في الذكرى السنوية للنكبة 15 مايو/أيار التي مرت منذ أيام قليلة، دون ضجيج إعلامي ولا بكاء على فلسطين، الفردوس المفقود، كما وصفها (عارف العارف)، فالإعلام العربي صم بكم عمي فهم لا يتكلمون، كأن فلسطين والأقصى وبيت المقدس ليست على الخريطة العربية، تكتشف ذلك وأنت تقلب في القنوات العربية عبر (النايل سات) لا تجد شيئاً يُذكرك بما حصل، أو يمدك بمعلومات تاريخية حول النكبة وتفاصيلها وتبعاتها، فلا تكاد تجد أي تغطية عربية إعلامية (إلا من رحم ربي) تُحيي هذه الذكرى الحزينة على الأمتين العربية والإسلامية، كأننا نعاني استعماراً إعلامياً مقصوداً، يستعمر العقول ويقصي الهوية ويطمس الذاكرة الجماعية العربية، كأن طبريا وعسقلان والناصرة وعكا ويافا واللد…. ليست مدننا، ليست من تاريخنا، أو من ذاكرة الجغرافيا، كأن فعل التذكر وإحياء النكبة بات من المحظور في قنواتنا المحترمة.
محاولة الطمس هذه تندرج ضمن مسلسل مقصود ينخرط فيه إعلامنا العربي بوعي أو من دون وعي؛ حيث يحاول من خلاله اختطاف الوعي العربي، واغتصاب الذاكرة الجماعية وتزييفها بنشر ثقافة استهلاكية تثير الغرائز والشهوات، وترسخ ثقافة الأنا والفردانية اللامحدودة، والنتيجة تربية أجيال عربية ممسوخة ومشوهة ثقافياً، مغيبة لا تعرف عن ماضيها أي شيء.
إن الإعلام العربي يعتبر كعنف رمزي ناعم تستخدمه الأنظمة العربية الشمولية في تطويع شعوبها والسيطرة على الرأي العام، إنه سلاح فعال في سرقة التاريخ وتغييب المعلومة وتضليل الحقيقة، نمر اليوم بامتحان عسير عنوانه: كيف نحمي ذاكرتنا الجماعية؟ إن إحياء ذكرى النكبة كذاكرة جماعية يخيف الكيان الصهيوني ومن معه؛ لأنها أسلوب حياة ونسق قيمي وجغرافيا وتاريخ ومنظومة قيم حضارية وإرث ثقافي وديني…كلها روابط تجعلها آخر قلعة إدراك ووعي بالجرح الفلسطيني، وبما حصل من سرقة الأرض في واضحة النهار، وإن توالت السنون فالاستعمار والاحتلال لا يسقطان بالتقادم؛ لذك فالنكبة جزء من ذاكرتنا الجماعية الراسخة التي لم ولن تغيب، مهما حاولوا واجتهدوا في طمسها، سواء بأيادٍ خارجية أو داخلية، فلسطين فينا ونحن فيها لا تكاد تغيب عنا، إنها عنوان الكرامة وما تبقى من مساجد وكنائس وموسم جني الزيتون، وفكرة العودة إلى الأرض، حاملين المفاتيح الصدئة؛ لنفتح باب فلسطين من جديد، ونعود إلى ما يجب أن نعود إليه وما خلفناه وراءنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.