علمني مهاجر

سترى الإنسانية لكن في وجهها غير النقي، فقيمتك محظ تجارة لدى الكثيرين، تحظر مرة وتغيب مرة إنسانية العالم... وليس ذلك هو المهم، فالمهم أن تكتمل الصفقة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/07 الساعة 05:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/07 الساعة 05:43 بتوقيت غرينتش

لا يولد الجميع محظوظين في عائلات تملك المال الكافي لتوفير الحياة الكريمة، بل يمكن أن نقول إن من وُلد في عائلة تملك قوت يومها هو من القلائل المحظوظين في هذا العالم، أن تقضي ليلتك في راحة وأمن من الخوف والجوع دون صوت الرصاص والتفجيرات، أو حتى دون صوت بكاء أبنائك الذين يبكون جوعاً، تلك هي الأمنية الوحيدة للكثيرين… حلم يتمنونه ويسعون لتحقيقه.

وفي سبيله يضحون بالكثير، ولو اقتضى الأمر التضحية بأنفسهم، فهم يفضلون الموت في طريق قد يوصل إلى الحلم على الجلوس مكبلين في دوامة الكوابيس.

يخرجون من منازلهم، يقفون للحظة يمعنون النظر في منازلهم وأحيائهم التي وُلدوا فيها، قد يحضرون أهلهم معهم أو قد يودعونهم مع من يودعون من الأصدقاء.
ينطلقون في رحلة الموت يقطعون الصحاري القاحلة، يجتازون المسلحين أو قد يدفعون لهم فقط؛ ليتركوهم على قيد الحياة، ويسمحوا لهم بالاستمرار في السير في طريق قد يوصلهم أيضاً إلى الموت، وفي أماكن أخرى ربما يركبون قوارب الموت نحو الحلم الكبير.

أوروبا التي أصبح البحر بيننا وبينها مملوءاً بجثث الحالمين الذين غرقوا مع أحلامهم في قاع البحار.
تلك القوارب وذلك البحر الذي لا يفرق بين الراكبين أو الغارقين، فهناك تختفي الجنسيات والأنواع، ويشترك الجميع في القوارب التي تحمل الجميع إلى الضفة الأخرى أو تأخذهم إلى قاع البحر، يشترك الجميع في عنوان القصة.
البحث عن الأمن من الخوف والجوع، والانطلاق نحو الحلم… لعل شمس الغد تشرق عليهم وهم في شواطئ أحفاد الروم أو الإغريق.
وفي رحلتهم هذه سيعلمك المهاجر الكثير من الأمور كما علمني:
علمني ذلك المهاجر الإفريقي الذي أراه دائماً في المسجد أن السعادة لا تعني المال… لا تعني فقط الفرح، أن السعادة تكمن في الرضا بما قدره الله، وأنك سترضى إذا عرفت الله وحافظت على اتصالك به… أتى من بلد بعيد يدعى بوركينافاسو ليعلمني أن الابتسامة مفتاح القلوب، وأن أجمل الابتسامات ابتسامة من عرف السكينة في الرضا بما قسم الله.

نشر البعض مقطع فيدو يظهر به مهاجر أفريقي يعمل في الصحراء، امتحنه بعض الأشخاص في أمانته؛ ليأخذوا منه شاة بمبلغ زهيد يضعه في جيبه دون أن يراه أحد، فعلمهم أن الأمانة كنز ثمين، فرد المهاجر: " ومن ينجيني من الله الذي يعلم السر والجهر"، أبى المهاجر أن يبيع نفسه أو أمانته، لم يكن مثل الكثير من المسؤولين الذين باعوا أنفسهم فأوصلوا المهاجر وغيره إلى طريق الهجرة.

علمني المهاجرون الأفارقة الذين أراهم كل صباح باكر أن اللقمة الحلال تحتاج إلى من يعمل من أجلها، من يستيقظ باكراً ليحصل عليها، من لا يعملون كيف هو العيش مع كثرة النوم والكسل أو الاتكال على الغير، فيستيقظ المهاجر كل يوم ليعمل بعرق جبينه في أي شيء يمكنه أن يعمله، قد تهان كرامته أو يتطاول عليه من خسر إنسانيته، لكنه وعلى الرغم من ذلك يعمل ويبتسم؛ لأنه وعد والدته في تشاد أو النيجر بأنه سيرسل إليها المال الذي تحتاج لتستنشق الهواء وتعيش يوماً آخر.

ذاع خبر غرق مهاجر من سوريا، هرب من قسوة الأسد وحربه، مضى على خبر غرقه عامان لكنهم لم يجدوا جثة له..
هناك أمل ضئيل جداً، لكن والدته لا تهنأ وتتمسك بأي أمل، فتسأل وتسأل عن ولدها، رغم ما يعتصر قلبها من آلام، لم تكن الأم تتخيل يوماً أنها ستسأل أحداً لتتأكد من غرق ولدها من عدمه، حلمت الأم بولدها كل ليلة، ابتسمت في حلمها تسمع صوت الهاتف، فإذا بابنها يتصل من ألمانيا ليخبرها أنه بخير، لكنها تستيقظ على صوت الحقيقة.. فتتذكر أن ولدها قد مات.

بشار لا يزال مستمراً في حربه، والكثيرون خرجوا من سوريا؛ ليركبوا أي طريق آخر لا يظلون فيه معلقين بين الموت والحياة؛ ليلحقوا بنفس الطريق الذي اختاره هذا الشاب.. فإما حياة كريمة وإما موتاً في الطريق.

يمكنك أن تتعلم من مجموع قصص المهاجرين الكثير… يمكنك أن ترى التناقض بذاته؛ سترى من صنع تعاسة المهاجر عندما احتل بلده في وقت سابق يمد يده ليؤوي ذات المهاجر اليوم، ومن ثم ليمن على العالم أن انظروا إلى ما صنع الطيبون…
يمكنك أن ترى بلداناً أخرى تتحدث عن مصيرك، تتشاور ثم تتصارع، ثم يصلون إلى اتفاق يقضي مصالحهم ولو على جثتك وجثة من هم مثلك…..
سترى الإنسانية لكن في وجهها غير النقي، فقيمتك محظ تجارة لدى الكثيرين، تحظر مرة وتغيب مرة إنسانية العالم… وليس ذلك هو المهم، فالمهم أن تكتمل الصفقة.

يرفع المهاجر عينيه إلى السماء وهو يركب القارب إلى المجهول.. يتأمل في السماء، يدعو الله.
لعله يجد عدلاً من دنيا لا تعرف إلا الأقوياء.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد