عندما تجرَّد الإنسان من إنسانيته وتحول لوحش كاسر يقتل ويسفك الدماء ويأكل الأمعاء، تجند المهووسون بالتقتيل والتنكيل والقطع والسلخ لاختراع أعقد أنواع وأشكال وطرق التنكيل بأعدائهم وأحياناً بأصدقائهم، فاخترعوا الخازوق وجعلوا المهرطق أو العدو أو أي شخص آخر شكوا في خيانته، يجلس فوق عمود مدبب الرأس؛ ليدخل من دبره ويخرج من فمه، وقد اخترق جسده طولاً، فيدوم موته ساعات طويلة وأحيانا أياماً، ويعتبر أشهر من أعدم بهذه الطريقة المتوحشة الطالب السوري سليمان الحلبي حين اغتال قائداً من قادة الاستعمار.
اخترعوا أيضاً ما سموه بالثور النحاسي، وهو ثور يوضع داخله الزنديق أو غيره ويُحمى عليه داخله ليذوب جلده ولحمه، وتحمل بعد ذلك عظامه لتصير عبارة عن حلي يتزين بها الناس، أيضاً كان السلخ حياً شكلاً من أشكال الإعدام، ويُروى أن هيباتا المصرية عالمة الرياضيات والفيلسوفة التي حوكمت بتهمة الهرطقة والسحر والإلحاد، فتم سلخ جلدها عن جسدها حتى فارقت الحياة.
توالت الحقب وما زال الإنسان يخوض حروباً ضارية ضد إنسانيته، مروراً بقادة عرب الذين نكلوا بكل من رفض الانصياع لهم، والصليبيين الذي نصبوا أنفسهم خلفاء المسيح فقتلوا وصلبوا وقطعوا وسحلوا.. واستمر الكائن البشري على هذه الحال كلما سنحت له الفرصة في شوي الناس في أفران عملاقة كمجنون ألمانيا، وحرق مدن بكاملها برجالها ونسائها وأطفالها مثلما فعل نيرون روما، وهو ينتشي بمنظر الحريق ويغني أشعار هوميروس، فخلفهم خلف لم يخونوا العهد، فلم يتوانَ الإنسان الحديث عن التمثيل بعدوه ذبحاً وتقطيعاً، عاث الروس في الشيشان إعداماً وتشويهاً وحرقاً، وجاء الأميركيون ليكملوا المسيرة الدموية الشاهدة على وحشية الإنسان، فدمروا بغداد وجعلوا أهلها فئران تجارب داخل سجونهم الكريهة، ففجروا مكبوتاتهم وحيوانيتهم في أجساد صبية لم يتجاوزوا العشرين، وحمل الإسرائيليون راية الجريمة الكاملة، وحازوا نوبل الدموية فذبحوا كل من سولت له نفسه أن يقف أمام دبابة مجند قادم من المجهول لا وطن له ولا حضارة، مرتزقة العصر الحديث.
حتى وصلنا لمن جعل من شعبه وأهله وسيلة للضغط على العالم، فدمر مدنه وحرق أهله ومزق شامه وتربع فوق جماجم لم تسعها الأرض فدفنت في البحر.
والمبكي المضحك أنك كلما راجعت سيرة دموية وجدت الأسباب الذي خاض السفاكون من أجلها جنونهم وكبتهم متقاربة متشابهة، فمن جعل هدفه من كل تلك الدماء رفع كلمة الله عالياً، ومحاربة المهرطقين والزنادقة، من توارى خلف رواية مكافحة الإرهاب، ومن تمادى ليجعل من جنونه سبباً في تحقيق العدالة.
وهل يحتاج منا الله كل هذه الدماء ليكون راضياً؟! وهل تتطلب العدالة كل هذه المجازر وكل هذا الإبداع في التقتيل والخوزقة؟!
غريزة الحيوان الكامنة داخل كل شخص تميل للعنف، فبحسب عالم النفس الكبير سيجموند فرويد كل قوة تعادل العنف، والإنسان يميل لتحقيق رغباته بالعنف ما لم يوجد لديه كوابح يتعلمها من محيطه الأسري خلال مرحلة الطفولة، فالإنسان القوي يفرض رأيه ويحوله لقانون لا بد أن يطاع ويعاقب كل من يخل به بعنف صارخ، وهنا تكمن مكانة التربية الإنسانية، ويتجلى دور الأسرة في إنتاج إنسان يحكم عقلُه غريزَته ويسطر إيمانه على حيوانيته.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.