وجّه وزير النفط السعودي الجديد، خالد الفالح، ممثل المملكة العربية السعودية التي تعد القائد الفعلي لبلدان "أوبك"، رسالة للسوق العالمي قائلاً: "لا تتوقعوا منا التأثير على أسعار النفط الخام بتعديل الكميات التي نضخها".
وقال الوزير خالد الفالح، أمس الخميس: "أعتقد أن الإدارة بالطريقة التقليدية التي جرّبناها في الماضي لن تتكرر مرة أخرى"، كما أضاف: "بالتأكيد لن نلتزم بأسعار محددة".
جاءت هذه الرسالة بعد القرار الذي اتخذته، الخميس، 13 دولة في المنظمة بالحفاظ على المعدلات المرتفعة لإنتاج النفط، وتلعب هذه الرسالة دوراً محورياً في تغيير استراتيجية المجمع السعودي للنفط الخام، كما أنها قد تنذر بفترة من تقلب أسعار النفط، إذ إن سياسات "أوبك" ونفوذ السعودية هي التي ساعدت على توجيه الأسواق فترة طويلة.
وفي حين شهد أبريل/نيسان الماضي العديد من التحولات الكبيرة، والخطط التي وضعتها المملكة العربية السعودية لتنويع اقتصادها، والحد من اعتمادها على النفط وسحب منحها الحكومية، فقد مثلت خطط الفالح بشأن نفط السعودية أكبر قطع اللغز، من حيث كمية النفط الذي ستضخه السعودية وكيف ستنفق المملكة الأموال القادمة منه.
وتلقت الأسواق العالمية لمحة عن الإجابة عن هذه الأسئلة خلال اجتماع "أوبك" الخميس الماضي، وهو الأول للفالح منذ توليه منصب وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية الشهر الماضي.
فعلى الرغم من رغبة بعض أعضاء أوبك في خفض أو تجميد إنتاج النفط، دفع الفالح باتجاه الحفاظ على ارتفاع الإنتاج لاستخدام هذه الأموال في صناعات أخرى قد تعود بالربح على السعودية، كما عبّر عن رغبته في أن تعيد المنظمة النظر في النهج الذي طال اتباعه، وفي افتراض قدرتها على إدارة كميات النفط العالمية وأسعارها.
وهو ما تعارض مع الموقف الذي اتخذه سلفه، علي النعيمي، لوقت طويل قائداً عصراً رضيت فيه أوبك بالحد من إنتاج النفط في محاولة لرفع أسعاره.
يغدو تفسير تحول الموقف السعودي سهلاً، خاصة بعدما خفّ ضغط الأسعار في الآونة الأخيرة، فعلى الرغم من الانخفاض المبدئي لسعر النفط يوم الخميس، فقد تعافى ليصل إلى 50 دولاراً للبرميل، وهو ضعف السعر الذي كان عليه في يناير/كانون الثاني.
كما قال الفالح في حديثه لبعض الصحفيين في جناحه الفندقي إنه على منتجي النفط "أن يسمحوا لقوى السوق بإيجاد سعر التوازن بين العرض والطلب".
تزداد اليوم قدرة السعوديين على اتباع طريقهم الخاص، فبجانب ثروتها من الاحتياطي النفطي، استثمرت السعودية عشرات المليارات من الدولارت في بناء قطاع نفطي تنافسي، في الوقت الذي سمحت فيه بعض بلاد أوبك الأخرى مثل فنزويلا وإيران لصناعاتها بالتدهور.
الفالح في قلب هذه التحركات
تخرج الفالح عام 1982 في جامعة تكساس إيه آند إم (A &M)، وظهر على ساحة النفط العالمية في أوائل الألفية الجديدة، حين عزم الملك عبدالله، حاكم السعودية في ذلك الوقت، على إعادة إحياء المنافسة الاقتصادية، عن طريق دعوة الشركات الأجنبية لاستخراج الغاز الطبيعي بعد إغلاق هذه الشركات في السبعينيات.
ولدهشة مسؤولي شركات النفط الغربية، اختار الملك خالد الفالح، أحد المسؤولين التنفيذيين الشباب بأرامكو وقتئذ، لإدارة المفاوضات المعقدة لسلسلة من المشاريع المشتركة مع رويال داتش شل البريطانية، وتوتال الفرنسية، ولوكيل الروسية، وعلى الرغم من أن هذه المشروعات لم تجد كثيراً من الغاز، إلا أنها أضافت لسمعة الفالح وقدرته على التلاعب بلباقة وسط المصالح المتضاربة.
كما قال عنه فلوريس أنسينجه، رئيس شل في السعودية في ذلك الوقت: "بعد ما يقرب من عام، اضطررت للاعتراف بأنه كان جيداً للغاية فيما يفعله"، وأضاف قائلاً: "لقد أدرك المقايضات المختلفة".
كما نتج عن تركيز الفالح على السوق العالمي تهيئة الأجواء لمرحلة تطوير أرامكو السعودية.
عمل الفالح على تحديث الشركة بعد تنصيبه رئيساً تنفيذياً لها في 2009، محاولاً تحويل شركة النفط المملوكة للدولة إلى أحد المنافسين العالميين لعمالقة النفط في الغرب، ووسّع من مجالات تجارة النفط، كما عمل على تثبيت الطلب عن طريق الاستثمار في الصين وغيرها من الاقتصاديات النامية.
كما تمكنت "أرامكو" مؤخراً من تطوير 3 حقول نفطية عملاقة، وهو ما أدى إلى الزيادة الكبيرة في كمية النفط التي يمكن إنتاجها، وحصلت الشركة على حوالي 200 مليون دولار من إنتاج النفط في العام الماضي، بحسب شركة الاستخبارات التجارية وود ماكينزي.
