قبل أيامٍ كانت حفلة تخريج طلبة الثانوية العامة في أكاديمية أعمل فيها على التدريس وتدريب الطلبة.
جلستُ أستمع إلى كلماتِهم للأهالي والأساتذة مودّعين.. يشكروننا على ما قدّمنا لهم.. على تفانينا بالعمل معهم.. إلخ، ولكن الفكرة ليست هُنا..
جلست البارِحة أفكّر "إن كُنتُ خلال تعليمي ودوراتي "أقدّم" معلومات ولا أستفيد سوى الرّاتب.. فهذه مُصيبة!.. وفِعلاً جلست أفكّر ماذا تعلّمت من كلّ طالب من طلّابي ممن تخرّج هذا العام.. وضعت الأسماء في قائمة.. ورحت أتذكّر:
شفق: الطّالب الترّكيّ وكيفيّة نقاشه الهادئ رغم "تكبيسي" على كلّ أزرار أعصابه لأرى ردّة فِعله.
وليّ الله: الطّالب الأفغانيّ الذي أتقن ٤ لغات جديدة كلّياً عليه في ٤ أعوام.
سونغ جونغ: الطّالبة الكوريّة التي تفوق عبقريّتها القدرة على مناقشة أيّ أحد، وفي حال أردتَ خوض نقاش معها عليك أن تكون قدّ حضّرت المادّة مسبقاً ولبست جميع الأسلحة العلميّة وصلّيت ركعتين وتوكّلت على الله أن تخرج "منهزماً قليلاً " وليس كثيراً.
أفيسيل: الطّالبة التي حصلت على دعم أكاديميّ بعشرات آلاف الدولارات بمجهود شخصيّ من خلال حملات أطلقتها عندما كانت فقط في الـ١٤ من عمرها.
ناتلي: الطّالبة الأردنية المسيحيّة التّي كانت تدافع عن حقّ المرأة المسلمة بارتداء الحجاب لإيمانها بِوجوب احترام العالم لاختياراتها، شخصيّاً لم أدرك أنّها مسيحيّة إلا بعد أسابيع عدّة.
والكثير من الدّروس منهم، ومن باقي من حظيت من الله بعظمِ فرصة تعليمهم..
أرسلتُ لكلّ واحِدِ منهم رسالة طويلة بعنوان "ماذا تَعَلَّمَتْ المُعلّمة منكم؟.. وأنا مدركة ومؤمنة أنّهم صُنّاع القرار مستقبلاً. وعليهم من الآن أن يعلموا مِقدار التّأثير الذي يتركونه في كلّ مكان يرتادونه.. وأنّ هذا التأثير يجب أن لا يتوقّف.
في كلمة ألقاها أحد الطّلاب أمام الحاضرين قال: "سنذهب إلى جامعات حول العالم.. وسننتقل من مكان كنّا فيه معروفين بين أساتذتنا وزملائنا إلى مكان يجهلون فيه من نحن تماماً.. ونحن لا نعني لهم أيّ شيء.. ولهذا حان الوقت لنقرّر مَن سنكون.. وماذا سنكون وكيف نريد أن يرانا العالم من الآن فصاعِدا".
وأقول لهُم: الآن حان الوقت لتبدعوا أنتم.. تتفوقوا.. تخترعوا وتكتشفوا.. تتعلّموا وتكبروا.. تبحثوا.. وتأتوا للعالم بما هو جَديد، أن تضيفوا للعالم بصمة لم يسبق أن رآها أحد.. وأن تتأكّدوا أنّ بصمتكم لن تتكرّر مرّة أخرى.
وأختمُ برسالة وصلتني من أحدهم: "لقد رفعنا لكم أساتذتنا قبّعاتنا احتراماً طوال الأعوام السّابقة، وأعدكم أنّكم سترفعونها لنا قريباً"…
وقبّعتي الآن تنتظر بشوق وفرحِ عارِم.. تريد أن تنحني فخراً بكم.
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.