صباح الجمعة، بدت ساحة متحف اللوفر والتي تضم الهرم الزجاجي الشهير الذي صممه المعماري "آي إم بي" فارغة وموحشة، باستثناء عدد قليل من السياح الذين وقفوا لالتقاط بعض صور "السيلفي".
أغلق المتحف أمام الزوار مع مرور باريس بأسوأ فيضاناتها منذ عام 1982، ولكن في الداخل، عمل الموظفون والمتطوعون على مدار الساعة لإنقاذ الأعمال الفنية من خطر ارتفاع منسوب المياه في نهر السين.
كنت أحد أعضاء فريق صحفي صغير زار المتحف الفارغ على غير العادة بعد ظهر الجمعة، وكان ذلك بصحبة وزيرة الثقافة الفرنسية أودري أزولاي، ورئيس المتحف جان لوك مارتينيز. (أُعطيت الأولوية للعاملين في البث التلفزيوني، بينما كنا نحن الكتاب في الخلف، نحاول جاهدين الاستماع لما يقال).
مررنا عبر جناح "دينون"، المكان الذي توجد فيه لوحة الموناليزا، وأكثر أجنحة المتحف ازداحاماً من بين أجنحته الثلاثة، حيث كان ذلك الجناح المليء بالقطع الفنية التي تعود لعصر النهضة وروائع الفن الإيطالي من العصر الباروكي خاوياً، بينما وقف تمثال النصر المجنح ساموثريس وحيداً دون معجبيه المعتادين.
كانت الأمور فوضوية
داخل صالات العرض التي تضم التحف اليونانية والرومانية، كانت الأمور أكثر فوضوية. بالقرب من تمثال "فينوس دي ميلو" الذي يزيد عمره عن 2200 عام، يمكن رؤية بعض صناديق التخزين مكدسة فوق بعضها بعضاً، وبدت كما لو كانت تحاصر بعض التماثيل بالكامل مثل أفروديت الرابضة، والذي يعود للقرن الثالث قبل الميلاد.
في الناحية الأخرى من الغرفة، تنظر إلهة الحكمة -أثينا- إلى السلالم المعدنية المكدسة إلى جانبها، في حين تحول معرض العصر الهلنستي إلى غرفة تخزين للكنوز التي يضمها متحف اللوفر.
قرابة 150 ألف عمل فني في غرف تخزين، بالإضافة إلى 7 آلاف قطعة في صالات العرض، كانت جميعها عرضة لخطر الفيضان، في الوقت الذي نُقلت الكثير منها إلى طوابق أعلى بداية من مساء الخميس الماضي.
وطبق مسؤولو المتحف خطة الحماية من الفيضان والتي وضعت في عام 2002. تتضمن الخطة جرداً كاملاً لجميع الأعمال التي يجب نقلها إلى الطوابق العليا من المتحف، وخططاً للحد من انتشار أية مياه تدخل إليه، بالإضافة إلى تفاصيل أخرى.
وعلى الرغم من أن التوقعات تشير إلى أن نهر السين وصل إلى ذروته مساء الجمعة بارتفاع 20 قدماً، ولم تدخل أي مياه إلى المتحف حتى الآن، إلا أن المسؤولين لم يتركوا أي فرصةٍ للصدفة.
وتعد الأعمال الفنية التي خُزِّنت هي الأسهل من حيث التعامل معها. يقول عادل زياني، نائب مدير المتحف لشؤون الاتصالات "لقد احتجنا لوقت أقل من المتوقع لأن الأعمال الفنية كانت داخل صناديق تحتويها بالفعل، لذلك كل ما كان علينا فعله هو نقلها من طابق إلى طابق أعلى فقط".
أعمال أكثر صعوبة
ومن بين الأعمال الأكثر صعوبة كان إخراج الأعمال الفنية من صناديق العرض. نشر يانيك لينتز، رئيس قسم الفن الإسلامي بالمتحف، عدة صور على حسابه بموقع تويتر تظهر فيها صناديق العرض خاوية بعد عمل طويل وممتد ليلاً، في حين قاموا بتعبئة الأعمال الفنية في صناديق تخزين بلاستيكية.
في بعض صالات العرض، يبدو المشهد كما لو أن عائلة ستنتقل للعيش فيها، أو تخرج منها، حيث مشهد الصناديق المقسمة بحيث تترك مساحة فيما بينها لبعض المزهريات وغيرها من القطع الثمينة، كما ترى أغطية من الأكياس البلاستيكية تنتشر في أرضية إحدى الصالات.
