تشكل أزمة اللاجئين عبئاً كبيراً على منظمات الإغاثة الإنسانية العالمية يفوق قدرتها على الاستمرار. ففي هذا العام يحتاج نحو 125 مليون شخص حول العالم للمساعدات الإنسانية، ما يوضح مدى تفاقم الأزمة الإنسانية ووصول الوضع إلى حافة الكارثة.
60 مليوناً من هؤلاء نزحوا بسبب النزاعات المسلحة والاضطهاد. وبات متوسط المدة التي يقضيها اللاجئون في الشتات نحو 17 عاماً، ما يعنى أنها كارثة تؤثر على عدة أجيال متعاقبة.
يوجد الآن عدد أكبر من كوارث "المستوى الثالث" – المستوى الأكثر خطورة وفقاً لتصنيف الأمم المتحدة – من أي وقت مضى، وإن كانت كوارث الدول الأكثر حضوراً في عناوين الأخبار (العراق، جنوب السودان، سوريا، اليمن) تشكل نسبة منها فقط.
فهناك مئات الآلاف من النازحين من الصراعات في أوكرانيا وجمهورية إفريقيا الوسطى والصومال، كما تواجه إثيوبيا الجفاف الأشد منذ 50 عاماً، ما يجعل نحو 20 مليون شخص عرضة للجوع وبحاجة للمساعات، بحسب تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي الأميركية، الإثنين 23 مايو/أيار 2016.
تفاقم الأزمة
تتزايد تكاليف الأزمة، بلا شك، بسرعة كبيرة، فالتبرعات للمساعات الإنسانية وصلت لـ12 ضعف ما كانت عليه في عام 2000، وفي المقابل، لم تتضاعف المعونات الأجنبية ولا مرة خلال الـ15 عاماً الأخيرة. لا عجب إذن أن تصرح الأمم المتحدة بأن هناك عجزاً في ميزانية الإغاثة الإنسانية يصل إلى 15 مليار دولار في العام الماضي.
لطالما اتفق المتبرعون من القطاع العام والخاص على أن الأزمات الإنسانية تحتاج لتعاطٍ يكون أكثر فاعلية. إعصار في ميانمار؟ فلنرسل سفن إنقاذ. زلزال في إيران؟ يرسل جورج بوش طائرات القوات الجوية محملة بمئات الأطنان من المساعدات لما يسمى "محور الشر". ولكن 80% من الكوارث هي من صنع البشر، وليس الطبيعة، وهنا يصبح الوضع معقداً. فالصراعات المسلحة التي تضع ملايين المدنيين في مرمى النيران تعتبر أكثر تعقيداً من مساعدات "راحة الضمير" التي ترسل بعد الفيضان.
في ظل تزايد عدد المتضررين من الكوارث، وتزايد كلفتها، ماذا ستفعل الأمم المتحدة؟ ستدعو لمؤتمر بالطبع. تنعقد هذا الأسبوع القمة الأولى للمساعدات الإنسانية في إسطنبول، في قلب الحدث. فتركيا تؤوي اليوم أكثر من 3 ملايين لاجئ وطالب لجوء من سوريا والعراق، وهو الرقم الأكبر بين دول العالم، وفقاً لوكالة للاجئين التابعة للأمم المتحدة. ومن المتوقع أن يرتفع العدد بعد اتفاقية منع تدفق اللاجئين إلى أوروبا عبر تركيا.
طموحات القمة
طموحات القمة عالية: التزام عالمي بالمبادئ الإنسانية الأساسية (عدم قصف المستشفيات مثلاً)؛ أهداف أكثر وضوحاً لتمويل المساعدات استجابة للأزمات؛ والمزيد من الاستثمار في الإنذار المبكر وتحليل المخاطر، ولكن تلك هي الأهداف السهلة.
إنها أهداف نبيلة. لكن تظل القمة مجرد مناقشات، وليست معاهدات، ولن تسفر سوى عن التزامات طوعية، ولا توجد أي برامج إلزامية لإحداث التغيير المطلوب. وهذا ما يسبب الإحباط. انسحبت منظمة أطباء بلا حدود مقدماً لأن المؤتمر لا يتضمن التزاماً كافياً من الدول الأعضاء. وقد أصدرت المنظمة بياناً ذكرت فيه أن 75 من مراكزها الطبية قصفت العام الماضي، ما يعد مخالفة فجّة للقوانين الإنسانية العالمية، ووصفت فيه المؤتمر بأنه "ورقة توت" النوايا الحسنة. وعلى الطرف الآخر، لن يشارك فلاديمير بوتين في المؤتمر لأنه يعتقد أن تلك المنظمات المزعجة لديها الكثير لتقوله، لذلك ربما تمنع أعضاء الأمم المتحدة من تخفيض سقف النتائج.
فهل هناك أمل يرجى من قمة إسطنبول هذه؟ التغيير الحقيقي الذي يمكن لأحد أن يحدثه في حياة الملايين الذين يجبرون على الهجرة من ديارهم هو التوقف عن قصفهم وتجويعهم، والسماح لهم بالعودة لإعادة إعمار بلادهم. ولكن هذا لن يحققه مؤتمر تطوعي. فالنفقات التي توجه للمساعدات الإنسانية كان من الأولى توجيهها للتنمية طويلة المدى، وهذا يتسبب في زيادة تكلفة البنية التحتية المدمرة والنمو الاقتصادي المعطل إلى تريليونات الدولارات. ستثار هذه القضايا في المؤتمر، ولكن من غير المرجح أن يتم إحراز أي تطور في اتجاه حلها.
يقول ديفيد ميليباند، رئيس اللجنة الدولية للإنقاذ وزير خارجية بريطانية الأسبق: "المشكلات السياسية لا تجدى معها الحلول البيرقراطية".
الأمر الذي يلي هذا في الأهمية هو إصلاح نظام الإغاثة الإنسانية الدولي نفسه. فالروابط التي نشأت بين وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في الخمسين سنة الأخيرة أنشئت في الغالب لتوفير الدعم قصير الأمد في حالات الكوارث الطبيعية، لإبقاء الناس على قيد الحياة حتى يتمكنوا من العودة لديارهم لإعادة إعمارها. وقد نجحت في هذا إلى حد كبير.
إن الاستثمار في اللوجستيات والتنسيق والانتشار السريع وإيجاد التمويل بدأ يؤتي ثماره. ولقد شهدنا تطوراً كبيراً في مجال تقليل مخاطر الكوارث في الدول النامية في بعض المناطق. ففي بنغلاديش، عام 1970، كان ما يقرب من 35 ألف شخص يقتلون سنوياً بسبب العواصف والفيضانات. واليوم يقترب هذا العدد من الصفر. فالاستثمار طويل المدى الذي قامت به الأمم المتحدة والولايات المتحدة بالتعاون مع حكومة بنغلاديش قد آتى ثماره.
ولكن النظام الدولي للإغاثة الإنسانية ليس مصمماً لما يتصدى له اليوم؛ معالجة الأزمات طويلة الأمد التي صنعها البشر. هل يممكننا اعتبار اللاجئين الأفغان أو الصوماليين الذين يعيشون في معسكرات اللجوء في باكستان والعراق وكينيا لعشرات السنين "كارثة إنسانية"؟ الأولى أن نعتبرهم بحاجة للتنمية طويلة المدى.
مئات الآلاف من الأطفال يحتاجون إلى تعليم، وتوظيف، وحياة شبه كريمة، فهم لم يعرفوا في حياتهم سوى هذه المعسكرات. فمقابل كل لاجئ سوري يصل إلى أوروبا هناك 9 آخرون في دول فقيرة وملايين داخل سوريا لايزال أمامهم طريق طويل ليتعافوا، هذا إذا ما قدر للحرب أن تنتهي.
هناك تغييران كبيران ستتم مناقشتهما في إسطنبول قد يحدثا فرقاً – وربما تستطيع المنظمات والمتبرعون والدول أن يفعلوا شيئاً حيالهما. الأول هو زيادة الموارد مع توجيه الإنفاق لخلق فرص للمتضررين لإعالة أنفسهم. وتبقى الحاجة الملحة للإغاثة المباشرة للحفاظ على الأرواح، ولكن بعد إزالة الخطر المباشر، يجب أن نتيح لهم الاستمرار في الحياة.
وهذا يعني توفير التعليم الجيد والرعاية الصحية وفرص العمل والتدريب، وكذلك المساكن الملائمة. وهذا يعتبر تحدياً خاصاً للدول التي تؤوي اللاجئين، لأنها ترفض أن يقوم اللاجئون بالاستقرار في أراضيها. ولكن الدلائل تشير إلى أن إيجاد فرص عمل للاجئين يزيد من النمو الاقتصادي ويقلل من انتشار الجريمة والمشكلات الأخرى الناجمة عن البطالة.
من أفضل الطرق لتحقيق ذلك هو التعلم من التطورات الكبيرة في العقود الأخيرة – مثل استخدام الأموال العامة لجذب الاستثمارات الخاصة، وتطبيق هذا في سياق الإغاثة الإنسانية. على سبيل المثال، أعلن البنك الدولي عن استثمار بقيمة 100 مليون دولار لخلق 100 ألف فرصة عمل في الأردن، توزع مناصفة بين الأردنيين واللاجئين السوريين.
بإمكاننا التعلم من حمدي أولوكايا، مؤسس عملاق الألبان Chobani، والناشط في مجال العمل الخيري، والذي يدعم التركيز على التوظيف لمعالجة قضايا النزوح، والذي يستعين باللاجئين للعمل في مصانعه.
الأمر الثاني هو جعل مجتمع العمل الخيري نفسه أكثر فاعلية، وشفافية وتنسيقاً. لطالما كانت هناك مخاوف من المنافسة بين المنظمات غير الحكومية والوكالات التابعة للأمم المتحدة في مواقع الطوارئ. فالتباين الكبير بين الطرفين في تقدير الاحتياجات وتكلفة توصيل المساعدات يسبب انعدام الثقة والتخبط.
وهذه التطورات قد تشجع المتبرعين على تمويل التخطيط بعيد المدى والتوظيف، بدلاً من تمويل الحاجات الطارئة فقط. هذا الاقتراح الذي قدمته اللجنة رفيعة المستوى الخاصة بتمويل الإغاثة الإنسانية سيساعد على صناعة القرار بناء على الأدلة الذي حدثت فيه تطورات كبيرة في السنوات الأخيرة.
في الواقع، لن يتم توقيع اتفاقات سلام في إسطنبول هذا الأسبوع. لن تحضر الدول التي تقصف المدنيين عمداً لتعلن أنها ستتوقف عن ذلك. ستتزايد أعداد النازحين في الشهور المقبلة، وذلك لأن أسباب المشكلة الأساسية لن تتم معالجتها في القمة.
ولكن سيتم توجيه أموال أكثر من منظمات أكثر للمحتاجين، ولعل هذه القمة توضح للجميع أن المجتمع الدولي باستطاعته أن يتصرف بصورة أفضل، بل ويجب عليه ذلك. لن تعالج القمة جميع القضايا، ولكن لعلها خطوة أولى على الطريق.
هذا الموضوع مترجم عن مجلة Foreign Policy الأميركية، للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.