كما قال ج. روبنسون ويست، أحد كبار مستشاري الطاقة في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية: "في هذا القطاع تُعد أرامكو أحد أفضل شركات النفط في العالم"، وأضاف أيضاً: "لقد كان خالد مهماً في بناء ذلك".
ولا يبدو الفالح خائفاً من أن يطأ أرضية حساسة ومعقدة.
كما حذر خالد الفالح، باعتباره رئيس الشركة الوطنية للنفط، من خطورة ارتفاع الاستهلاك المحلي للوقود وتأثيره على تآكل صادرات النفط الخام، مصدر النقد الأول للمملكة. وقال أثناء عشاء في عام 2010: "علينا التأكد من الاستخدام الأمثل لمواردنا الثمينة من النفط والغاز، بحكمة وبأقل هدر".
في ذلك الوقت كانت إعادة النظر في الاستخدام المحلي للطاقة أحد القضايا السياسية المشتعلة، حيث كان الدعم الحكومي الذي حافظ على رخص أسعار الوقود هو أحد الأمور غير القابلة للمساس في العقد الاجتماعي السعودي، ومع الطفرة التي شهدتها أسعار النفط وقتئذ بدا أن ثروة المملكة النفطية ستنمو.
يشكّل تحذيره الآن جزءاً من العقلية السعودية الجديدة.
ويرى فاليري مارسيل مؤلف كتاب "جبابرة النفط" الذي يدور حول شركات النفط الوطنية، أن خالد الفالح "لاعب سياسي شديد الذكاء"، كما أضاف أيضاً: "لقد تمكن من المقاومة وخلق مساحات لمناقشة بعض القضايا، مع الاحتفاظ بعلاقة جيدة مع الحاكم في الوقت نفسه".
الاستعداد للسيناريو الأسوأ
كما اعترف الفالح في وقت سابق بالقلق المتزايد بشأن المناخ الذي قد يقلل من الطلب على النفط السعودي، وهو ما قد يعني المخاطرة بترك جزء كبير من هذه الموارد في باطن الأرض.
وأشار الفالح أيضاً يوم الخميس إلى استعداد السعودية للسيناريوهات الأسوأ، عن طريق التحرك بقوة لتحفيز نمو الصناعات غير النفطية، وفي حين أشار إلى اعتقاده بأن الطلب على النفط سيستمر عدة لأجيال، إلا أنه أضاف: "كبشر لا يمكننا الاقتناع والافتراض بأن النفط سيزود العالم بالطاقة للأبد".
في الأعوام الأخيرة، اعتُبر الفالح أحد المقربين محل الثقة، حيث عمل مستشاراً للأمير محمد بن سلمان، بالإضافة لمساهمته في حل مختلف المشكلات. كما أوكل الأمير إلى الفالح مسؤولية وزارة الصحة المتدهورة في 2015، أثناء معاناتها في السيطرة على فيروس الجهاز التنفسي القاتل (MERS).
أما في منصبه الجديد، فلدى الفالح رقابة بارزة على جزء ضخم من الاقتصاد السعودي، حيث اندمجت وزارتا النفط والكهرباء في وزارة واحدة تحت اسم وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، كما عُين أيضاً رئيساً لشركة التعدين التي تملكها الحكومة، أحد الصناديق الصناعية للدولة، والمسح الجيولوجي وبرنامج الطاقة النووية والمتجددة، بالإضافة للعديد من الكيانات الاقتصادية التي تديرها الدولة.
ولدى الفالح أجندة ضخمة من الأهداف، بعضها في المناطق التي قصّر فيها سلفه. وعلى الرغم من ثروة المملكة النفطية، فإنها تكافح لإنتاج ما يكفي من الغاز الطبيعي لتلبية الاحتياجات المتزايدة للصناعة وتوليد الكهرباء. كما تخلفت جهود المملكة لتطوير الطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة، مقارنة بجيرانها مثل الإمارات العربية المتحدة.
ويمثل الفالح جزءاً من خطة البلاد لإعادة تركيز قوتها المالية للاستثمار في مجالات أخرى غير النفط، ففي إشارة لتغير استراتيجيتها، استثمرت المملكة، المعروفة بطابع استثمارها التقليدي، 3.5 مليون دولار مؤخراً في شركة أوبر، وهي إحدى أكبر الاستثمارات في شركة ناشئة تابعة للقطاع الخاص.
كما يتحمل الفالح أيضاً مسؤولية بذل الجهد لبيع حصة صغيرة من أرامكو للمستثمرين بحلول 2018، وأضاف أن الفكرة هي جعل الشركة أكثر عالمية في إطار سعيها لإضافة استثمارات في قطاع الغاز الطبيعي.
قد يحسّن أيضاً طرح أسهم الشركة في البورصة من أدائها. كما قال الفالح: "إذا كان عليك مواجهة المحللين كل 3 أشهر، فسيزيد هذا من وطأة المنافسة".
سيكون عليه أيضاً إقناع الطبقة العنيدة في البلاد بتبني نظرة تجارية أكثر، والمشاركة في مشروعات مشتركة مع الشركات الدولية، وفي حين يشكك البعض في قدرة الفالح على قيادة هذه المرحلة الانتقالية، يرى آخرون أن شخصاً من الداخل هو الذي سيملك ما يكفي من المصداقية للقيام بالأمر.
وفي كتلا الحالتين، سيراقب سوق النفط ما يجري.
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية يرجى الضغط هنا.