يُشكل مبدأ توحيد الأمة أهم مبدأ من مبادئ السمو، فيما يشكل مبدأ التجزئة أهم عامل من عوامل الضعف. وما فتئت شعوب العالم الإسلامي تنادي إلى إقرار كل خطوة تسير في اتجاه توحيد صف الأمة. ومن تلك الخطوات قضية توحيد التقويم الهجري ومناسبات الأعياد الدينية كلبنة رمزية من لبنات الوحدة المنشودة.
ويأتي مطلب توحيد بداية الشهور القمرية تحت مبرر كبير، هو "وحدة البلدان الإسلامية"، خصوصاً بعد سقوط الدولة العثمانية، وظهور اختلافات في تحديد المناسبات الدينية وبدايات الأشهر الهجرية داخل الدولة القطرية الواحدة، بسبب خلفيات على رأسها الخلفيات السياسية والمذهبية.
وتتعالى الأصوات المنادية بوضع تقويم هجري واحد قبيل بداية كل شهر رمضان أو إفطار أو مناسبة دينية، وهو المطلب الذي اشتغل على النظر في إمكانيته مئات الخبراء والعلماء، وأقيمت في سبيله عشرات المؤتمرات والندوات واللقاءات الفلكية، وصدرت عنها مئات التوصيات والقرارات، في أفق حسم الاختلاف.
ورغم أننا في عصر التكنولوجيا، فإن الموضوع ما زال يطرح عدة إشكاليات بسبب تداخل ما هو ديني مع ما هو سياسي، وما هو علمي بما هو تاريخي، وما هو فلكي بما هو تنجيمي. وقد يعتقد البعض أن تحديد بداية الشهر القمري مسألة إجرائية، لكنها في العمق مسألة نظام وإرساء الأمور على منهج علمي مستقبلي.
إن مسألة توحيد الأمة في بدايات أشهُرها، ليست بالضرورة مطلباً شرعياً بسبب وجود سنن كونية، وفي ظل سؤال مستفز هو هل رؤية الهلال من منطقة ما ملزمة لسائر المسلمين لبدء صومهم وإفطارهم؟ ثم هل مجرد وجود الهلال في سماء دولة معينة يوجب الجزم بوجوده في سماء دولة أخرى من العالم؟
بين التقويم الأحادي والتقويم الثنائي
في معترك البحث عن أجود وأحسن وسيلة لتنظيم هذا الشأن، استقرت أغلبية الأبحاث العلمية على مقترحين اثنين هما: التقويم الأحادي (المهندس جمال الدين عبد الرازق الفلكي المغربي، ومحمد شوكت عودة عالم أردني وأحد مديري مركز الفلك الدولي)، والتقويم الثنائي (التقويم الهجري العالمي، وتقويم نضال قسوم فيزيائي جزائري ومدير مركز الفلك الدولي بأبو ظبي وغيرهما).
التقويم الأحادي
يَعتبر التقويم الأحادي الأرض كلها مطلعاً واحداً، فإذا كانت الرؤية ممكنة حتى في أقصى أميركا أو المحيط الهادي بدأ الشهر في العالم الإسلامي وفي كل العالم، وأهم ميزة للتقويم الأحادي، هو أنه يوحد العالم في يوم واحد، لكن عيبه أن الشهر يبدأ أحياناً عند العالم الإسلامي والقمر غير موجود في سمائه.
التقويم الثنائي
ينبني التقويم الثنائي على تقسيم العالم إلى منطقة شرقية (من أستراليا إلى إفريقيا) ومنطقة غربية (أميركا)، على أساس أن يبدأ الشهر في العالم الإسلامي إذا كان الهلال مرئياً في أجوائه، وأهم ميزة لهذا التقويم أن الشهر في كل منطقة يبدأ إذا كان القمر قابلاً للرؤية في تلك المنطقة، فيما يكمن عيبه في أن المنطقتين تختلفان في يوم 25% من الحالات.
لقد حاولت رئاسة الشؤون الدينية الرسمية التركية عبر مؤتمر عالمي حول "توحيد الشهور القمرية والتقويم الهجري الدولي" المنعقد بإسطنبول أيام 28 و29 و30 مايو/ آيار 2016، حسم ذلك الخلاف والوصول إلى توحيد التقويم الهجري وتوحيد رؤية هلال رمضان في كافة أنحاء العالم، باعتماد التقويم الأحادي أو الثنائي.
وشهد المؤتمر الذي شارك فيه علماء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعلماء اتحاد مسلمي أوروبا، وهيئات رسمية وغير رسمية، نقاشاً حاداً كاد يعصف بأطوار المؤتمر، ولا يمكن استبعاد العامل السياسي من ضمن العوامل التي كانت حاضرة ومتجلية في المؤتمر.
اعتماد التقويم الهجري الأحادي
ختم المؤتمر أطواره بالتوافق بأغلبية ساحقة على تطبيق التقويم الهجري الأحادي، في جميع أنحاء العالم، أي التقويم الذي ينص على (صيام مسلمي العالم كله في يوم واحد)، وذلك في تصويت سري حضرته معظم الدول الإسلامية، ما يعني من جهة أخرى عدم اعتماد التقويم الثنائي.
إلا أن هذا لا يعني تلقائياً انتهاء المشكل، فهناك بعض الدول المشاركة في المؤتمر لم تلتزم بالنتائج التي أفضى إليها التصويت، وأعلنت أن تمسكها بإثبات رؤية الهلال بطرقها الخاصة، ما يعني أن المشاكل السياسية والمذهبية، والنظر إلى مقاصد الشرع، والنظر إلى الدين ككلية جامعة للبشرية تقف خلف الاختلاف.
كما أن ما توصل إليه هذا المؤتمر العالمي، لن يجد له التطبيق العملي ما لم ترفع السياسة والساسة أيديهم عن الدين، وحتى عن النظرة إلى الفلك والعلم التجريبي، وكان ذلك واضحاً من الدول التي أعلنت عدم التزامها بما توصل إليه المؤتمر.
ثم إن ما تم التوصل إليه هي توصيات من المؤتمر للبلدان الإسلامية ذات المرجعيات الدينية من أجل دراسة التقويم الأحادي وتمحيصه والثقة به، بعد أن ترفع اللجنة العلمية النتيجة المتوصل إليها للرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) من أجل جمع منظمة التعاون الإسلامي لاستماع إلى اللجنة العلمية والنتيجة المتوصل إليها.
وبين هذا وذاك؛ لا بد من طرح سؤال بعد اعتماد التقويم الأحادي، هل مراكز صناعة القرار في العالم الإسلامي، ومراصد مراقبة الهلال، وعلماء الشريعة والفلك والتاريخ، والمؤسسات العلمية، والحساسيات السياسية والمذهبية والثقافية المختلفة مستعدة لهذا التحول؟
سيبقى الخلاف والاختلاف ما بقيت أسبابه سواء السننية واللاسننية، والمنطقية واللامنطقية، والدينية واللادينية، وقد تتفاوت الدول في تحديد الشهر في يوم، ويكون ذلك التفاوت مبرراً ما دام الموضوع في نطاق علمي ومنطقي، لكن أن تتفاوت الدول بسبب المشاكل السياسية أو أن تتفاوت الدولة الواحدة في يوم الصيام، فتلك من الأمور غير المقبولة، لأن الأمر سيدخل في باب سطوة السياسة على الدين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.