تعصف بالعالم حروب وفوضى ومظاهر إرهاب وعنف شتى، لكن لكل شيء ثمن وكلفة، وقد بلغت تكلفة الحروب والإرهاب عام 2015 مبلغاً فلكياً يقارب 13.6 تريليون دولار، وفق تقديرات المؤشر العالمي السنوي للسلام.
وبحسب صحيفة الغارديان البريطانية، فقد تولى مؤشر السلام عام 2016 مهمة النظر في شؤون 163 بلداً وتفحص حالتها السلمية السياسية، فكانت النتيجة أن احتل "قاع" القائمة سوريا متبوعة بجنوب السودان فالعراق فأفغانستان ومن ثم الصومال.
أما من الجهة الأخرى فتصدرت رأس القائمة الدول الأكثر سِلماً ألا وهي آيسلندا أولاً فالدنمارك والنمسا ونيوزيلندا فالبرتغال.
وقد لاحظ المؤشر أن مستويات السلام تحسنت في 81 دولة فيما تدهورت من جهة أخرى في 79 دولة أخرى، ما يعني إجمالاً أن مستوى السلام هذا العام قد تقهقر بمعدل أسرع من العام الماضي (2015).
وجاءت في مقدمة أسباب عدم الاستقرار عوامل الإرهاب والفوضى السياسية وتفاقم وضع الحروب مع استمرارها في دول كسوريا وأوكرانيا وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا.
أرقام قياسية في القتل
وبرز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مرة أخرى أقل مناطق العالم أمناً، فـ3 من أسوأ 5 حالات ترَدّى فيها السلام كانت بين دول المنطقة (اليمن وليبيا والبحرين).
وجدير بالذكر أن شدة الحروب والعنف التي تجتاح موجتها المنطقة على درجة من السوء بحيث لو استثنيناها من حسابات مؤشر السلام العالمية لوجدنا أن السلام في بقية دول العالم قد ارتفع وتحسن.
وجاء في التقرير "إن تردي أوضاع السلام منقطع النظير الذي حصل خلال الـ10 سنوات الماضية مردّه بشكل كبير إلى تفاقم الصراعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كذلك الإرهاب على أشده على الدوام، فمعدلات قتلى المعارك الناجمة عن الصراع قد بلغت مستوى قياسياً في الـ25 عاماً الماضية، وأما أعداد اللاجئين والنازحين فبلغت معدلات لم نشهدها منذ 60 عاماً".
"ويُلحَظُ أن مصادر هذه الديناميات الثلاثة متداخلة وتنبع من عدد صغير من الدول، ما يبرهن على التداعيات العالمية لتعطّل السلام".
المؤشر يصدر عن معهد الدراسات الاقتصادية والسلام IEP الذي أسسه مديره التنفيذي ستيف كيليليا والذي قال أن تبعات صراعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تمتد ما وراء حدوده بلدان تلك المنطقة لتشعر بقية العالم بوخزها.
وقال كيليليا أيضاً: "مع استمرار وتفاقم الصراعات الداخلية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يزداد احتمال نشوب الحروب بالوكالة بين الدول وبعضها بعضاً".
وقد تجلت نتائج العنف في أعداد اللاجئين والمشردين داخلياً، فمع بداية 2015 ضربت الأعداد رقماً قياسياً قوامه 59.5 مليون شخص (أي شخص واحد من بين كل 122 شخصاً على الأرض) يتوزعون ما بين لاجئ ومشرد أو طالب لجوء.
60 % من السوريين مشردون
وجاء في المؤشر أن 9 دول قد تشرد أكثر من 10% من سكانها، ففي جنوب السودان والصومال بلغ تعداد الفارين من منازلهم حوالي 20% من السكان، أما في سوريا فالنسبة تفوق 60%.
ويلحظ التقرير أنه على الرغم من تركز معظم أنشطة الإرهاب العالمي في 5 دول، هي سوريا والعراق ونيجيريا وأفغانستان وباكستان، إلا أن التداعيات العالمية تتزايد بشكل مطّرد.
يقول التقرير: "ازداد تعداد الوفيات بفعل الإرهاب بمقدار 80% عن تقرير العام الماضي 2015، واستثنيت 69 دولة فقط لم تسجل فيها حوادث إرهابية. وكذلك ازدادت حدة الإرهاب، فقد ازداد بمعدل أكثر من الضعف عددُ الدول التي سقط فيها أكثر من 500 قتيل بفعل الهجمات الإرهابية، من 5 دول إلى 11".
منطقة جنوب آسيا جاءت ثاني أقل منطقة أمناً في العالم بعد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فقد سجل تدهور في دول أفغانستان ونيبال وبنغلاديش والهند، مع تحسّن طفيف في بوتان وسريلانكا وباكستان.
إفريقيا تتحسّن ولكن
أما المشهد في دول جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية فمختلط، إذ رغم أن دول تشاد وموريتانيا والنيجر جميعها تحسّنت علاقاتها من دول الجوار إلا أن تصاعد العنف جنوب السودان ونشاط المجموعات الإرهابية "الإسلامية" من مثل بوكو حرام قد أضر بمساعي السلام والاستقرار في المنطقة.
كم بلغت خسائر كل هذه الحروب والصراعات؟ أرقاماً فلكية، فمعهد الدراسات الاقتصادية والسلام قدر تكلفة العنف العام الماضي بـ13.6 تريليون دولار، أي ما يعادل 13.3% من الناتج العالمي الإجمالي (أو ما يعادل 1876 دولاراً لكل شخص)، كما أنه يساوي 11 ضعفاً للمبالغ المنفقة في الاستثمار الأجنبي المباشر.
وفي تقديرات الأمم المتحدة أنها ستنفق 8 مليارات دولار على عمليات حفظ السلام هذا العام، أي أكثر من عام 2015 بمقدار 17%، لكن كيليليا يرى أن المبالغ المنفقة على إعادة الإعمار وحفظ السلام قليلة بالمقارنة مع الآثار الاقتصادية للعنف، وأن هذا المبلغ لا يناهز سوى 2% من إجمالي الخسائر العالمية الناجمة عن الصراع المسلح.
"إن معالجة التفاوت العالمي في نسب السلام وتحقيق انخفاض مقداره 10% في آثار العنف الاقتصادية من شأنه أن يعود علينا بعائدات سلام قدرها 1.36 تريليون دولار، أي ما يعادل حجم صادرات الغذاء العالمية تقريباً".
وبالإضافة إلى دعوة المجتمع الدولي إلى تعزيز السلام فقد شدد التقرير على ضرورة مراقبة السلام من خلال الهدف التنموي المستدام الـ16 لبرنامج التنمية الأممي الذي ينص على بناء مجتمعات شاملة مسالمة وعادلة.
ويختم تقرير المؤشر بالقول: "إن تطوير الدول للطاقات الاستيعابية اللازمة لقياس الهدف الـ16 أمرٌ سيستغرق وقتاً وكثيراً من الاستثمار".
وكان أول تقرير صدر عن المؤشر في عام 2008، حيث يصنف دول العالم سلمياً بناءً على درجة الأمن والأمان فيها مع درجة تورّطها في صراعات داخلية أو خارجية، ودرجة الاستنفار العسكري فيها.
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.