يقول زياني "بالنسبة للأعمال التي كانت معروضة وليست مخزنة، مثل قسم الفن الإسلامي، كان علينا أن ننقل الأعمال الفنية من نوافذ العرض. لدينا فريق متخصص تولى الاعتناء بالأعمال الفنية، وفريق آخر من أمناء المتحف تابعوا سير كل الأمور".
بالعودة لعام 1938-39، فُرغت جميع الأعمال الفنية من المتحف قبل الغزو الألماني لفرنسا عام 1940. حمل عنوان النسخة الأوروبية من صحيفة نيويورك هيرالد تريبيون في ذلك الوقت عنواناً يقول "حوائط اللوفر فارغة بينما تأخذ كنوز المتحف استراحة بداخل الخزائن". أُعيد افتتاح المتحف بشكل جزئي في فترة الاحتلال الألماني، ولكن دون عرض أبرز الأعمال الفنية، والتي كانت مخبأة في أماكن سرية في أنحاء فرنسا. (اكتشف قادة النازية أغلب تلك الأماكن إلا أنهم قرروا أن يتركوها محلها).
وعلى الرغم من التفاصيل التي وُضعت في خطة الحماية من الفيضانات عام 2002، إلا أنها لم ترتب أولوية الأعمال الفنية. والسؤال هنا، كيف يمكن -وسط قصر مليء بالكنوز- اختيار أفضلها؟
يجيب زياني قائلاً "من الصعب تحديد الأعمال الأكثر قيمة. كلها أعمال لا تقدر بثمن، ونحن قررنا أن نطبق الإخلاء بحسب الأكثر عرضة للخطر".
نقل الأعمال الفنية
بجانب أعمال الفن الإسلامي، قام العاملون أيضاً بنقل أعمال قبطية معروضة، بالإضافة إلى أغلب الأعمال اليونانية والأترورية والرومانية المخزنة.
وقال مارتينيز -رئيس المتحف- إنه من الصعب تحديد العدد الإجمالي للأعمال المنقولة، ولكنه ذكر أنه تبلغ "الآلاف والآلاف" من الأعمال الفنية. في الوقت نفسه، خضع مستوى المياه في نهر السين لمراقبة المسؤولين بشكل مستمر بحسب ما ذكره، حتى يعرفوا إذا ما كانوا في حاجة لنقل المزيد من الأعمال الفنية.
يقول مارتينيز "الوضع يتغير في كل ساعة. ما زال من الصعب أن نعرف موعد إعادة افتتاح المتحف".
في وقت لاحق من هذا العام، قام المتحف بنشاط تدريبي عبارة عن محاكاة لحالة فيضان، وشملت التجربة قسم الفن الإسلامي، وقد ساعدت هذه التجربة كثيراً في نقل الأعمال هذا الأسبوع بطريقة أكثر سلاسة.
على المدى البعيد، يخطط المتحف لنقل الأعمال الفنية غير المعروضة إلى مكان آخر. بحلول 2019، ينوي المسؤولون تخزين كل تلك الأعمال تقريباً في الفرع الإقليمي للمتحف بمدينة لنس، والتي تبعد 125 كيلومتراً شمال باريس.
السياحة والاقتصاد الفرنسي
وتعد السياحة أحد أهم أعمدة الاقتصاد الفرنسي، وقد تحملت أزولاي -التي تولت منصب وزيرة الثقافة في فبراير/شباط الماضي- مسؤولية التأكد من أن كل الأمور ما زالت تحت السيطرة.
تقول أزولاي "حتى الآن، الأعمال الفنية في متحف اللوفر ليست في خطر. لقد توقعنا الوضع وعملت خطة الطوارئ بشكل جيد جداً".
كانت بعض الأماكن الأخرى أقل حظاً من متحف اللوفر، لا سيما وادي اللوار.
كما تأثر متحف جيروديه في مونتارغي أيضاً، حيث تعرض المتحف الذي يضم أعمال الرسام الرومانسي آن لويس جيروديه لضرر كبير.
في وادي اللوار، تعرضت الجسور للضرر أيضاً وكذلك الأثاث العتيق الذي يعود للقرن السادس عشر في شاتو دو لافيرتي سانت أوبين، والذي أُعيد افتتاحه منذ وقت قريب بعد تجديده. وعلى بعد 25 ميلاً أخرى، تعرضت قلعة شامبور -أحد مواقع اليونسكو للتراث العالمي- لدمار كبير.
حدائق قلعة Fougères-sur-Bièvre، والتي تبعد 130 ميلاً جنوب غرب باريس غمرت بالمياه بشكل كامل. يقول فيليب بيلافال، رئيس مركز الآثار الوطني الفرنسي "إنها خسارة كبيرة، لأننا انتهينا لتونا من أعمال ترميم استمرت لعامين".
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، يرجى الضغط هنا.