كيف تتجاوز أي مشكلة بسهولة؟

خُلِق الإنسان من عَجَل.. فتجده متسرعاً دائماً.. يكره الانتظار، ويحب أن يحصل على مقابل لكل عمل يقوم به.. فكلما كان أجره أكبر وأكثر إغراء، كلما عمل أكثر وقدم أفضل ما عنده، وكلما وعدته بأن يحصل على الأجر في أقرب وقت

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/31 الساعة 04:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/31 الساعة 04:39 بتوقيت غرينتش

إذا سألنا أنفسنا ما إذا كنا قادرين على الصبر تحت أي ظرف من الظروف، فماذا ستكون إجاباتنا ؟.. هل سنؤكد بثقة بأننا لا نستسلم للضغوط ولا نبكي للابتلاءات، وأننا نقاوم ونخرج من الأزمات، كما ينبثق النور فجراً من الظلمات؟.. دون ألم ودون انكسارات.. وأننا مهما عشنا أحداثاً صعبة وتخبطنا بين مرارة الواقع واستحالة الأمنيات.. نبقى صامدين كجبال شامخات.. وتبقى أعيننا تلمع ببريق الأمل وتعشق الحياة؟ هل هكذا نحن أم هيهات؟

طبعاً لا أحد منا يستطيع أن يدعي الكمال، ولكنه يقدر أن يطور من نفسه ويتخطى كل الأزمات.. فقط بإيمان.. بثقة.. بأمل.. وبتقدير للحياة.

جميعنا مر بظروف قاسية يوماً ما.. ربما فقد عزيزاً لموت أو لحكمة، أو أصابه مرض، أو ربما عانى من مشاكل مادية أو معنوية، وحتماً إذا ذكرت حدثاً من الأحداث المؤلمة التي عانيتها يوماً، فستتذكر شخصاً أو أكثر، كان ينهرك وينصحك بالصبر، ولكن كلامه النابض صدقاً وإخلاصاً، لم يكن مصدر اطمئنان بالنسبة لك؛ لأنك كنت بحاجة لمن يفهم شعورك، ويشاركك إشفاقك على نفسك، لا لمن يملي عليك نصائح مجانية تراها صعبة التحقيق.. فكنت تتساءل حزناً أو سخطاً عن سر القسوة التي تملأ قلوب البشر، وتندب حظك العاثر الذي جعلك تعاني مرارة لم يتذوقها غيرك ممن يعيشون سعادة كاملة، تستطيع أن تراها تشع من حولهم، وتجهل أنها غير حقيقية، فيتحول الحزن غضباً ويشتعل القلب قسوة بدل أن يلين وينبض صبراً.

لا تنصح من يتألم بالصبر وتتراجع، فأنت بذلك لا تزيده إلا وجعاً.. بل عليك أولاً أن تفهم حاجته لتبسيط المفاهيم؛ لأن إدراكه يصبح ضعيفاً ومشوشاً، وتحاول أن تجعله يدرك الحكمة من ابتلائه، والهدف من الصبر الذي تدعوه إليه.. بذلك فقط ستستطيع أن تساعده على تخطي الامتحان بنجاح وسلام.

خُلِق الإنسان من عَجَل.. فتجده متسرعاً دائماً.. يكره الانتظار، ويحب أن يحصل على مقابل لكل عمل يقوم به.. فكلما كان أجره أكبر وأكثر إغراء، كلما عمل أكثر وقدم أفضل ما عنده، وكلما وعدته بأن يحصل على الأجر في أقرب وقت، أو عند انتهائه من العمل، كلما اجتهد أكثر، وحاول أن يقدم الأفضل.. إنها طبيعة البشر منذ الأزل.

أما الفرائض والصبر، فأجرها مؤجل، مما يخالف طبيعة الإنسان، ولهذا تجده متكاسلاً، مماطلاً فيها، يكثر من خلق الأعذار، ويمني نفسه بجنة لا يستحقها.

فلنحاول أن نحلل هذه الإشكالية، كي نفهم الخلل ونقوم بتصحيحه حسب استطاعتنا، فكما استنتجنا أن الإنسان يطمح إلى الجزاء المعجل، ويتوانى عن الجزاء المؤجل.. ولكن لو خيرناه بين أجر بخس فوري، وأجر باهظ بعد سنوات، ووعدناه بمضاعفته لعشرات المرات، زيادة على بعض الهدايا، وكان يعرف أن الذي سيدفع له غني جداً ويتصف بالكرم والسخاء.. فسيفكر جدياً بالأمر، ولن يتبقى سوى شرط واحد ليوافق على الاختيار الثاني، وهو أن يكون هذا الشخص أهلاً للثقة ورمزاً للصدق والوفاء.. حينها لن يتردد عن الموافقة.

نثق بالعبد ولا نثق بالمعبود حق ثقاته.. نصدق العبد وننسى أن نصدق المعبود.. نسأل عن صفات وقدرات العبد ونجهل قدرات المعبود التي تفوق الخيال.. وهو الغني، الكريم، الرزاق، القادر على كل شيء، الذي وعدنا بخير الجزاء عن صبرنا ووعده الحق.. والذي خلقنا بيده ونفخ فينا من روحه وخلفنا على أرضه.. والذي يفهمنا ويعرف قدراتنا أكثر مما نعرف أنفسنا، وما نعرف إلا القليل.

فلو ابتلينا وأصابنا مصاب، مهما استصغرناه أو رأيناه عظيماً، فالله وحده أعلم بقدرتنا على تحمله، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وإن كنت تعاني من شيء معين، فهذا لأنك أقدر على غيرك من تحمله، ولا فائدة ترجى من مقارنات باطلة تهدر وقتك في وضعها، غير مدرك للحكمة من ابتلائك.. وركز فقط على الجزاء العظيم الذي ينتظرك، واصبر وصابر ورابط، ولا تنسَ أن الله معك ما دمت من الصابرين.

أحياناً نجد أنفسنا عاجزين عن الصبر، ونبدأ في إلقاء اللوم عليها، فنتهمها بقلة الإيمان، والضعف، ونزداد حزناً واكتئاباً، فيتحول الصراع الذي ذكرناه، إلى صراع داخلي، يكون أصعب وأكثر تعقيداً؛ لأننا لم نفهم ذواتنا بشكل صحيح، فتقودنا رغبتنا ببلوغ الكمال سريعاً، إلى الدخول في دوامة اليأس والإحباط.. ونجهل أننا بشر خطاء، قابل للتغيير والتطوير، وأنه علينا تقبل ذواتنا كما هي قبل أن نقرر بدء التغيير.. ثم سنتعلم الصبر بالمثابرة وتراكم الخبرات والتجارب، وخلق روابط تصله بالأمل، وقطع كل روابط سابقة صنعناها له ووصلناها بالألم.

أشفق على نفسك من تضييع فرصة للأمل، وكف عن الإشفاق عليها من تراكمات الألم، ففقط بشيء من الأمل وإيمان بقدرات الخالق الغني، وإدراك للجزاء العظيم الذي ينتظرك، ستستطيع تجاوز كل العقبات، وستحقق كل ما تطمح إليه، بامتلاكك مفتاح الفرج، وتصالحك مع ذاتك، وإدراكك المعنى الصحيح للحياة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد