خلال مدة لم تتجاوز 20 يوماً تلقت منظومة العدالة في مصر، خاصة النيابة العامة، 3 مواقف محرجة، واجه فيها أصحاب تلك المواقف ما سمّوه الخلل في منظومة العدالة داخل هذا الجهاز، وقرروا رفض الانصياع لتلك القرارات، ومواجهتها علناً أمام الرأي العام، حتى ولو كانت ضريبة ذلك هي الحبس.
جنينة: رفضت تنفيذ قرار النيابة حتى لا أسلم بالتلفيق
يأتي موقف رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق المستشار هشام جنينة، الخميس 2 يونيو/حزيران 2016، ليكون هو الموقف الأخير في ظاهرة معارضة قرارات النيابة، والذي دفع ضريبته على الفور بحبسه حتى مثولة للمحاكمة العاجلة يوم الثلاثاء المقبل 7 يونيو/حزيران، وترحيله على الفور لاحتجازه في قسم شرطة القاهرة الجديدة.
وفنّد جنينة أسباب رفضه دفع الكفالة في رسالة نقلها عنه محاميه علي طه، قال فيها: "فوجئت بتحريات ملفقة تمت بناءً على اتهامات كيدية، وانتهى الأمر إلى إلزامي بدفع كفالة، وعليه بات دفع الكفالة تسليماً مني بصحة هذه الاتهامات، وحتى لا أضع سُنة يستنّ بها في التنكيل بأي رئيس للجهاز المركزي للمحاسبات إذا ما قام بواجبه لحماية المال العام فإن قيامي بسداد الكفالة بعد تلك الاتهامات الكيدية والتحريات الملفقة يعطي دلالة على تسليمي بها".
سناء سيف: تحقيقاتكم صورية وقرارات النيابة من السلطة التنفيذية
وكانت بداية تلك الظاهرة مع سناء سيف، الناشطة في مجال حقوق الإنسان بمصر، وذلك حينما انتقدت النظام القانوني في البلاد، وذلك حين تم استدعاؤها للتحقيق معها بتهمة التحريض على التظاهر ضد السلطات بعد مظاهرات جمعة الأرض الرافضة لاتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية وتسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، حيث رفضت سناء – البالغة من العمر (22 عاماً) – الإجابة عن أسئلة القاضي، وطالبته بألا يشارك في المهزلة، مؤكدة أن المحاكم والنيابات كلها تمضي طبقاً لرغبة الحكومة، وأن تحقيقاتها صورية وقرارات النيابة تأتي من السلطة التنفيذية.
بعد صدور حكم بحبسها 6 أشهر بتهمة إهانة القضاء لرفضها الرد على وكيل النيابة، قامت سناء بالتنازل عن تقديم معارضة أو استئناف على قرار الحبس، بتفنيد العديد من الوقاع التي أثبتت بها التلاعب في منظومة العدالة معها وختمت المذكرة قائلة: "أنا المرة دي مش لاعبة؛ لأني ببساطة مابقاش عندي طاقة أتعامل مع إجراءاتهم، دي مش فتحة صدر، الحبس مش سهل وأنا عارفة، ودخوله تاني أكيد هيبقى أصعب بعد ما رجعت أشوف أخويا (في إشارة إلى علاء عبدالفتاح أحد شباب ثورة 25 يناير)، وعوضت فترة غيابي وشديت كويس في شغلي. لكن طالما هم مصرّين يورّطوني وكده كده هادفع التمن، أدفعه وأنا شَبَه نفسي".
قلاش ورفيقاه: النيابة كانت طرفاً ولم تكن محايدة
ويبدو أن مشهد اليوم مع المستشار جنينة لم يكن له وقع الصدمة، كونه كان مكرراً منذ يومين فقط، وذلك في مشهد رفض يحيى قلاش، نقيب الصحفيين، ورفيقيه في مجلس النقابة خالد البلشي وجمال عبدالرحيم، الذين رفضوا دفع الكفالة التي حددتها النيابة للإفراج عنهم في تحقيقات اتهامهم بإيواء الصحفييْن محمود السقا وعمرو بدر داخل مقر النقابة، واستمر الامتناع لمدة 24 ساعة، حتى تم دفع المبلغ من قبل أحد المحامين بغير علمهم، ولم تضح حتى الآن الجهة التي وقفت خلف دفع تلك الكفالة.
