مسؤولية النخب الغربية عن ترك الربيع العربي ينمو دون تدخل!

ولا يجوز ونحن في بداية الألفية الثالثة بعد الميلاد أن نرى دولاً ديمقراطية تدعم وتحمي نظماً عائلية وعسكرية تتحكم بالسلطة والثروة، بينما أغلبية الشعب تعيش في قلة وفقر

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/24 الساعة 04:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/24 الساعة 04:05 بتوقيت غرينتش

كما سمحت الدول الغربية قاطبة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية بقيام نظم ديمقراطية، ودعمت بقوة وبكل الوسائل المادية والمعنوية هذا الحدث، وسهلت التحول الديمقراطي السلس والسلمي فيما كان يعرف بالمعسكر الاشتراكي، وهللت له وأسهمت في خروج أوروبا الشرقية من عنق الزجاجة، وأنقذت شعوبها من محنة التقاتل الأهلي التي أصابت المجتمعات العربية، فمن المفروض أن تدع التحول الديمقراطي في البلاد العربية يمر بسلام، وأن لا تعرقل هذا التحول تحت أي ذريعة، وأن لا تعتبر إرادة الشعوب العربية الساعية إلى تقرير مصيرها وانتخاب من يمثلها تهديداً لمصالحها القومية وأمنها، ونحن نرى كيف صمتت الدول الغربية تجاه ما حصل في مصر من انقلاب على رئيس شرعي منتخب ديمقراطياً، سواء اتفقنا أو اختلفنا مع الإخوان كتيار إسلامي، فمبادئ الديمقراطية توجب علينا احترام إرادة الناخبين في اختيار من يمثلهم دون عوائق قهرية.

ويتحمل الغرب مسؤولية أخلاقية كونه حمى لعقود طويلة، أو صمت على أنظمة ديكتاتورية حكمت الشعوب العربية بالحديد والنار، وقتلت وسجنت مئات الآلاف وهجرت قسراً ملايين المواطنين بتهم ملفقة بحجة تهديد الأمن، وطوال عقود طويل من الظلم وممارسة عنف الدولة بأجهزتها المخابراتية والقمعية، ظل الغرب صديقاً لهذه الأنظمة القمعية، وسواء صمت الغرب من أجل مصالحه أو غض الطرف بداعي العجز، فإنه شارك في هذه الحقبة المظلمة من تاريخ المنطقة العربية، التي اتسمت بسيطرة نظم عائلية وعسكرية لمدة طويلة من الزمن على مقدرات الشعوب، وحكمت تحت فوهة المدافع وأجهزة التعذيب والقمع, والمطلوب اليوم هو وقفة تاريخية من جانب النخب الغربية التي تدعي حمل قيم الحرية والديمقراطية والعدالة, وقفة صادقة تعيد الاعتبار للشعوب العربية, وقفة تنصفها في سعيها نحو التحرر والعيش بكرامة تحت حكم القانون والمؤسسات المنتخبة بإرادة الشعب لا بإرادة الحاكم الأبدي، فكرامة الإنسان وحقه بالحياة في ظل سلطة تحترم إنسانيته ليست قيماً غربية فقط، إنها إنسانية تخص كل بني البشر، تجمعهم قيم المحبة والعدالة.

ولا يجوز ونحن في بداية الألفية الثالثة بعد الميلاد أن نرى دولاً ديمقراطية تدعم وتحمي نظماً عائلية وعسكرية تتحكم بالسلطة والثروة، بينما أغلبية الشعب تعيش في قلة وفقر، وفي ظروف قاسية، والكل يعرف أن جذور الربيع العربي هي جذور اجتماعية أولاً وأخيراً وسياسية تالياً فيما يخص المشكلة الفلسطينية والاحتلال، وإذا ما واصل الغرب تجاهل جذور الأزمة الناجمة عن قلة الموارد وارتفاع الأسعار ونقص المياه وسيطرة أقلية على الثروة والسلطة، فالصراع في المنطقة العربية سيستمر لفترة طويلة حتى تتحقق العدالة في توزيع الثروة وتقاسم السلطة بشكل عادل، وهذا الأمر يلقي على عاتق النخب الغربية مسؤولية أخلاقية وإنسانية بترك الربيع العربي ينمو جيداً دون تدخل أو عرقلة؛ لتزهر أشجاره، ليثمر ويتحقق الأمل بمستقبل زاهر للأجيال القادمة؛ لتعيش بطمأنينة وتسامح بين كافة الفئات والطوائف، فإذا كانت العلاقة المصلحية بين العرب والغرب هي شراء النفط مقابل شراء الآلات، فالحقيقة المؤكدة هي أن العرب لن يشربوا النفط؛ بل سيبيعونه للغرب، والغرب لن يأكل صناعاته، سيبيعها لمن يشتري ويدفع سعرها، والعرب يشترون.

حتى يكتمل الربيع يجب أن يتوقف هبوب العواصف القادمة من الغرب، وتتوقف حملات التشويه والإسلاموفوبيا، قد يتأخر الربيع لكنه سيزهر حتماً ربيع الشعوب التي تحلم أن تعيش بأمن وسلام في ظل دولة القانون والعدالة الاجتماعية بعيداً عن القمع والتسلط وطبعاً ليس في ظل إمارة البغدادي وأخواتها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد