يخشى نحو 60 ألف مدني محاصرون في مدينة الفلوجة العراقية من تدمير مدينتهم التي تبعد عن بغداد 40 ميلاً في اتجاه الغرب، بدلاً من تحريرها من قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) التي تسيطر عليها منذ عامين ونصف العام، وذلك مع زحف القوات التابعة للحكومة وحلفائها لاستعادة السيطرة عليها، يصاحبه قصف مركز للمدينة بالطائرات.
ونقل تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية، الخميس 26 مايو/أيار 2016، عن أحد السكان قوله "يبدو أنهم يحاولون تدمير الفلوجة وليس داعش".
يقوم نحو 20 ألف مقاتل عراقي من القوات الخاصة وقوات وزارة الداخلية ومقاتلي القبائل وميليشيات ما يسمى بـ"الحشد الشعبي" بالإضافة إلى عدد غير معروف من المستشارين الأميركيين بتضييق الخناق حول الفلوجة. ولكنهم منقسمون سياسياً فيما بينهم، وربما يعادي بعضهم بعضاً بقدر ما يعادون داعش نفسها.
قوات منقسمة
الانقسام الأكبر بين القوات العراقية النظامية، وتشمل سريتين من القوات الخاصة تقوم عادة بدور "قوات الصدمة"، وبين "الحشد الشعبي"، والتي تنتمي في معظمها إلى الحركات الشيعية شبه العسكرية، مع وجود بعض الوحدات السنية. وتحاول الولايات المتحدة إقصاء قوات الحشد الشيعية عن القتال على الأرض، وذلك لتبعيتها لإيران، ولكونها تشكل تهديداً للأغلبية السنية في الفلوجة.
وهكذا، نرى انعكاس الانقسامات السياسية والعسكرية والمذهبية في العراق على اصطفاف القوات المهاجمة.
وذكر أحد العراقيين أن بعضاً من أفراد أسرته لا يزالون محاصرين في الفلوجة، وأن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة "لن يدعم العمليات التي تنطلق من شمال وشرق الفلوجة، ولكنه سيدعم القوات السنية العراقية، بما فيها شرطة الأنبار وقوات الحشد السنية العشائرية التي ستنطلق عملياتها من جنوب الرمادي ومن عامرية الفلوجة التي تبعد عنها 35 كيلومتراً".
وقد استطاع عدد من الأسر يتراوح بين 20 إلى 80 الوصول إلى عامرية الفلوجة في الجنوب على نهر الفرات، في خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية. ولكن تنظيم داعش أصدر تحذيراً بأن قناصيه سيستهدفون أي شخص يشاهد على الطرقات.
حرب شوارع
وتواجه القوات التي تحاول السيطرة على الفلوجة، معضلات عسكرية صعبة، خاصة إذا لم تكن تريد تدمير المدينة. فيما يقدر عدد مقاتلي داعش في المدينة بنحو 900 مقاتل، وهم معتادون على حرب الشوارع بواسطة القناصة والعبوات الناسفة بدائية الصنع والأفخاخ المتفجرة، وفرق الهاون والانتحاريين. كما يقومون عادة بحفر شبكة من الأنفاق للاختباء أو لمباغتة العدو من الخلف.
ما لا يمكن التنبؤ به هو ما إذا كانت داعش ستصمد في الفلوجة حتى النهاية، مضحية بمقاتليها المتمرسين، أم أنها ستنسحب في آخر لحظة بعد إسقاط أكبر عدد من القتلى على الجانب الآخر.
وبرغم خسارتها للرمادي في العراق وتدمر في سوريا، وكذلك عدد من القرى والبلدات خلال عام 2015، إلا أن داعش تحاول عادة الحفاظ على مقاتليها ومعداتها العسكرية الثقيلة. حتى الآن، لم يحتدم القتال على الأرض، فقد قتل نحو 35 جندياً عراقياً و15 مدنياً فقط.
مكسب استراتيجي
الفلوجة، تعتبر مكسباً استراتيجياً. فهذه المدينة تتصف بالحماسة الدينية، وقد خاضت معركتين مع قوات مشاة البحرية الأميركية "المارينز" في حصار 2004.
لقد كانت الفلوجة أول انتصارات داعش في 2014، وذلك قبل سقوط الموصل بستة أشهر، ويلجأ قادة داعش لحرب العصابات من أجل إطالة أمد الحرب، لتفوق قدرة عدوهم القتالية، ولكنهم قد يتمسكون بالفلوجة ويخوضون معركة طويلة للحفاظ عليها.
أما القوات النظامية، فتحتاج لاستعادة الفلوجة للحفاظ على مصداقيتها، لأن أهل بغداد يرون أنها مصدر التفجيرات الانتحارية التي قتلت 200 مدني في العاصمة شهر إبريل/أيار 2016.
كانت القوات التابعة للحكومة قد حققت انتصارات في الرمادي، عاصمة الأنبار، وفي تكريت، بمساعدة الضربات الجوية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
وبرغم اعتبار تلك المعارك "انتصارات"، إلا أن المدينتين قد دمرتا بالكامل تقريباً. فالرمادي التي كانت موطناً لـ400 ألف مواطن، أصبحت اليوم غير مأهولة، وقد دمرت 70% من مبانيها. وعلى المدى البعيد، يعتبر السنة في العراق، وهم يشكلون نحو 20% من السكان وفقاً لبعض التقديرات، تحت التهديد، وقد هجر بالفعل عدد كبير منهم.
قتل السنة
وتعلم المراجع الشيعية في العراق بخطورة عمل قوات الحشد الشيعية كقوات قتل تدفع السنة للهجرة. فقد صرح آية الله على سيستاني، عن طريق ممثله الشيخ عبد المهدي الكربلائي، بأنه يؤكد على احترام أخلاقيات الجهاد.
ولقد كانت فتوى السيستاني التي صدرت في يونيو 2014 هي السبب في تنظيم قوات الحشد، بعد أيام من سيطرة داعش على الموصل. وقد ذكر فيها ما جاء في أحاديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، "لا تغلوا.. لا تقتلوا شيخاً ولا صبياً ولا امرأة. لا تقطعوا شجرة".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Independent البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.