتمون بالعودة للمنزل في رمضان بقدر ما يقضون الوقت مع أصحابهم على المقاهي والكافيهات.
حتى أبناء جيلي؛ قد لا يقضي الكثير منهم رمضانهم مع أسرهم على الإفطار؛ نظراً لظروف العمل المجحفة أحياناً أو دائماً، وربما لحسن حظي أن وظيفتي تتيح لي إجازة صيفية برمضان، ولكن إن أتى رمضان في غير الصيف فقد أندب حظي مثل أصدقائي أو ربما قد لا أشعر بالضيق لأني اعتدت على فكرة عملي الذي جعلني أقضي عاماً كاملاً أفوت على نفسي تناول الغداء مع أسرتي بدعوى أهمية العمل!
اركب مترو الأنفاق أو التاكسي.. أستمع لقصص الناس، الجميع لم يعد يفرق معه شهر رمضان سوى في الصلاة وأداء المناسك، إن أداها، اليوم بات رمضان مثله مثل أي شهر غير مميز نسبياً، بل إن كثيراً من الأسر المصرية باتت تخشاه؛ نظراً للاضطرار للطهي وإعداد مائدة الإفطار يومياً، وكما تعرفون الضائقات المالية في مصر حالياً مع ارتفاع وتضخم أسعار كل شيء وانخفاض قيمة البشر وحالات الانكماش الاقتصادي سببت حالة من الخوف لدى الناس، حتى إنني سمعت أحدهم يقول: "يا ريت ربنا يرحمنا في رمضان بإنه ياخدنا من البلد دي ويبقى العيد عنده في الجنة".
وسمعت إحداهن تقول: "هييجي يوم على الناس رمضان هييجي والناس مش هتحس بيه نهائياً ولا كأنه شهر صَفر".
لا أعلم ما الذي تغير تحديداً وأطفأ بداخلنا بهجة هذا الشهر المعظم؟ هل لأننا نهتم بالماديات على حساب الروحانيات؟ هل لأننا نضجنا مبكراً؟ هل لأن الحالة في مصر مزاجياً واجتماعياً وسياسياً لا تنذر بأي خير؟
تخيلوا أنني أنظر لتعليقات الناس وما ينشرونه على مواقع التواصل وأشعر بالتزييف والمبالغة في الشعور بالبهجة برمضان، أشعر بأنهم يتجملون لأجل مجاراة منشورات الآخرين، لا أشعر بأنهم سعداء حقاً برمضان ولو واتتني الفرصة لأقفز عبر الشاشة سوف أجدهم يتنقلون بين قنوات التليفزيون بكل رتابة، لا يفعلون شيئاً سوى مراقبة تعليقات ومنشورات بعضهم وكلهم يصطنعون الشعور بالبهجة التي يفتقدونها في الواقع.
ورمضانك أحلى مع تمثيلية "في بيتنا رمضان".
رغم أنك تعلم أن رمضان قد أتى، ولكن فرحته رحلت عن قلبك منذ أن تخطيت العاشرة!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.