وعن تبرير موقفهم برفض أداء النيابة في التحقيق معهم، قال خالد البلشي في تدوينة نشرها على صفحته بعد ساعات قليلة من الإفراج عنهم، حين قال: "منذ اللحظة الأولى شعرنا بأن هناك شيئاً مريباً، وأن هناك نية لشيء ما لا نعلمه، وكانت معالم النية دي واضحة، في شكل الأمن والتعامل مع المحامين وفي الطريقة اللي تم التعامل بها معانا، وفي التواجد الأمني والاستعدادات، ثم جاء رفض طلبنا استدعاء قاضي تحقيق بدلاً من النيابة".
وأكمل البلشي سرد أسباب عدم دفع الكفالة: "وحين تيقنا من هذا الأمر المريب وبعد تحقيقات 14 ساعة، قررنا التعامل بهدوء، وبالنسبة لنا كان فيها احتمالان بدأنا نتعامل معهما، حبس 4 أيام ودا كان الأقل توقعاً من وجهة نظر كثيرين وقتها، وإخلاء بكفالة، وساعتها قررنا أننا مش هندفع لأن عندنا اتهام نشر ولأن إحنا شايفين النيابة بقت طرف ودا مثبت في التحقيقات".
كان هناك تربّص من النيابة!
وهنا يقول عصام الإسلامبولي، المحامي الشهير عضو الدفاع عن قلاش ورفيقه، إن جميع الشواهد التي مرّت بها مراحل التحقيق في تلك القضية أكدت لنا أن هناك حالة تربّص بالنقابة والنقيب من قبل النيابة، وهو الأمر الذي وضح من الإجراءات التي سبقت التحقيق مع أعضاء النقابة الثلاثة، وكذلك أثناء التحقيقات معهم ومحاولة "إذلالهم"، وما نتج عن قرار الكفالة.
وأكد الإسلامبولي في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أنه رغم كون المحاكمة بعد غدٍ السبت، إلا أنه لم يتم تمكيننا حتى الآن من الاطلاع على تحقيقات النيابة وأقوال الشهود وغيرها من الإجراءات، التي ننتظر الوقوف أمام القاضي لنطلب التأجيل من أجل تمكيننا من الاطلاع على تلك الأوراق.
ابحثوا عن محاضر الشرطة
وعن هذا الموقف المتصاعد من العديد من الجهات تجاه النيابة العامة، قال جورج إسحاق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إنه "بالتأكيد هناك خلل واضح في منظومة العدالة في مصر، وما نشهده من مواقف مؤشر خطر يجب على الدولة، ومؤسسات العدالة أن تنتبه لمخاطر استمرار هذا الخلل".
وأكد إسحاق في تصريحات خاصة أننا "مازلنا نرى أن قرارات القضاء محل احترام، ولا تعليق عليها، خصوصاً أنها تأتي وفق أوراق يتم تسليمها إليها، ولكن معظم المظلومات التي حدثت بقرارات النيابة العامة، جاءت بناءً على محاضر الشرطة، وتقارير المباحث، التي دائماً ما تكون سبباً في إصدار قرارات النيابة"، مشيراً إلى أنه ليس لديه علم عن حقيقة أن النيابة تصدر القرارات وفقاً لمكالمات تليفونية من جهات أمنية كما يشاع في مصر.
سقوط ورقة التوت
في حين قال طارق العوضي، المحامي الحقوقي المعروف، إن المواقف الثلاثة التي حدثت خلال أقل من شهر ما هي إلا ورقة التوت الأخيرة في الكشف عن خلل منظومة العدالة بمصر، وبالأخص في قرارات النيابة العامة، مشيراً إلى أننا نكفي أن نشير إلى أن هناك الآلاف مازالوا داخل السجون والأقسام دون محاكمة ويتم التجديد لهم من النيابة العامة لمدة تخطت العامين مع البعض.
وأكد العوضي في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أننا نأمل بأن تكون هناك إعادة رؤية لتلك المنظومة، وأن يكون هناك مراجعة لتحريات الأمن، التي كشفت قضايا حبس المتهمين في قضية مظاهرات جمعة الأرض، هناك أوراق تحريات جاهزة بنفس الصيغة، ونفس الأخطاء اللغوية التي يتم توزيعها على الأقسام لتُعرض على النيابة في أماكن مختلفة تقوم بناء عليها بإصدار قرارات الحبس، بل وتكون سبباً في إصدار أحكام، وهو ما يدق ناقوس الخطر.