في مصر… كلية العلوم ما بين الندامة والتحرش!

ندائي الوحيد الآن تفوح منه رائحه الحزن، هو للفتاة المصرية: "العار الوحيد الذي يجب أن تخافي منه، هو خوفك وصمتك!، كل خوفٍ هو عارٌ، وكلّ من تسبب لكِ في ألم هو الوحيد الذي يستحق أن يشعر بالخوف".

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/29 الساعة 03:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/29 الساعة 03:31 بتوقيت غرينتش

أشعرُ بالألم حينما أتحدث عن مجتمع علمي يطفحُ بأبشع أساليب العنف التي يتعرض لها الإنسان، كل إنسان يستطيع أن يدفن غضبه إلى حين ينتظر الفرصة؛ ليعبر عن ذلك الغضب، لكي لا يتلاشى وجوده، وتسقط الإنسانية المزيفة معه.

الألم هنا ألم شخصي بحت، من طالبة تدرس في كلية العلوم بجامعة الإسكندرية، تتعرض كل يوم إلى شتى وسائل القهر، كل يوم أُقلّب في الكتب، والملزمات، لعلني أجد فيها ما يجد العلماء من كتبهم! أدراج مكتبي تعجُ بالفوضى، كتب لا فائدة منها، أوراق أشتريها من المكتبة كمحاولة لفهم المنهج، أو بالأحرى كمحاولة لحفظ المنهج للحصول على درجة النجاح، أجل النجاح! هذا هو ما يسعى إليه كل طالب أو طالبة في كليات العلوم -تأكدوا من ذلك- لأنه ليس باستطاعتنا تحصيل أكثر نصف درجات الامتحان!

أذهب كل يوم إلى الكلية وبداخلي ندبةٌ عميقةٌ، أحملُ عبء اللحظات التي تضيع في هذا الصرح الفاشل، وضع أهلي ثقتهم وأحلامهم بي، يعتقدون أن الكلية هي المستقبل، وأن شهادتي هي التي ستوفر لي الأمان، أحاول أن أحافظ على جزء من أحلامهم التي سقط معظمها بداخلي، لا أصدر أصواتاً تجعل أي أحد يشك في مقدرتي على تحمل الألم، التآكل يحدثُ في صمت، تتآكل أحلامي مع كل دخول لامتحان، يتآكل إحساسي بأهمية وجودي مع كل إهانة تصدر من أساتذة الجامعة، تتآكل كرامتي واحترامي لنفسي مع كل شعور بالخوف .

تتابع أحداث التحرش يوماً بعد يوم، ولكن قد تفتت غطاء الصمت قليلاً، لتعلّن طالبة بكلية العلوم تسجيل صوتي يشعل موقع التواصل الاجتماعي" فيسبوك" لأستاذ بقسم الجيولوجيا كلية العلوم بجامعة الإسكندرية، يطلب منها أثناء امتحان الشفوي أن تشاركه في مشاهدة الأفلام الإباحية .

لم تكن هذه أول فتاة تعلن عن فضائح أعضاء هيئة التدريس، فسبق من قبل أن تحدث الإعلامي وائل الإبراشي، على قناة دريم، في برنامج العاشرة مساءً، عن طالبة قامت بالتسجيل لأحد أساتذة قسم الجيولوجيا بجامعة الإسكندرية حلقة بعنوان: "تحرش أحد أساتذة كلية العلوم جامعة الإسكندرية بطالبة وطلبه منها أن تأتي إلى منزله"، قسم الجيولوجيا لا يختلف شيئاً عن أي قسم آخر بكلية العلوم، ربما الاختلاف الوحيد هو تحدث الطالبات عن الأمر ولفت الأنظار إليه، ليس فقط كلية العلوم على وجه التحديد.

فكل يوم تتعرض فتاة في مختلف جامعات مصر إلى محاولات تحرش عديدة من بعض أعضاء هيئات التدريس، وكل يوم تصمت آلاف الفتيات، خوفاً من العار الذي سيلحق بأسمائهن، خوفاً من لصق التهمة بهن، وخوفاً من ضياع مستقبلهن .

التدنيس ليس في الفساد المتغلغل في الجامعة فقط، إنما في الإنسان الذي يسكن فيه العفن، ويستغل منصبه وسلطته في إظهار قبح غرائزه، تهرب الفتاة من التحرش في الشارع، تستطيع أن تقتل سهام النظرات التي تتلصص على جسدها، تستطيع أن تهرب من جرح الألفاظ التي تسمم سمعها، ولكن هل ستطيع أن تهرب الفتاة من امتحان نهاية العام البالغ 70 درجة؟!

يعزو الإعلام التحرش (كظاهرة) إلى نقص الوعي والثقافة، ولكن هل الأستاذ الجامعي ليس على هذا القدر؟ وما الذي يختلف عنه أستاذ الجامعة المتحرش عن سواق الميكروباص المتحرش؟! ربما وعي وثقافة أيضاً ولكن في أمور أخرى!!

المشكلة لا تكمن في درجة الثقافة والوعي، المشكلة تكمن في عدم وجود ردع صارم تجاه المتحرشين، أتعجب كثيراً من تلك الجرأة التي يمتلكها المتحرش في انتهاك الغير، وبالأخص داخل حدود الجامعات! يتكرر كل فعل تحرش بصورة متواصلة، كأن المتحرش على ثقة بأن أمره لن ينكشف، هل تحويل الأستاذ الجامعي المتحرش لمجلس تأديب، ووقفه عن العمل كافٍ ليكون ردعاً (إذا حدث ذلك أساساً)؟!

هل أناشد المنظمة العالمية لحقوق الإنسان أقول لهم "الحقونا التحرش وصل لامتحانات الشفوي!"، هل معاناة الفتاة المصرية في الشارع ليست كافية إلى هذه الدرجة؟ هل سيظل العار يلحق بجسد الفتاة حتى داخل أسوار الجامعة؟! هل ستظل الفتاة مكبلة بالخوف والصمت في إطار كل هذه المحاولات؟ما بين الندامةِ والتحرش تقف كلية العلوم كدليل حي على فساد المنظومة التعليمية، وضياع حقوق الطالب المصري!

ندائي الوحيد الآن تفوح منه رائحه الحزن، هو للفتاة المصرية: "العار الوحيد الذي يجب أن تخافي منه، هو خوفك وصمتك!، كل خوفٍ هو عارٌ، وكلّ من تسبب لكِ في ألم هو الوحيد الذي يستحق أن يشعر بالخوف".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد