جدلية الطاقة والتنمية المستدامة

تعتبر القضايا الاجتماعية من أهم مرتكزات المخطط الطاقي بالمغرب؛ للتخفيف من وطأة الفقر وإتاحة الفرص أمام المرأة والتحول السكاني والحضاري، ذلك أن الوصول المحدود لخدمات الطاقة سيؤدي لتهميش الفئات الفقيرة والتقليل من قدرتها على تحسين ظروفها المعيشية

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/03 الساعة 02:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/03 الساعة 02:35 بتوقيت غرينتش

يستهلك العالم الطاقة من مصادر عديدة، منها المصادر المتعلقة بخامات الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي، ومنها الطاقة المرتبطة بمصادر صناعية مثل الطاقة النووية، كما يتم الحصول على الطاقة أيضاً من مصادر طبيعية، مثل الطاقة الشمسية والطاقة المستخلصة من الرياح والسدود، وتسمى بمصادر الطاقة المتجددة أو الطاقة النظيفة.

صار من الضروري على دول العالم، اليوم، سواء المنتجة للنفط والبترول، أو المستهلكة له، أن تنتهج سياسات ونظريات تنزل ما جاء به مؤتمر الأمم المتحدة حول التنمية المستدامة، إيماناً منها بأن مصادر الوقود الأحفوري هي السبب الرئيسي في زيادة انبعاث الغازات السامة في الهواء من احتباس حراري، وتقلبات جوية، وما تخلفه من أضرار على الإنسانية، دون أن ننسى أنها مادة قابلة للانعدام خلال مطلع القرن الحادي والعشرين.

والحقيقة أن المغرب، كدولة مستهلكة للبترول، ومع تزايد الفاتورة الطاقية، فقد سطر سياسات تهدف إلى إعادة تطوير استغلال الطاقات المتجددة سعياً وراء تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة.

فإلى أي مدى تسهم الطاقات المتجددة في تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة؟ وأين تتجلى سياسة الطاقات المتجددة مع تغيير المناخ؟ هل تؤثر الطاقة البديلة في الحقل الاجتماعي والاقتصادي على الصعيد الوطني والعالمي؟

الطاقة المتجددة مصدر لا ينضب للطاقة، قابل للتجديد بسرعة من خلال الإمكانات الطبيعية المتاحة، كطاقة الرياح والمياه وأشعة الشمس، وكلها تلعب أدواراً في استدامة الطاقة إلى جانب سياسات تحسين الطاقة ذات الاعتبار الاجتماعي والاقتصادي لمختلف الفئات والشرائح، ما يعمل على رفع المستوى المعيشي للمواطنين، وخاصة سكان القرى والمناطق النائية، وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية بتشجيع القطاع الخاص على المشاركة الفاعلة، فقد أكد تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة نمو قطاع الطاقة المتجددة إلى 600 مليار دولار عام 2020، وخلص إلى أن الاستثمارات في قطاع الطاقة النظيفة في إفريقيا هي الأكثر نمواً.

والحقيقة أن الوكالة المغربية للطاقة الشمسية قدرت سنة 2004 الاستثمارات بـ 392 مليون درهم (حوالي39.9 مليون دولار) في وقت تسعى فيه محطة "نور ورزازات 1" لإنتاج 480 جيجاوات سنوياً، ما سيمكن من تفادي 240 ألف طن من ثنائي أكسيد الكربون، وحسب وثيقة نشرتها وزارة الطاقة والمعادن، فإنه في سنة 2017 سيمكن تشغيل المحطتين "نور ورزازات 2 و3 " من تجنب 522 ألف طن من انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون إلى جانب خلق 200 فرصة عمل؛ لهذا سيخفض المخطط الطاقي للمغرب والشمسي خاصة حوالي %42 من الفاتورة الطاقية في أفق 2020 مساهمة منه في ترسيخ مكانة رائدة في هذا المجال، وتأكيد وفائه لالتزاماته ذات الصلة باتفاقية الأمم المتحدة للتغيير المناخي على حد تعبير عضو لجنة الطاقة والمعادن والبيئة بالبرلمان المغربي.

تعتبر القضايا الاجتماعية من أهم مرتكزات المخطط الطاقي بالمغرب؛ للتخفيف من وطأة الفقر وإتاحة الفرص أمام المرأة والتحول السكاني والحضاري، ذلك أن الوصول المحدود لخدمات الطاقة سيؤدي لتهميش الفئات الفقيرة والتقليل من قدرتها على تحسين ظروفها المعيشية، فحوالي ثلث سكان العالم لا يستفيدون من الطاقة الكهربائية، بينما تصل إلى الثلث الآخر بصورة ضعيفة ومتقطعة، كما أن اعتماد سكان القرى والمناطق الجبلية على الخشب في التدفئة والطهي له تأثيرات سلبية على البيئة، وعلى الصحة، إضافة الى وجود تباين بين مختلف الدول في معدلات استهلاك الطاقة، فالدول الأكثر غنى هي الأكثر استهلاكاً، مقارنة مع الدول الأكثر فقراً، وبهذا أطلق المغرب من خلال سياسته وتلبية للطلب المتزايد برنامجاً سيمكن من بلوغ قدرة إضافية قدرها ألفا ميغاواط هذه السنة، والتي ستمكن من كهربة حوالي %98.33 من العالم القروي في انتظار تتمة باقي المشاريع الشمسية والفوطوفولتية والريحية.

وملاك القول أنه بدون الوصول إلى خدمات طاقية ومصادر وقود حديثة سيصبح توفير فرص العمل وزيادة الإنتاجية وكذا الفرص الاقتصادية المتاحة محدوداً، بصورة كبيرة أما التأثيرات البيئية الناجمة عن استخدام الطاقة، وخاصة غير السليمة منها فستظهر على مستويات عديدة محلياً وعالمياً، ويمكن أن تتسبب في عواقب كتلوث الهواء والتغير المناخي ويمثل احتراق الوقود الأحفوري أحد أكبر مصادر التلوث دماراً للصحة والبيئة.

إن قلة الوعي والاهتمام باستخدام المصادر المتجددة، والفهم الخاطئ لطبيعة عمل تطبيقات تكنولوجيا الطاقة المتجددة لمن أكبر المعيقات، خاصة إذا تنامى الشعور العام لدى المؤسسات والأفراد بقلة جدوى المساعي المتعلقة بالبيئة من ناحية، ومن جدوى استخدام نظم تعتمد على ظواهر طبيعية متغيرة متل الشمس والرياح وهنا يبرز دور الاعلام والتوعية للدفع نحو تأهيل الأفراد والمجتمعات ككل نحو الوعي بالمفهوم الصحيح لإنتاج الطاقة من مصادر نظيفة وصديقة للبيئة، وهذا أمر لا يتم بالاقتصار على حملات إعلامية تشجع على التحول إلى تكنولوجيا الطاقة الجديدة فقط، بل وتمتد إلى تكرار التدريب والتثقيف من خلال برامج وندوات علمية ومؤتمرات لكافة أطراف المجتمع، وخاصة متخذي القرار في مجال الطاقة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد